العلاقات الأفريقية الإسرائيلية بين المد والجزر
نجحت “إسرائيل” بالفعل في التسرب الهادئ إلى أفريقيا مستعملة أساليب شتى كتقديم المساعدت والخبرات في مجالات مختلفة مثل التكنولوجيا والتعليم والبناء والزراعة.
عام 1948، عندما جرى إنشاء كيان صهيوني تحت مسمى “دولة إسرائيل” على الأرض الفلسطينية كانت معظم الدول الأفريقية مستعمرة.
لكن عندما بدأت الدول الأفريقية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، تحصل على استقلالها، سارعت “إسرائيل” إلى ربط علاقات دبلوماسية مع دول حديثة العهد بالاستقلال ضمن استراتيجية ” تحالف المحيط ” périphérie» «l’alliance de la “The alliance of the periphery” ، التي نظر لها ديفيد بن غوريون مطلع الخمسينات من القرن الماضي واستهدفت إيجاد حزام من الدول الصديقة للكيان الصهيوني يطوق الدول العربية .
نجحت “إسرائيل” بالفعل في التسرب الهادئ إلى أفريقيا مستعملة أساليب شتى كتقديم المساعدت والخبرات في مجالات مختلفة مثل التكنولوجيا والتعليم والبناء والزراعة.
وقد تجاوز عدد السفارات الإسرائيلية في أفريقيا 33 سفارة قبل إدراجها في القائمة السوداء في القارة لأكثر من عقدين من الزمن بسبب حرب الأيام الستة (1967)، حيث بدأت الدول الأفريقية في إعادة النظر في علاقاتها مع “إسرائيل”، لكن لم تحدث القطيعة الحاسمة إلا عام 1973، في أعقاب حرب أكتوبر عندما قطعت غالبية الدول الأفريقية علاقاتها مع “تل أبيب” إذ اعتبرت قمة منظمة الوحدة الأفريقية ( الاتحاد الأفريقي لاحقاً ) عام 1975 في أوغندا أن “النظام العنصري في فلسطين المحتلة والنظام العنصري في زمبابوي وجنوب أفريقيا لهما أصل إمبريالي مشترك، لهما البنية العنصرية نفسها، ويرتبطان ارتباطاً عضوياً بسياستهما الرامية إلى قمع كرامة الإنسان وسلامته”.
لكن منذ توقيع اتفاقيات كامب دافيد عام 1978 وخصوصاً اتفاقية أوسلو عام 1993، بدأت “إسرائيل” باستئناف العلاقات الدبلوماسية ببطء مع غالبية دول القارة.
وقد كان لتراجع النفوذ العربي في أفريقيا بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، وغياب استراتيجية عربية للتعامل مع أفريقيا، بالرغم من المجهودات التي بذلها الرئيس الليبي معمر القذافي، فرصة استغلتها “إسرائيل” لتوسيع نفوذها في هذه القارة . لكن الفرص الكبرى ستتيحها الخطايا التي ستُرتكب في كامب دافيد وأوسلو ووادي عربة .
الخطيئة الأولى، اتفاقية كامب دافيد
في 19 نوفمبر/شباط 1977، زار الرئيس المصري محمد أنور السادات الكيان الصهيوني. و في 17 أيلول/ سبتمبر 1978م وقع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن على اتفاقية كامب دافيد في واشنطن والتي أدت إلى اعتراف مصر بـ”إسرائيل” وإقامتها علاقة دبلوماسية معها.
وقد حضر التوقيع الرئيس الأميركي جيمي كارتر كشاهد على اتفاقية استردت مصر بموجبها سيناء وقناة السويس في 25 أبريل/نيسان 1982 باستثناء طابا التي استرجعتها عن طريق التحكيم الدولي في 19 آذار/مارس 1989 .هذه الاتفاقية أخرجت مصر من الصراع العربي الإسرائيلي مع الكيان الصهيوني.
لقد كان لتوقيع مصر على اتفاقية كامب دافيد، أثر كبير ساعد في إنجاح الجهود التي ستبذلها “إسرائيل” في الثمانينات للعودة إلى أفريقيا من خلال ربط علاقات اقتصادية سرية في البداية، تطورت لتصبح أمنية وعسكرية مع بعض الدول الأفريقية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، الزائير (جمهورية الكونغو الديمقراطية الحالية) وليبيريا وكوت ديفوار والكاميرون، وطبعاً النظام العنصري في زيمبابوي وفي جنوب أفريقيا الذي تربطه بهما علاقة قال عنها نيلسون مانديلا عام 1990: “لن ينسى شعب جنوب أفريقيا أبداً دعم دولة “إسرائيل” لنظام الفصل العنصري”.
أم الخطايا، اتفاقية أوسلو
وبعد مسار تفاوضي دام سنتين سيوقع كل من رئيس وزراء الكيان إسحاق رابين ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات في واشنطن بتاريخ 13 أيلول/ سبتمبر 1993على اتفاقية أوسلو التي مهدت لقيام السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة منتصف عام 1994.
في 26 تشريت الأول/أكتوبر 1994 وقّع الأردن والكيان الصهيوني اتفاقية وادي عربة، لتصبح الأردن ثاني دولة عربية بعد مصر وثالث جهة عربية بعد مصر ومنظمة التحرير الفلسطينية تطبّع علاقاتها مع “إسرائيل”.
قيام دول عربية ومنظمة التحرير بالاعتراف بالكيان الصهيوني وتطبيع العلاقة معه رفعا الحرج عن العديد من الدول الأفريقية وفُتحت الطريق أمامهم لإقامة العلاقات مع “تل أبيب”.
وهكذا “عادت إسرائيل إلى أفريقيا”، كما قال بنيامين نتنياهو خلال جولته في تموز/ يوليو 2016 في الجزء الشرقي من القارة (أوغندا ورواندا وكينيا وإثيوبيا) ، ليعود سنة 2019 للقول: “أفريقيا هي التي عادت إلى إسرائيل”. واليوم من بين 54 دولة أفريقية، تعترف 46 “بدولة إسرائيل”.
على سبيل الختم: طوفان الأقصى وانقلاب مسار
بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، أثار طوفان الأقصى وما أعقبه من حرب إبادة على الشعب الفلسطيني رد فعل متميزاً من طرف الاتحاد الأفريقي، الذي ألقى في بيان صدر عنه باللوم على “إسرائيل”، معتبراً أن “إنكار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ولا سيما الحق في دولة مستقلة وذات سيادة، هو السبب الرئيسي للتوترات المستمرة بين إسرائيل وفلسطين”.
وخلال القمة الـ37 للاتحاد الأفريقي فى أديس أبابا في شباط/ فبراير 2024 مُنع ممثل “إسرائيل” من دخول قاعة المؤتمر، في حين حضرها رئيس الوزراء الفلسطينى محمد اشتيه .
وقد حضرت الحرب على غزة بقوة خلال هذه القمة، حيث ثمّن الرئيس موسى فكي دعوى جنوب أفريقيا ضد “إسرائيل” في محكمة العدل الدولية ونوّه بأن هذه الدعوى تعد انتصاراً للقارة بأكملها ولكل الدول الداعمة للقضية الفلسطينية.
وقد أدانت القمة الحرب الإسرائيلية على غزة والعقاب الجماعي ضد المدنيين، وأدانت تهجير سكان قطاع غزة، وطالبت بضرورة أن تكون فلسطين دولة مستقلة ذات سيادة يتمتع فيها الشعب الفلسطيني بكامل حريته… وطالب البيان الختامي للقمة الأفريقية بضرورة إجراء تحقيق دولي مستقل فى انتهاك “إسرائيل” للقانون الإنساني الدولي فى غزة واستهداف المستشفيات،كما طالب “إسرائيل” بالاستجابة للنداءات الدولية بوقف إطلاق النار، والامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية ورفع الحصار عن القطاع ومنع الإبادة الجماعية.
يمكن القول إن الحرب في غزة قد شوّهت صورة “إسرائيل” في القارة الأفريقية وإن سياساتها في هذه القارة تعرف انتكاسة ومن المؤكد أنها ستعمل بكل إمكاناتها لتلميع صورتها والعودة للتسرب في الفضاء العام الأفريقي عبر مداخل متعددة وتلك قصة أخرى لا بد من سردها .
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي