قمة العجز والهوان والانهيار!

قمة العجز والهوان والانهيار!

 

Telegram

د. عدنان منصور*
 

من قال إنّ المخصيَّ ينجب طفلاً… من قال إنّ المتخاذل يصنع عزاً… من قال إنّ المأمور يمكن أن يكون حراً! دولة “إسرائيلية” مارقة تصول وتجول، تجتاح، تعتدي، تدمر، تقتل، تحاصر، تجوّع، تذلّ دولاً وتحتقر حكاماً، لا تكترث لقمَمهم، ولا تعير أي أهمية للمشاركين فيها، تزدريهم، وتستخفّ بقراراتهم جهاراً أمام العالم كله، لأنها عاشرتهم عن قرب، وخبرت نفوسهم جيداً، وعرفت بعمق مع مَن تتعاطى، ووثقت بهم، ومدى علاقاتهم، وارتباطاتهم، وتعهّداتهم، وانبطاحهم أمام الدولة العظمى، وإخلاصهم الشديد لها ولسياساتها، وقراراتها.
هل يتصوّر عاقل أنّ “إسرائيل” ستهتزّ بصدور بيانات القمم العربية والإسلامية، وهي التي تعلم مسبقاً قيمة هذه البيانات المخصّصة للاستهلاك الداخلي والخارجي، ولن تؤثر مطلقاً على العلاقات الدبلوماسية الوثيقة التي تربطها بـ 37 دولة عربية وإسلامية من أصل 57 دولة، عدا العلاقات السرية التي تقيمها تحت الطاولة وفوقها مع عدد آخر من الدول العشرين المتبقية.
لا تهتمّ “إسرائيل” مطلقاً بالقمم وبياناتها طالما أنها على يقين، أنّ العديد من الدول تلتزم بتوجيهات الدولة العظمى، وما يتوجب عليها أن تفعله أو تحجم عنه.
لقد خبرت تل أبيب بعمق اجتماعات القمم العربية والإسلامية العادية والاستثنائية، ومدى فعالية ومسؤولية القادة والزعماء لا سيما بعد اجتماعهم الطارئ بعد إشعال الحريق في المسجد الأقصى عام 1969، إذ خشيت حينها “إسرائيل” من أنّ القمة ستزلزل الأرض من تحت أقدامها، وإذ ببيان القمة الإسلامية بعد حريق الأقصى ينزل عليها برداً وسلاماً، عندئذ أدركت “إسرائيل” أنّ الطريق من النيل إلى الفرات أصبح مشرعاً أمامها، لا حرّاس عليه، ولا مدافعين عنه، فالحرّاس غافلون، نائمون في كهوفهم، مستسلمون لإرادة الإسرائيلي، مكتفون بتصريحاتهم، وتنديداتهم وبياناتهم، وخطاباتهم، وشعاراتهم البراقة المخصصة لتخدير الشعوب، في الوقت الذي أخضعت فيه “إسرائيل” حكاماً وقادة وزعماء لرفع الراية البيضاء في وجه عدو متوحش يستبيح الأرض والإنسان العربي!
قولوا لنا: لماذا هذا الذلّ، والخنوع، والتخاذل في وجه “إسرائيل”؟! لماذا هذه العبودية للدولة الأميركية العظمى؟! ما الذي قدّموه لغزة في قمة قطر لمنع سقوطها على يد جيش الإرهاب؟! ما الذي فعلوه لغزة لمنع احتضارها، وإنقاذ شعبها من الجوع والموت؟! ما هو الإجراء الذي اتخذته القمة ضدّ “إسرائيل” رداً على عدوانها القذر على قطر؟! ما الذي فعلته لوقف العدوان اليوميّ المتواصل على لبنان وسورية؟! ما هو الداعي لهذه القمم الاستعراضية إنْ لم تكن يوماً على مستوى الأمة ومسؤوليتها الوطنية والإسلامية! 57 دولة عربية وإسلامية، لا حول ولا قوة ولا قرار حاسماً لها يعبّر عن كرامة مليار و600 مليون من أبنائها، ولا تستطيع أن تلجم اعتداءات “إسرائيل” التي لا تخيفها الجيوش، ولا العروش، ولا أصحاب الكروش!
الأمين العام للجامعة العربيّة قال: “العدوان الإسرائيلي على قطر جمع بين الجبن والغدر والحماقة”. ما هذا الكلام الخطير الذي هزّ “إسرائيل” هزّاً! عدوان إسرائيليّ جبان! وماذا عن ردّ بيان القمة؟! أهو بطولة ما بعده بطولة يا أبا الغيط! يلومون الغرب على عجزه لمواجهة السياسة العدوانية الإسرائيلية، ناسين عجزهم المتعمّد الفاضح، وفشلهم المميت منذ عقود طويلة لوضع حدّ لدولة الاحتلال.
البيان “التاريخي” للقمة يعتبر العدوان الإسرائيلي على قطر، عدواناً على جميع الدول العربية الإسلامية، وعلى جهود “السلام”، ورفض أيّ محاولات تهجير الشعب الفلسطيني… وأنّ هجوم “إسرائيل”على الدوحة يهدّد جهود تطبيع العلاقات مع الدول العربية، وأن استمرار الإبادة والتجويع يهدّد آفاق السلام والتعايش في المنطقة، وأن الاعتداءات تهدّد كلّ ما تمّ تحقيقه في مسار التطبيع!
كم هي حريصة القمة كلّ الحرص، على التطبيع والتعايش في المنطقة، وعلى ما تمّ “تحقيقه” في مسار التطبيع! وكم كانت في المقابل خجولة، وجبانة في اتخاذ قرارات فاعلة بدلاً من الإدانة والشجب، والاستنكار، والتحذير! ما الذي يمنع القمة من اتخاذ إجراءات رادعة ضدّ “إسرائيل” تليق بكرامة الشعوب العربية والإسلامية، وكرامة قادتها وحكامها؟! ما الذي يمنع القمة من قطع العلاقات الدبلوماسية، والاقتصادية والتجارية والسياحية، والأمنية، وتفعيل المقاطعة العربية ضدّ “إسرائيل”، بدلاً من أن تدعو القمة ببيانها إلى مراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية معها، وهي مراجعة بكلّ تأكيد لن تلقى الآذان الصاغية من أصحاب الشأن؟! ما الذي يمنعها من وقف منح التأشيرات للإسرائيليين، وممارسة الضغوط واتخاذ القرارات المناسبة ضدّ من يقف إلى جانب دولة الاحتلال في عدوانها على دول المنطقة؟! قولوا لنا من أجل مَن، ولصالح مَن، ولأمن مَن، ولخدمة مَن القواعد العسكرية في المنطقة، والإنفاق الهائل على التسلّح؟! هل منعت هذه القواعد، وهذا التسلّح عدوان “إسرائيل” على دولة عربية، تتباهى بها الولايات المتحدة على أنها صديقة وحليفة لها؟! كانت دول العالم والشعوب العربية بالذات، تنتظر من قادة القمة وقفة عزّ، وقرارات شجاعة صارمة رادعة، تعبّر عن كرامة الأمة كلها، وإذا بالقمة لا تفعل شيئاً لغزة التي تلفظ أنفاسها الأخيرة، فيما تستجدي المجتمع الدولي، وتتمنى عليه ليقوم “بواجبه” نيابة عنها! لقد أعطى بيان القمة العربية الإسلامية، نفساً كبيراً لـ “إسرائيل” التي لمست حقيقة دامغة، وهي أن لا شيء تغيّر في العالمين العربي والإسلامي، وفي عقل قادته: تصريحات وتنديدات، اجتماعات ومؤتمرات وقمم، مراسم وأبّهة وضجيج، خطابات وبيانات فضفاضة، وأدبيات تكرّر نفسها، ليست إلا ذراً للرماد في العيون، تعكس مأساة أمة وضعفها، وانحدارها، وتقهقرها، وهي تشهد سقوط دولة وراء أخرى، ولا تريد أن تقتنع أن هذه القمم ببياناتها الهزيلة تعزز ثقة “إسرائيل” بنفسها، وتشجّعها مستقبلاً على التمادي في اعتداءاتها أكثر فأكثر، طالما أنها ترى هذا النوع من القمم المتواضعة التي لا حول ولا قرار لها، تكثر من الكلام، وتحجم عن الأفعال! أليس هذا ما تتمناه وتريده “إسرائيل” ومن يقف وراءها!
بالأمس استهدفت “إسرائيل” بعدوانها غزة، ولبنان، وسورية، وإيران، وتونس، واليمن، واليوم قطر، وغداً مَن سيكون على لائحتها؟!
مَن ارتضى أن يكون للإمبراطورية العظمى حليفاً، ومنبطحاً ومرتهناً لها، فلا ينتظر منها سوى الذلّ والخنوع والاستسلام.
قولوا لنا كيف تتوقف “إسرائيل” عن عدوانها وشهيتها للتوسع وهي ترى عجائب الزمان… وأنها في عقر ديارهم غرست النصال!
لمَ لا؟! ولمَ لا تستباح الأرض ويستشري السرطان!
لمَ لا يرخص الإنسان وتُنتهك الأوطان!
لمَ لا تعود خيبر وقينقاع تعبث بقبر الرسول!
لمّ لا يدنّس مهد المسيح ثانية، ويُساء إلى أمّه البتول!
لمَ النحيب وذرف الدموع على جدران الأقصى، وبيت لحم، وقد يبس غصن الزيتون، وذبح الحمام!
لمَ النحيب والبكاء وقد حلّ الغراب مكان الحمام!
لمَ قرع الأجراس في الكنائس، والتكبير في المساجد، وتعبئة الأنام!
لمَ إعلان النفير ودقّ ناقوس الخطر والبحث عن قديس وإمام!
لمَ الدعوة للثأر، للحرب، للسلام!
وأحفاد أحفادك، عدنان وقحطان، منذر وغسان،
كلهم نيام!
كلهم نيام!
كلهم نيام!

*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram