مائة عام على كتاب هتلر "كفاحي" - أفكاره لا تزال تتردد

مائة عام على كتاب هتلر

 

Telegram

 

نشر أدولف هتلر في 18 تموز/يوليو 1925 برنامجه الأيديولوجي الدعائي "كفاحي". هذا الكتاب يعتبر صعب القراءة وقليل الأصالة، ولكن إرثه الأيديولوجي يظل خطيرًا حتى يومنا هذا.


أدولف هتلر عند إطلاق سراحه من سجن لاندسبيرغ أم ليش، عام 1924. كتب كتابه التحريضي
أدولف هتلر ما يزال حيًا. على الأقل في الإنترنت. إذ إنَّ مَنْ يبحث عن اسم "هتلر" على منصة "إكس" الخاصة بملياردير التكنولوجيا إيلون ماسك، سيجد منشورات حديثة يبلغ عمرها بعض الثواني. والإنترنت مليء بهتلر: بصوره، ورموزه، وصلبانه المعقوفة، وبشعارات "يحيا هتلر". حيث ينشر معادو السامية، والعنصريون، ومنظرو المؤامرة، والمعادون للديمقراطية، وأنصار هتلر، سمومهم الأيديولوجية في كل مكان: في ألمانيا وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط والهند.

وعلى الرغم من أنَّ الديكتاتور الألماني توفي قبل ثمانين عامًا، ولكن ما يزال بالإمكان استخدامه للقيام بأعمال تجارية مربحة. وتربح محلات بيع الكتب القديمة في جميع أنحاء العالم من بيع نسخ قديمة من كتاب هتلر "كفاحي". ويبلغ سعر الطبعة الألمانية نحو 250 يورو والنسخة الإسبانية أكثر من 300 يورو، ويجب دفع نحو 600 دولار للنسخة الإنكليزية على المواقع الإلكترونية الخاصة. والكتاب متوفر بسعر زهيد في الأسواق المصرية والمواقع الإلكترونية الهندية.

وهذا الكتاب يعتبر اليوم برنامجًا أيديواوجيًا دعائيًا، عرض فيه أدولف هتلر نظرته المتعصبة إلى العالم، ومعاداته الوحشية للسامية، واحتقاره للديمقراطية والتنوُّع الاجتماعي - وذلك قبل ثماني سنين اي منذ وصوله إلى السلطة عام 1933. وفي كتابه "كفاحي" رفع هتلر الألمان إلى مرتبة العرق المتفوق. وقبل بداية الحرب العالمية الثانية بوقت طويل، كان يحلم بـ"ألمنة" (جرمنة) أوروبا الشرقية وبتهجير ملايين الناس قسريًا.

ويقول المؤرخ النمساوي أوتمار بلوكينغر في حوار مع DW: "الدافع إلى الكفاح متجذر في عنوان الكتاب المُعبأ في الواقع بالعنصرية كلها. وهذا يعني أنَّ الأقوى ينتصر، العرق الأقوى ينتصر. ولكن حتى بشكل فردي تمامًا في الصراع على المناصب والوظائف، ينتصر صاحب الإرادة الأقوى، والأكثر انعدامًا للضمير، والذي يعتبر بالمعنى الأوسع من عرق أفضل أو لديه قدرات أفضل".

وأوتمار بلوكينغر يعتبرتا من أبرز الخبراء في هذا الموضوع. وقد شارك في تحقيق واحدة من الطبعات القليلة الموُضَّحة حقًا لهذا الكتاب. وفي هذه الطبعة دقّق مؤرخون ألمان ونمساويون أفكار هتلر ولغته وصنّفوها في طبعة تقع في 2000 صفحة.


كتاب أدولف هتلر

ولم يكن كتاب هتلر عندما نشره في 18 تموز/يوليو 1925 مثيرًا للانتباه. لقد كان هتلر انقلابيًا محروقًا، قضى لتوه أكثر من عام في السجن بتهمة الخيانة العظمى. وكانت حركته الاشتراكية القومية (النازية) صغيرة ومن دون نفوذ سياسي كبير في ألمانيا والنمسا.

هتلر كان على وشك نهايته السياسية
وفي ذلك الوقت كان يوجد في سوق الكتب الكثير من الكتب القومية ومذكرات السجن. وكذلك كان كتاب هتلر قليل الأصالة - وكان محتواه مخيبًا للآمال حتى بالنسبة للعديد من أتباعه، كما يقول أوتمار بلوكينغر: "هذه الفقرة الشهيرة من صحيفة 'دويتشه تسايتونغ‘ أثارت غضب هتلر كثيرًا: 'نحن في معركة دفاعية قومية منذ 40 عامًا، والآن يأتي انقلابي شاب (هتلر) ويريد أن يشرح لنا ما هو التفكير السياسي‘". ومع ذلك فقد أصبح كتابه من أكثر الكتب مبيعًا، وكان بالنسبة لهتلر نجاحًا ماليًا.

إعلان عن كارثة
والمميَّز في عمل هتلر هو كشفه عن نواياه بكتابه "كفاحي"، على العكس من الديكتاتوريين الآخرين. فهو لا يخفي خيالاته العنيفة. في النسخة المحققة، يحلّل المحررون: "هتلر يعلن بحزم عن الحرب: حرب مستقبلية ستكون معركة وجودية، ويجب أن تنهار فيها جميع الاعتبارات الإنسانية والجمالية". وبالتالي فقد كان طغيان أدولف هتلر حكمًا سبق الإعلان عنه.

وهو لم يصل إلى السلطة بمفرده: ففي انتخابات الرايخستاغ عام 1933، صوّت 17.277.180 ألمانيًا لأدولف هتلر وحزبه، حزب العمال الوطني الاشتراكي الألماني (NSDAP)، ومهدوا له الطريق إلى السلطة.

وما تلا ذلك كان حربًا اجتاحت أوروبا، والهولوكوست، أي إبادة اليهود الأوروبيين غير المسبوقة في تاريخ البشرية. لقد حاربت الدولة النازية وأنصارها بوحشية مروعة جميع من اعتبروهم أعداءً للشعب الألماني المزعوم.

وانهار نظام حكم هتلر مع انتحاره في 30 نيسان/أبريل 1945 ونهاية الحرب العالمية الثانية بعد ذلك بثمانية أيام. ومنذ ذلك الحين، يتعهد الألمان بأنَّ "هذا لن يحدث مرة أخرى!".

هل شعار "هذا لن يحدث مرة أخرى" ينطبق حتى اليوم؟
ولكن على الرغم من تصريحات "هذا لن يحدث مرة أخرى" بعد عام 1945، عادت معاداة السامية بوجهها القبيح، كما قالت باختصار في حوار مع DW المؤرخة البريطانية ليزا باين، التي تدرِّس في معهد البحوث التاريخية بجامعة لندن: "واللغة المسمومة تُذكرنا، للأسف والعار، بكتابات هتلر قبل قرن".

وكذلك تلاحظ ليزا باين أنَّ معاداة هتلر للسامية لم تستمر وحدها، بل استمرت معها أيضًا معاداته للديمقراطية. ولذلك ما يزال من المهم حتى اليوم دراسة كتابات هتلر، كما تقول: "طلابي كانوا دائمًا يتفاجؤون، وحتى ينصدمون، عندما كنا نحلل مقتطفات من كتاب 'كفاحي‘. وفقط عندما كانوا يشاهدون الكلمات مكتوبة، كانوا يستوعبون مع من كانوا يتعاملون في كتاب هتلر".

"انهيار المحرمات"
وحتى نيكولاس ليل من مؤسسة أماديو أنطونيو البرلينية ضد التطرف اليميني ومعاداة السامية، يلاحظ عودة خطيرة لأيديولوجيا اليمين المتطرف. وفي حوار مع DW قال إنَّ المسافة تنهار، ويمكن ملاحظة ذلك في النصب التذكارية التي تحيي ذكرى جرائم النازية: "نحن نعلم من مواقع النصب التذكارية أنَّ الفصول الدراسية القادمة من المناطق الريفية باتت تضمّ دائمًا تقريبًا طلابًا يرتدون ملابس تحمل علامات تجارية يمينية متطرفة أو شعارات يمينية متطرفة على قمصانهم". وحتى رسم الصليب المعقوف على الجدران أصبح جزءًا من الحياة اليومية في ألمانيا.

ويضيف نيكولاس ليل: المثير للقلق أيضًا أنَّ المتطرفين اليمينيين الشباب بشكل خاص أصبحوا في السنين الماضية أكثر استعدادًا لاستخدام العنف. وأنَّ العنف قد تطور في هذه الأثناء إلى حدّ اضطرار منظمات مثل مؤسسة أماديو أنطونيو إلى اتخاذ إجراءات وقائية: "أصبحنا بحاجة إلى كاميرات مراقبة وباب مضاد للرصاص، وإلى مَنْ يستطيع حمايتنا بالقوة إذا اقتضت الضرورة. نحن نتحدث هنا أيضًا عن حاجتنا إلى الشرطة وأحيانًا الأمن لتأمين حمايتنا الشخصية. ولم نعد نقيم أية فعاليات حول معاداة السامية من دون وجود نظام أمني".


جريمة الإبادة الجماعية الألمانية في معسكر اعتقال أوشفيتس: قتل النازيون مئات آلاف اليهود في غرف الغاز فور وصولهم معسكر الاعتقال

وسائل التواصل الاجتماعي: بؤرة مشتعلة
وبعد نحو 100 عام من نشر أدولف هتلر كتابه التحريضي "كفاحي"، تهاوت العديد من المحرمات في التعامل مع كراهيته غير الإنسانية. وهذا ما يلاحظه أيضًا المؤرخ ماثيو فيلدمان من جامعة تيسايد في بريطانيا. ويصف في مقال له عدم التحريم الاجتماعي والثقافي لليمين المتطرف بأنَّه "تغيير مأساوي". ويقول إنَّ وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص تتحمّل جزءًا من المسؤولة عن ذلك.

ووسائل التواصل الاجتماعي، بحسب وصفه، مناسبة تمامًا للاستراتيجية المزدوجة التي يتّبعها اليمين المتطرف وتشبه تلك التي استخدمها أدولف هتلر وحركته الفاشية: فكثيرًا ما يتم كسر المحرمات الاجتماعية برسائل متطرفة، لتقديم أنفسهم في أماكن أخرى على أنَّهم مدنيون وتصالحيون.

ولذلك يدعو نيكولاس ليل إلى تعامل مجتمعي أكبر بكثير مع منصات التواصل الاجتماعي. وإلى تعلمنا درس حاسم من التاريخ: "التطرف اليميني ومعاداة السامية والعنصرية بحاجة إلى موقف واضح وخطوط حمراء واضحة. ويجب نبذ هذه المحتويات اجتماعيًا - ويجب أن يشعر بذلك أيضًا الأشخاص الذين يشاركونها".

أعده للعربية: رائد الباش تحرير: يوسف يوفيجلين

الكاتب: هانس بفايفر

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram