برّاك يكذب.. وبعض الإعلام يصفّق!

برّاك يكذب.. وبعض الإعلام يصفّق!

 

Telegram

 

للمرّة الثالثة، في غضون أسابيع، يزور المبعوث الأميركي توم برّاك لبنان، يعقد لقاءات ويدلي بتصاريح ويبلّغ اللبنانيين موقف بلاده الذي يتسّم بصفة ” لا جديد”.
وكما في كلّ مرّة، يستحيل الإعلام اللبناني العامل في فلك عوكر إلى “إمّ العروس”، فينهمك في تغطية الزيارة وما تخلّلها لا من بُعد صحفيّ إخباريّ موضوعيّ، بل من البعد الترويجيّ المتبنّي والخاضع لمواقف برّاك، وحتى لما قد يدور في خلده وأمانيه. 
لذلك، ليس من المستغرب أن تجد صورته وصوته وتعليقاته ومواقفه، وحتى تعابير وجهه، تحتلّ الحيّز الأكبر من المساحة الإعلامية تلك، مع أنّه لا يحمل جديدًا سوى تبطين التهديد ضدّ لبنان عبر تلميحات في ظاهرها تنصّل من أي ضمانة أو مسؤولية إزاء ما يرتكبه الكيان الصهيوني ضدّ لبنان، وفي باطنها دعوة للأطراف اللّبنانية المعادية للمقاومة للقيام بخطوات عملية ضدّ السلاح الوحيد الحامي للبنان..
وفي انعكاس واضح للعنجهية التي تتعاطى بها الدبلوماسية الأميركية في بلادنا، يؤكّد برّاك في لقاء تلفزيوني أجراه معه “تلفزيون لبنان” ضرورة أن يكون عديد الجيش اللبناني مدربًا ومتمرّسًا “كقوات حفظ سلام، وليس كقوات عسكرية هجومية!
بمعنى أن يكون الجيش اللبناني مجرّدًا من أي مقدرة عسكرية تصدّ هجومًا أو تدافع عن أرض وناس! ..هذه الجملة وحدها تشكّل تحقيرًا للسيادة اللبنانية، فهو أمر معتاد في مسار التدخلات الأميركية في البلد، توجّه إساءة مهينة للجيش، والذي في كلّ دول العالم يأتي على رأس أولوياته شرف صدّ أي هجوم ضد بلاده.
هذا الكلام الذي اختار له برّاك التلفزيون الرسمي منبرًا، مرّ مرور الكرام على مسامع الإعلام اللبناني الطوّاف حول الموقف الأميركي بانبهار واستلاب، لا يوقظه منه لا الكذب الأميركي المتمثّل بإدعاء عدم المقدرة على إجبار “إسرائيل” على فعل أيّ شيء، ولا يوقظه الاستخفاف الشديد باللبنانيين وبوعيهم للدور الأميركي في كلّ ما يصيب المنطقة من شرور.
إذ يقول: “ليس هناك اي مطالب، ولم نعلن أي مطالب”.. ببساطة، تمارس الولايات المتحدة الأميركية ضغطًا سياسيًا هائلًا على لبنان بهدف نزع سلاح حزب الله، وتمنع إعادة الإعمار كما منعت طوال سنين أي محاولة نهضة بفي الاقتصاد اللبناني، حيث تحرّك أدواتها وتحرّضهم للتحرّك بشتّى الوسائل ضدّ المقاومة وأهلها عبر مقولة فضفاضة تدّعي فيها براءة من كلّ ما ترتكب: “سلاح حزب الله شأنٌ داخلي”..
هذا الشأن الداخلي يشكّل ملفًا ذا أولوية، في واشنطن، والتي تكرّس لأجله كلّ قواها العسكرية والدبلوماسية والسياسية، وتحاصر لبنان بشروط متعلّقة فيه: “لا إعادة إعمار، ولا تنفيذ إسرائيلي لبنود وقف اطلاق النار، ولا وقف للاعتداءات ولا مشاريع اقتصادية، ولا استثمارات ولا أمن ولا أمل بعودة لبنان إلى حياة طبيعية، ما لم يُنزع السلاح”.. أميركا تفعل كلّ هذا وبعنجهية واضحة وكلام علنيّ ثمّ تقول إنّ السلاح شأن لبناني.. !
المضحك حدّ السخرية هو أنّ المرء إذا قارن بين حجم الضغط الذي يليه الادعاء بعدم التدخل، يتساءل ماذا لو كان الأميركيون، اليوم، يحسبون ملف سلاح حزب الله شأنًا أميركيًا!؟ في الأمس، كانت صحيفة النهار -مثلًا- قد أوردت معلومات أنَ واشنطن تطلب جدولًا زمنيًّا لسحب سلاح “حزب الله”، وذكرت أنّ “الشرط المتوَّج” في قائمة ما تهدف إليه الإدارة الأميركيّة من الدولة اللبنانية يُلخّص بطلب الجدول الزمنيّ الذي ستنفّذ الدولة اللبنانية فيه المهمات، كما ذكرت أن المأخذ الأميركي هو غياب جدول زمنيّ خاصّ بسحب سلاح حزب الله وعدم وضع آلية تنفيذية لنزع السلاح كله…
كما أكّدت “النهار” أنّ م..جلس الأمن القوميّ الأميركيّ يتعامل بإلحاح مع أهمية تحديد الدولة اللبنانية مدة زمنية لحصر السلاح. كلّ هذا؛ والسلاح شأن داخليّ!.. كلّ هذا؛ ولم يزل بعض الأجراء الأميركيين في لبنان يبتسمون لسخاء أميركا ولوساطتها النظيفة بين لبنان وكيان الاحتلال! .. كلّ هذا؛ ولم يستفق على كرامته الوطنية إعلاميّ “سياديّ” يطلب من برّاك أن يكفّ عن التفوّه بالترّهات في الشأن اللبناني!.
بالعودة إلى التغطية الإعلامية لزيارات أيّ مبعوث أميركي إلى المنطقة ببهجة وانبطاح، بدا أن غرفة التحرير في أخبار MTV تتتبّع مسار ابتسامات برّاك؛ فتنقل أوّلًا أن ابتسامته في هذه الزيارة أقل إشراقًا منها في الزيارات التي سبقت؛ في لحظة تحوّل محرّر الأخبار وناقلها إلى خبراء في لغة الجسد..! والأمر ليس عبثيًا وإن بدا كذلك، فهو يصبّ في خانة التهويل والتخويف التي يتموضع فيها دعاة الخضوع للأميركي وتنفيذ رغباته.. فهؤلاء مقتنعون- ربّما – أن ليس على الأميركي سوى أن يأمر ويطلب ويفرض، وأن على الآخرين وضع كرامتهم الوطنية وأمنهم وأرزاقهم ومسارات حياتهم جانبًا، وتنفيذ ما يقوله برّاك وإلّا!..
بدورها جريدة “نداء الوطن”؛ أفردت لزيارة برّاك صفحات وسطور في عدديّها، يوم أمس واليوم، وانطلقت من تصريحاته لبناء أراء وتحليلات هزيلة خاوية ملأى بالأضاليل. إذ تضمّنت كثيرًا من التجنّي على المقاومة بموازاة التبنّي التام لكلّ إساءات برّاك للسيادة الوطنية اللبنانية، وتبعتها حكمًا باتهامات لحزب الله، بينها وبينها الواقع تناقض مشهود، إذ عنونت مثلًا: “حزب الله يفخِّخ ردّ لبنان على ورقة برَّاك”.
إذًا، برّاك يكذب علانية، وهو ديدن بلاده. والساخر في الأمر معرفته أن الحاضرين جميعًا يعرفون أنَه يكذب ويتنصّل ويراوغ ويناور ويهدّد ويلمّح ويصرّح، ويعرف أيضًا أنّ أحدًا من الانبطاحيين السياديين لن يتجرّأ على الاعتراض أو حتى التصويب على الأميركي… لذلك كلّه، هو يواصل ما بدأه، قلقًا من عجز بلاده و”إسرائيلها” عن نزع سلاح حزب الله، ومطمئنًا في الوقت نفسه إلى وجود أدوات له، من مختلف المناصب والصفات الرسمية والإعلامية التي ستهزّ رأسها بالموافقة على كلّ ما يقول، ولو كان كذبًا مفضوحًا.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram