أحمد أصفهاني
هذه ليست دعوة تشجع القوميين الاجتماعيين على الانشقاق، فالحزب السوري القومي الاجتماعي يقوم على قاعدة الوحدة: وحدة الروح ووحدة الرؤية ووحدة الاتجاه. وأية نزعة انشقاقية ستكون منبوذة ومدانة لدى القطاع الأوسع من القوميين الاجتماعيين... نستثني منهم أصحاب الغايات الخصوصية.
لكن إذا وضعنا جانباً هذه المسلمات البديهية ولو لفترة قصيرة، وتفحصنا الجسم الحزبي تحت مجهر الحقيقة التي لا يستغني الفكر القومي عنها، فماذا نجد؟
أمامنا وبين أيدينا كمٌ هائلٌ من التصريحات والبيانات والتسريبات الرسمية وغير الرسمية، ناهيك عن مهاترات وتفاهات تزدحم بها صفحات "القوميين" على وسائط التواصل الاجتماعي المنفلتة من كل الضوابط. قسم كبير منها يُدلل على انحطاط مناقبي عزّ نظيره في تاريخ الحزب، وربما في تاريخ الأمة!
سيلٌ عارمٌ من الاتهامات المتبادلة، تبدأ من الشخصي الأخلاقي لتصل إلى الحزبي العام: تهم بالفساد والارتباط والعمالة والخيانة... إلخ. إدانات لا تقبل الاستئناف، يطلقها "قوميون" بحق "قوميين" من دون أن يرف لأحدهم جفن أو يندى جبين أو يتألم ضمير ووجدان. والأخطر من ذلك، أننا لا نسمع لأي "مسؤول" تصريحاً يرفض ويوضح ويستنكر ويدين تلك الحملات التي نرجّح أنها منظمة على أعلى المستويات "القيادية".
لقد انتشرت تلك الاتهامات والإشاعات بحيث اختلطت الوقائع بالافتراءات. ولذلك نقع في إشكالية أساسية: إذا كانت الإدعاءات صحيحة، فأية فائدة ستجنيها الأمة والحزب من إبقاء أولئك "الفاسدين العملاء الخونة" داخل صفوف النهضة القومية ذات المناقب الأصيلة؟ أما إذا كان "الكذب ملح الرجال"، وقد لجأ إليه بعضهم للنيل من رفقائه والحط من كراماتهم... فهل يُعقل أن نثق بهؤلاء الحاقدين الموتورين ليكونوا جزءاً فاعلاً في النهضة؟ وهل تستقيم الوحدة بهكذا نماذج؟
الانشقاق هو نقيض الوحدة، لذلك يرفضه القوميون الاجتماعيون الأصفياء. غير أن لهذه الوحدة مقومات ضرورية تتجاوز مجرد الجمع بين الأضداد، خصوصاً إذا تحققت على أساس "تبويس اللحى" و"عفا الله عما مضى". مثل هذه الوحدة مصيره الفشل عاجلاً أم آجلاً. لقد جربنا هذا الأسلوب مرّات عدة، وفي كل مرّة طرأت عوامل داخلية وخارجية لتعيد عقارب الساعة إلى الوراء... فيبتعد الحزب أكثر فأكثر عن تحقيق الحد الأدنى من غايته السامية. وعلى هامش ذلك، يحدث "انشقاق" بطريقة غير مباشرة: إن التسويات السطحية التي تعتبر أن "الذي فات... مات"، غالباً ما تؤدي إلى اعتكاف أو خروج عدد كبير من الامكانات الحزبية الفاعلة. فيخسر الحزب طاقاته المبدعة في نزيف لا ينقطع.
أتوقع أن كثيرين ممن يقرأون هذه الكلمات يريدون طرح سؤال مشروع: ما العمل؟ وكيف نوفق بين رفض الانشقاق ومنعه، وبين حماية وحدة الحزب الأصيلة، طالما أن في صفوفنا أمثال أولئك الذين لا يترددون ـ ولو للحظة ـ عن الإقدام على أي عمل يضمن لهم مصالحهم ومكاسبهم؟
هذا السؤال يؤرق ألوف القوميين الاجتماعيين وأصدقائهم. وأنا أعترف بأن الإجابة ليست سهلة ولا في متناول اليد بسرعة، لأن أي حل مقترح أو محتمل سيكون مرتبطاً بدرجة الوعي عند الصف الحزبي وقدراته أولاً، ثم بالأوضاع الخارجية العامة بما فيها دور "الحلفاء" ثانياً. لكني كيفما قلبت وجهات النظر، لا أجد أمامي سوى أحد حليّن:
1 ـ إما القبول بالانشقاق، وعندها نترك للأيام وللممارسات أن تحسم الأمر. وهناك نموذجان بهذا الشأن في تاريخ الحزب نذكرهما من دون أن نقيّم أياً منهما: "الانتفاضة" التي قادها جورج عبد المسيح سنة 1957 تراجعت تدريجياً لتصل إلى ما هي عليه حالياً، في حين أن "مكتب كرم" استطاع أن يستقطب القوميين ليصبح هو "الحزب". وفي سنة 1998 "ذاب" جناح إنعام رعد حينما "إبتلعه" جناح أسعد حردان!
2 ـ أو القبول بنوع من "التسوية" المُخطط لها كي لا تكون على حساب مصلحة الحزب وكرامة القوميين. وشرط نجاح هذا الحل أن يتم التوافق على برنامج عمل ملزم، هدفه في المرحلة الأولى محاصرة عناصر الفساد وإبعادها عن مراكز القرار، أو على الأقل تحييدها ريثما تتغير موازين القوى.
طبعاً، يوجد دائماً حل ثالث جذري يطرحه بعض الرفقاء وهو "التأسيس الجديد" أو "إعادة البناء". وسنعود إلى عرض هذا المشروع في مقال لاحق.
الانشقاق جريمة... والوحدة القائمة على تسويات فاسدة جريمة أكبر وأخطر!!
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :