وهذه الزيادات، غير القانونية وغير المنطقية، تُبرَّر للعام الثاني على التوالي بالقانون نفسه الذي لا يزال موضع أخذٍ وردّ بعد أكثر من عام ونصف عام على إقراره أول مرة، وهو اليوم عالق بين المديرية العامة لرئاسة الجمهورية والأمانة العامة لمجلس الوزراء، وسط فوضى دستورية عطّلت نشره مجدّداً في الجريدة الرسمية، علماً أن دخول القانون حيّز التنفيذ سيُسهم في رفع قيمة تعويضات نهاية الخدمة للمعلمين في الخدمة، وتحسين رواتب أكثر من 5,000 معلم متقاعد في التعليم الخاص، لا يزال معظمهم يتقاضى معاشات تقاعدية لا تتجاوز 30 دولاراً شهرياً.

وقبل أن «تهبط» الزيادات على رؤوس الأهالي بشكل مفاجئ، كان هؤلاء يعلّقون آمالاً على القانون نفسه لإنصافهم، لا لزيادة أعبائهم.

فالتعديلات الأخيرة التي أُقرّت في المجلس النيابي ألغت الحجّة التي تتذرّع بها المدارس، والمتمثّلة بصندوق المساهمات أو المساعدات، أو ما يُعرف بـ«صندوق الدولار»، من خلال إعادة إدراج جميع نفقات المدرسة في صلب الموازنة المدرسية.

تستعيد المدارس قيمة الأقساط بالدولار الأميركي قبل الأزمة

كما يُلزم القانون المدارس بالحصول على براءة ذمة من صندوق التعويضات، لا على أساس الراتب القانوني للمعلم فحسب، بل يشمل أيضاً المخصّصات الإضافية التي يتقاضاها.

ومن أبرز ما جاء به القانون أيضاً، إدخال مبدأ التدقيق المالي للمرة الأولى إلى القوانين الناظمة للمدارس الخاصة، وإن كان محصوراً في الوقت الراهن بمراقبة الرواتب والأجور الإضافية التي يتقاضاها المعلم.

وفي هذا السياق، طالب اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة وزيرة التربية، ريما كرامي، بإجراء دراسة علمية تحدّد القيمة الحقيقية للزيادة المتوقّعة على الأقساط، في حال دخل قانون تغذية صندوق التعويضات حيّز التنفيذ، بما يتيح معرفة الحدّين الأدنى والأقصى للزيادة المحتملة.

وبعد ست سنوات على الأزمة المالية، تسعى المدارس الخاصة إلى استعادة قيمة أقساطها الفعلية بالدولار الأميركي، وقد تجاوزت بعضها اليوم، في واقع الأمر، مستوى الأقساط الذي كانت تفرضه قبل عام 2019، في وقت لا يزال الغموض يكتنف مصير الاتفاق «الشفهي» بين نقابة المعلمين واتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، والذي يفترض أن يضمن استعادة رواتب المعلمين قيمتها الفعلية ما قبل الأزمة.

تفسيرات متباينة

والمفارقة أن قرار المجلس الدستوري بوقف تنفيذ قانونَي تغذية صندوق التعويضات والإيجارات للمباني غير السكنية، إثر الطعن الذي قدّمه رئيس الجمهورية جوزيف عون، فتح الباب أمام تفسيرات متباينة، إذ ترى مراجع سياسية ونقابية أن المجلس لم يُبطِل القانونيْن بل علّق تنفيذهما، وتؤكد أن لا خلاف جوهرياً بين رئاستي الجمهورية والحكومة حول إعادة نشرهما، ما يعني أن المطلوب فقط إرسال القانونيْن من الثانية إلى الأولى لتوقيعهما وإعادة نشرهما في الجريدة الرسمية. وهذا ما أكّده نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب في مقابلة تلفزيونية مؤخراً.

في المقابل، يلفت الخبير الدستوري وسام اللحام إلى أن قرار المجلس الدستوري اقتصر على إعلان عدم نفاذ القانونيْن من دون أن يحسم مصيرهما النهائي، مشيراً إلى أن «المجلس عالج المسألة الدستورية المطروحة بطريقة مبهمة»، رغم أنها تقع في صلب اختصاصه وكان يمكنه حسمها من دون انتظار قرار مجلس شورى الدولة.

وبحسب معلومات استقتها «المفكّرة القانونية» من مصدر مقرّب من الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء، فإن القوانين المعنية ستظل معلّقة إلى حين صدور قرار نهائي عن مجلس شورى الدولة بشأن الطعن في مراسيم ردّ رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، أو أن تبادر رئاسة الجمهورية إلى إصدار القانونين مجدّداً.

وشدّد اللحام على أن رئيس الجمهورية، بموجب الدستور، يملك صلاحية إصدار القوانين وطلب نشرها، وبالتالي هو معنيّ بإعلان موقف واضح حيال ما ينوي فعله.

وأشار إلى أن اعتبار المجلس الدستوري أن مهلة الإصدار لم تنقضِ بعد، يخلق حالة دستورية غير مسبوقة، إذ باتت هناك قوانين «غير صادرة»، ولا مهلة لإصدارها، ولا جهة معلومة مخوّلة بإصدارها، ما يعني أن أيّ خطوة قد يتخذها رئيس الجمهورية لاحقاً قد تُعتبر باطلة، في ضوء القرار المنتظر من مجلس شورى الدولة.

ومن المفارقات اللافتة أن قانون صرف منحة بقيمة 650 مليار ليرة لصندوق التعويضات، والذي أُقرّ بهدف دعم رواتب المعلمين المتقاعدين، كان مرتبطاً بشكل وثيق بقانونَي تغذية الصندوق وقانون الإيجارات للمباني غير السكنية.

ورغم ذلك، لم يطعن فيه رئيس الجمهورية أمام المجلس الدستوري، رغم أن الآلية التي اعتُمدت لإقراره هي نفسها التي شكّلت محور الاعتراض على القانونيْن الآخريْن. إلا أن هذا القانون، ورغم دخوله حيّز النفاذ، لم يُنفّذ عملياً حتى اليوم، إذ لم تُصرف الأموال بعد.

ولدى سؤاله عن الموضوع مؤخراً، أقرّ وزير المال ياسين جابر بأن القانون نافذ، لكنه أشار إلى وجود «أولويات في الصرف».