تضخم الأسعار مستمرّ
يظهر بوضوح أن الأسعار المدولرة لا تعني أن التضخّم مستورد، بل عادت العوامل الأساسية إلى الظهور ومنها السياسات المالية للحكومة وحجم الطلب الفعلي للاقتصاد بالإضافة إلى البنية التجارية للأسواق الاحتكارية وأكلاف الإنتاج المرتفعة، وهذا بالتحديد ما يدفع التضخّم إلى الاستمرار وإن بوتيرة أبطأ مما كان عليه في السنوات الماضية.
يشير تقرير البنك الدولي الأخير «مرصد لبنان الاقتصادي – ربيع 2025»، إلى أن التضخم في لبنان كان يسير، قبل الأزمة المالية التي بدأت عام 2019، وفق الاتجاهات العالمية.
وهذا كان واضحاً عبر الترافق اللصيق بين التضخّم في لبنان والتضخّم العالمي.
فبحسب البنك الدولي، فإنه مع كل ارتفاع في الأسعار العالمية بنسبة 1%، كان التضخّم في لبنان يرتفع ما بين 0.57% و0.63%. ولكن حتى في تلك المرحلة، كانت بعض العوامل الهيكلية المحلية تترك بصمتها.
ومع انفجار الأزمة وتدهور سعر الصرف بشكل حادّ، خسرت خلاله العملة 98% من قيمتها، تغيّر نمط التضخم ليصبح محلي المصدر في المقام الأول.
وكان تدهور سعر صرف العملة أهم عوامل ارتفاع الأسعار، خصوصاً بالنسبة إلى السلع المستوردة.
واتضح في بداية الأزمة تباين بارز في أثر التضخم عبر مكوّنات سلة السلع، إذ كانت السلع التي يطغى عليها الاستيراد، هي الأكثر تأثراً بتراجع سعر الصرف، وبالتالي بارتفاع أسعارها، أما السلع والخدمات المحلية، فلم تتأثر بالنسبة نفسها.
ومن اللافت أن التقرير يوضح أن تأثير العوامل الخارجية على التضخم اللبناني – مثل أسعار النفط أو تكاليف الشحن أو الاتجاهات العالمية في الأسعار –بقي محدوداً نسبياً في مرحلة ما بعد الأزمة، إذ تبيّن أن مجمل هذه الصدمات هي تسببت في أقل من ربع حجم التغيّر في معدلات التضخم.
بمعنى أن ربع حجم الارتفاع في الأسعار كان بسبب هذه الصدمات الخارجية.
وبذلك، كان العامل النقدي المحلي – وتحديداً سعر الصرف – المحدد الرئيسي لمسار التضخم في البلاد.
في هذه المدة التي امتدت منذ بداية 2019 حتى آب 2023، بلغ معدّل التضخّم التراكمي نحو 4439%.
مع اندلاع الأزمة وتدهور سعر الصرف تغيّر نمط التضخم لتصبح محركاته محلية
مع بداية استقرار سعر الصرف منذ آب 2023، بدأ التضخم يشهد تباطؤاً ملحوظاً، ما أدى إلى انخفاض معدلاته بشكل حاد مقارنة بالسنوات السابقة.
ورغم هذا التباطؤ، يتوقّع البنك الدولي أن تبقى معدلات التضخم في لبنان أعلى من المعدلات العالمية خلال السنوات القادمة، نتيجة عوامل داخلية مستمرة، مثل هيكل السوق بشكل عام، الذي أصبح مدولراً خلال الأزمة، وسياسات الأجور، ونقص المنافسة، واستمرار استخدام النقد الورقي بدلاً من التحويلات الرقمية أو المصرفية.
فالرابط القوي بين سعر الصرف والتضخم، تراجع تأثيره مع استقرار سعر الصرف، في صيف 2023.
ومع أن التضخم لا يزال مرتفعاً نسبياً، فإن العوامل الأخرى بدأت تلعب دوراً أكبر، ومن هذه العوامل، بحسب البنك الدولي، مدى انتشار الدولار النقدي في المعاملات اليومية، السياسات المالية، وحجم الطلب الفعلي في الاقتصاد، وتكاليف الإنتاج. عملياً في المدة الممتدة من آب 2023 حتى آذار 2025، بلغ التضخّم التراكمي نحو 45%.
على صعيد التوقعات، يرجّح التقرير أن ينخفض معدّل التضخم، وهو معدّل التضخّم بين الشهر ومثيله من السنة السابقة، في 2025 إلى 15.2%، بعد أن بلغ نحو 45.4% في 2024، بشرط استمرار الاستقرار في سعر الصرف وضعف الضغوط التضخمية الخارجية.
لكنه يحذر من أن المخاطر لا تزال قائمة، خصوصاً في ظل حالة عدم اليقين المرتبطة بالتجارة العالمية، والتي قد تؤثر على لبنان بشكل غير مباشر عبر تقلبات أسعار السلع الأساسية، أو عبر التأثير على الاستثمارات والنشاط الاقتصادي العالمي الذي يرتبط به لبنان جزئياً عبر تحويلات المغتربين والخدمات.
في المحصلة، يظهر التضخم في لبنان كمرآة للأزمة المالية، إذ إنه ظاهرة هيكلية مرتبطة بانهيار الثقة، واعتماد الاقتصاد بشكل كبير على النقد الأجنبي، وتفكك السياسة النقدية في ظل غياب إصلاحات بنيوية.
ويعني ذلك أن معالجة التضخم بشكل فعلي توجب إصلاحاً عميقاً في بنية الاقتصاد والسياسة المالية والنقدية.
ولفعل ذلك من المهم معرفة الأسباب الهيكلية التي تتسبب في تضخّم الأسعار في البلد، والتي يشير البنك الدولي إلى أنها تشمل المنافسة المحدودة في سوق السلع، وهياكل السوق «الأوليغوبولية»، والتي تعني سيطرة مجموعة من التجار على القطاعات، بالاضافة إلى المشكلات في آليات تسعير الهامش المحلي، والتي تمثّل بشكل أساسي الأرباح، وغياب الرقابة التنظيمية على الأسعار المحلية، بالإضافة إلى استخدام التحوُّط كعوامل مهمة دافعة للتضخم المحلي.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي