السجائر الإلكترونية تقتل أيضاً

السجائر الإلكترونية تقتل أيضاً

 

Telegram

 

تسوق الـ«ترند» المستهلك اللبناني في أكله وشربه ولباسه ونمط عيشه... وأخيراً في سيجارته التي صارت «إلكترونية»، تحت مسمى الـiqos وvape. وبما أن اللبنانيين شعب مدخّن، لاقت منتجات التبغ الإلكترونية رواجاً سريعاً، وباتت تخصص لها نوافذ بيع في مختلف المناطق، إضافة إلى ما يأتي منها بشكل حصري عن طريق مؤسسة «إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية» (الريجي)، أو عن طريق التهريب. ومقابل الشهرة التي تلقاها السيجارة الإلكترونية يخفت الحديث عن أضرارها الصحية والبيئية، ويقتصر على السيجارة العادية. هكذا، تجني الشركات العالمية أرباحاً طائلة من تجارة تقوم على الغش والتضليل، فيما لائحة المقتولين بالسرطان تزداد طولاً

تغزو منتجات التبغ الإلكترونية (التبغ المسخّن والمنكّه) الأسواق اللبنانية، استيراداً وتهريباً، مع تحوّل عدد من المدخنين من السجائر العادية إلى الإلكترونية باعتبارها أقل ضرراً. في الشق «الشرعي»، استورد لبنان العام الماضي، عبر «إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية» (الريجي)، نحو 79 ألفاً و636 صندوقاً من التبغ المسخن، يحتوي كل منها على 500 علبة. تأتي هذه المنتجات من رومانيا وتوزّع للإستهلاك حصرياً وتتضمّن ثلاثة أنواعٍ أساسية هي FIIT, HEETS, TEREA، تندرج كلها تحت مسمى الـIQOS (سجائر التبغ المسخّن). وبحسب إحصاءات إدارة الجمارك اللبنانية، وصلت كمية التبغ المسخّن المستوردة العام 2023 إلى 4407 أطنان بقيمة إجمالية بلغت نحو 52 مليون دولار.
وفي ما يتعلق بمنتجات التبغ السائلة (vaping)، استوردت المؤسسة العام الماضي 71 ألفاً و111 صندوقاً لا تغطي كمية الإستهلاك الفعلية في السوق اللبناني، بسبب غلبة التهريب في هذا «القطاع». وبحسب رئاسة قسم التبغ «المشكلة أننا في بلدٍ بحدودٍ مكشوفة ومفتوحة ولا نعرف ماذا يدخل وماذا يخرج من تلك البضاعة، ولذلك ليس هناك رقم دقيق عن كمية الإستهلاك»، بحسب رئيس القسم حسين سبيتي، لافتاً إلى أن رفع أسعار السجائر يأتي بنتائج عكسية، فبدلاً من تشجيع «الدخان الوطني» وما ينتج في «الريجي» من علامات تجارية أجنبية، انعكست فوضى التسعير فتحاً لأبواب التهريب «ولذلك يجب ألا تتخطى الأسعار تلك المعمول بها في دول الجوار وأن نبقى أرخص من المحيط كي لا تكبر لائحة التهريب».
وإذا كانت السيجارة العادية لا تزال الأولى في السوق (توزّع «الريجي» منها ما يزيد على 100 ألف صندوق أي نصف مليون علبة شهرياً)، إلا أن استهلاك التبغ المسخّن وأجهزة السوائل المنكهة يزداد عاماً بعد آخر، مع الرواج الذي تشهده وتطوّر أشكالها والإضافات عليها. وقد أسهمت هذه المنتجات في خلق فئة جديدة من غير المدخنين الذين التحقوا أو سيلتحقون بالمدخنين عاجلاً أم آجلاً، إذ أن هذه السجائر «تعلّقهم» بنكهاتها وتبغها، ما يجعل عبورهم إلى السيجارة العادية أكثر سهولة وسلاسة. وهذا ما تريده «فيليب موريس»، الشركة المصنّعة للجزء الأكبر من الإصدارات الجديدة، وغيرها من الشركات التي تروّج لمنتجاتها باعتبارها «الخيار الآمن» لمن يريد الإقلاع عن التدخين، إلا أن ما تقوم به هو تسويق منتجها الالكتروني وتوسيع شريحة مستخدمي سيجارتها التقليدية في الوقت نفسه. وقد ذهبت في الترويج لمنتجاتها على أنها ليست تبغاً، فسمّت التبغ المسخن iqos اختصاراً لـ Quit Ordinary Smoking (أقلعت عن التدخين العادي)، وخرجت بمنتجات أنيقة الشكل وصغيرة وبنكهةٍ ورائحة مرغوبة، صارت في نهاية المطاف «تراند» في متناول الجميع. وبسبب إضافة السكّر إلى النكهات المستخدمة، وصلت هذه المنتجات أيضاً إلى الأطفال والمراهقين، ما دفع بمنظمة الصحة العالمية إلى حظر 10 نكهات في البداية، قبل أن تحظر جميع أنواع السجائر الإلكترونية المنكهة في العالم باعتبارها مماثلة للسجائر العادية، انطلاقاً من تأثيرها على من تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاماً «ممن تم تجنيدهم ودفعهم في سن مبكرة إلى استخدام السجائر الإلكترونية، وما يعني ذلك من إدمان مبكر على النيكوتين».

التدخين الإلكتروني وهم
لم تأت المخاوف من السيجارة الإلكترونية من عدم. فمنذ ابتكارها عام 2013، صدرت دراسات عدة حول مضارها. وفي لبنان، بعد عامين من «الإصدار»، اشتغلت الأبحاث والدراسات لمعرفة مدى نجاعة هذا الإختراع في التقليل من المخاطر التي تتسبب بها السيجارة العادية. وكانت الجامعة الأميركية في بيروت واحدة ممن عملوا في هذا الإطار، وبينت دراسات قامت بها منذ عام 2015 حول السجائر الإلكترونية إلى أنها لم تمنع الآثار الضارة للتدخين، لسببٍ أساسي هو أن العلاقة بين المدخّن ومادّة النيكوتين لم تتغيّر لأن هذه السجائر لا تخلو من النيكوتين.

لا يفرّق الباحثون بين السيجارة العادية وتلك الإلكترونية إذ كلاهما يحملان المواد نفسها


ولا يفرّق الباحثون بين السيجارة العادية وتلك الإلكترونية إذ كلاهما يحملان المواد نفسها، وإن كانت دعاية شركات الإنتاج قد أوهمت المدخّنين أن «آيكوس» و«فايب» بديلان عن «الدخّان». وبينت الدراسات في هذا الإطار أن هذا البديل «ليس أكثر من وهم»، وفق المديرة التنفيذية للأكاديمية البيئية في الجامعة الأميركية النائبة نجاة صليبا. فالنيكوتين والمواد الكيميائية التي تشكّل عاملاً «جاذباً» للسرطان موجودة في السجائر الإلكترونية أيضاً. أضف إلى ذلك أن الـiqos «تبغ أولاً وآخراً»، لكنه يختلف عن السجائر العادية في «ميزة» واحدة، وهو أنه يسخّن التبغ ولا يحرقه، أو بتعبير أدق «يحرقه على درجة حرارة أخفّ. ففيما تحرق السيجارة العادية التبغ على 900 درجة، يحرقه الآيكوس على 300 أو 350 درجة». مع ذلك، لا ينعكس هذا الفارق في الدرجات اختلافات نوعية، فجلّ ما يفعله التخفيف من الأضرار الجانبية التي يمكن أن تسببها المواد الكيميائية المختلفة والتي تتخطى الـ7 آلاف مادة، في حين أن مادة النيكوتين تبقى كما هي.
أما «الفايب»، فشيء آخر تماماً، والمخاطر الذي ترافق هذا المنتج أعلى بكثير مما هي في «آيكوس» وفي السيجارة العادية. فهنا، بإمكان المدخّن أن يتحكم بكمية وقوة مادة النيكوتين التي يريدها، وكذلك سرعة ومدة استنشاقها «يعني فيكي تدوخي من one shot»، تقول صليبا، مضيفة أنه «إذا ما أطال فترة السحب من البطارية، فهو بذلك يتلقى مادة النيكوتين أكثر بثلاث أو أربع مرات من السيجارة العادية في سحبة واحدة». أما أخطر ما في هذا الإبتكار هو تنوع نكهات السوائل التي يدخل السكّر عاملاً أساسياً فيها. فعدا عن كونه يجذب شريحة كبيرة من المدخنين لم يكن النيكوتين يستهويهم يوماً، فإنه يزيد في الوقت عينه من «خطر الإصابة بالسرطان»، بحسب راشيل الحاج، إحدى الباحثات ومعدّة دراسة «الانبعاثات السامة الناتجة عن إضافة السكرالوز في سوائل السيجارة الإلكترونية». وتعلّق الحاج بالقول إن النكهات تضاعف كمية السموم التي يتلقاها المدخّن 3 مرات أكثر مما هي في السيجارة العادية. وهي انبعاثات ناتجة عن إضافة «السكرالوز» كمحلٍّ إلى السائل المستخدم في الجهاز الإلكتروني، والذي ينشّط مادة سمّية يطلق عليها «كلوروبروبانول» تصنّف وفق الدراسات كمادة مسرطنة للإنسان بشكل عام. وتشير الحاج في دراستها إلى أن «الحد الأقصى المسموح به للإستهلاك اليومي من هذه المادة هو بمقدار 2 ميكروغرام- كيلوغرام من وزن الجسم». ونظراً إلى التقدير التقريبي لاستخدام السيجارة الإلكترونية بـ 150 «نفخة» في اليوم، «سيتعرّض مستخدم وزنه 70 كيلوغراماً من 0 إلى 18 مرة أكثر من المستوى المسموح به يومياً، اعتماداً على ظروف التشغيل ومع مراعاة الفرق بين طرق الإستنشاق والإبتلاع». أضف إلى ذلك أن «الكشف عن هذه المواد المسرطنة المحتملة في رذاذ السوائل ذات النكهات الحلوة يزيد من خطر الكربونيل المسرطن المنبعث من تحلل السائل الأساسي».
وخلصت دراسة أخرى للجامعة الأميركية في بيروت عن النكهات المضافة في «الفايب»، إلى أن هذه النكهات بقدر ما تزيد من جاذبية المنتج بين الشباب، تزيد من خطر الإصابة بالسرطان. وأشارت الى أنه رغم ادّعاء الشركات المصنّعة للسجائر الالكترونية بأن النكهات التي تضيفها «هي إضافات آمنة لأنها تستخدم عادة في الأطعمة، إلا أن هذه الحجة مضللة لأن المضافات الغذائية مخصّصة للابتلاع وليس الاستنشاق، ويمكن أن تتحول كيميائياً عند تسخينها في السيجارة الإلكترونية». ومثالاً على ذلك، فإن «مركّبات السَكَاريد التي تستخدم لإضفاء نكهة حلوة، تتحلل إلى مركبات الفيوران السامة». والأسوأ من ذلك أن مستويات مادة الفيوران في كل نفخة سيجارة إلكترونية مماثلة لتلك الموجودة في نفخة السيجارة التقليدية!
هل هذا أسوأ ما في تلك السجائر؟ تجيب صليبا بـ«لا»، بسبب الابتكارات التي تذهب إلى حدّ خلط النكهات ما يعزّز إنتاج انبعاثات سامة مسرطنة، وإذابة مواد أخرى تدخل فيها، من بينها الـ«غليسرين»، وهي مادة شمعية تحدث أضراراً في الرئتين.

الآثار البيئية
لا تنحصر مضار السجائر الإلكترونية في تأثيراتها الصحية، إذ تمتد لتطال البيئة أيضاً مع الرمي العشوائي لمخلّفاتها. وبحسب غابي قصاب، رئيس جمعية ecosery، «خطر هذه السجائر يكمن في أن موادها السامة تخرج منها وتنتشر في التربة أو في المياه الجوفية خلال ساعات، على عكس البلاستيك العادي الذي يتطلب فترات أطول بكثير كي يصبح ملوِّثاً».
وتختلف هذه المواد عن النفايات العادية، إذ تندرج في خانة النفايات الإلكترونية التي تحتاج إلى «معاملة خاصة» وطريقة معالجة متقنة غير متوفرة في لبنان، بسبب تشعّب المواد التي تتكون منها والتي تحتوي كلها على موادٍ سامة. إذ إنها «تقسم إلى ثلاثة أجزاء: البلاستيك والبطاريات lithium ion أو بما تحتويه من مادة «ألتيفينول» السامة والشريحة الإلكترونية board». وبما أن هذه الأجزاء لا تستهوي جامعي الخردة كونها لا تباع، ترمى مع النفايات العادية أو يتم اللجوء إلى كسرها أو حرقها «وهنا تكمن الكارثة بسبب قلة الوعي بمخاطرها». فيما ينبغي التعاطي مع كل جزء على حدى «نفصل البلاستيك، من خلال تطهيره من المواد السامة وإعادته إلى أصله بلاستيك عادي يمكن إعادة تصنيعه، وكذلك الأمر بالنسبة للبطاريات، بحيث نعمل على إلغاء مفعول السم منها ومن ثم معالجتها كما البلاستيك». أما بالنسبة للشريحة الإلكترونية «فنحن لا نملك محارق متخصصة لحرقها أو للعمل عليها وفق المعايير التي يعمل فيها في أوروبا، ونحاول اليوم إيجاد طريقة خضراء لاستخراج المواد السليمة منها ومعالجة المواد السامة فيها».

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram