“تنظيم” العلاقات اللبنانية ـ السورية لا يحصل بالتسرّع والكيدية!

“تنظيم” العلاقات اللبنانية ـ السورية لا يحصل بالتسرّع والكيدية!

 

Telegram

 

يحتاج ترميم العلاقات بين لبنان وسوريا إلى إعادة نظر شاملة بما سبق أن حصل واستشراف ما يمكن أن تصل إليه، في ظل نظامين جديدين للحكم، ولو بتوجهات فكرية مختلفة، وَعَدا بالإصلاح والتصحيح وإعادة البناء ومعالجة ثغرات الماضي ومشكلاته وانعكاساته، لكن تحيطهما عوامل داخلية واقليمية ودولية معقدة وصعبة تجعل مهمتهما معقدة وصعبة، لا سيما على صعيد إعادة النظر بالاتفاقيات الموقعة بين الدولتين، ومنها، وربما أهمها، معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق التي وقعها الرئيسان الراحلان الياس الهراوي وحافظ الأسد في 21 أيار عام 1991.
لا تكفي نوايا مسؤولي الدولتين في معالجة ترسبات الماضي الذي شهد حروباً بينهما وفي داخلهما، فلا بد من استعادة تاريخ العلاقات من مرحلة ما بعد اتفاق الطائف، والتي شهدت سيطرة سورية واسعة على مفاصل الحياة العامة والسياسية والاقتصادية والأمنية، وبرضى كل المسؤولين اللبنانيين الذين تعاقبوا على الحكم واستفادوا من الوجود السوري وأفادوا الكثير من القيادات السياسية والأمنية السورية قبل أن ينقلبوا عليها بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
أما وقد بدأ الكلام الجدّي بين مسؤولي الدولتين مؤخراً حول ترتيب وتنظيم العلاقات، برعاية عربية ودولية، وبالأخص سعودية واضحة، فإن “نكش” الاتفاقات المعقودة بين الدولتين بهذا التسرّع لإعادة النظر بها أمر ليس شكلياً ولا إجرائياً، بل هو أمر قانوني بالدرجة الأولى من حيث الشكل، وأمر سياسي كبير يحتاج إلى تفكير عميق في ما يريده النظام السوري المؤقت الجديد من لبنان، وما يريده “لبنان الجديد” من سوريا.
بالمبدأ، كل الاتفاقات بين أي دولتين تبقى عرضة للتغيير أو التعديل أو الإلغاء، بحسب مصالح الدولتين وظروفهما الداخلية لا سيما الاقتصادية والامنية، وفي الوضع اللبناني ـ السوري ثمة الكثير من الأمور مطروحة للبحث جذرياً. فالنظام السوري الجديد مؤقت، ولا أحد يعلم إلى متى يستمر ولا إلى أين ستذهب الأوضاع في سوريا في ظل الأحداث السياسية والأمنية التي تجري، وبخاصة احتلال العدو الإسرائيلي لمناطق سورية واسعة وإلغاء اتفاق وقف اطلاق النار والمنطقة المنزوعة السلاح في الجولان وجبل الشيخ وصولاً إلى حدود لبنان الشرقية – الجنوبية، وهو ما يفترض التروي اللبناني في خوض البحث عن علاقات واتفاقات جديدة على كل المستويات قد يفرض أي تغيير كبير في سوريا لاحقاً إعادة النظر بها من جديد.
عدا ذلك، يقول مسؤول كبير كان على تماس مباشر في تطبيق الاتفاقات المعقودة بين لبنان وسوريا، إن الاتفاقات التي جرى توقيعها في التسعينيات أعيد النظر بها في حكومة الرئيس سعد الحريري وجرى تعديل معظمها، خلال زيارة له إلى دمشق على رأس وفد وزاري كبير (13 وزيراً) في 18 تموز عام 2010 وخلال اجتماعاته مع رئيس الوزراء السوري آنذاك ناجي العطري. ووقّع الرئيسان سلسلة من الاتفاقات الاقتصادية الجديدة وبرامج التعاون تشمل مجالات عدة، من بينها النقل والملاحة البحرية، وذلك قبل لقائهما مع الرئيس السوري بشار الاسد.
أما بالنسبة لوضع الحدود، فأعلن وزير الخارجية السورية وقتها الراحل وليد المعلم خلال زيارة الحريري أنه تم تشكيل لجنة في سوريا ولبنان لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في السابق في هذه المسألة.
مسألة الحدود ليست جديدة إذاً، وهي تحتاج إلى قرار سياسي جدي وعملي تقني لترسيمها، “وإنهاء معاناة العائلات اللبنانية الموجودة في سوريا والسورية الموجودة في لبنان وإنصافها”، حسبما قال وليد المعلم وقتها.
أما مسألة إعادة النظر بمعاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق، أو إلغاءها، فهي شأن آخر لا تحسمه رغبات بعض القوى السياسية في حكومة نواف سلام ولا إملاءات سياسية خارجية، بل تحسمها المصلحة الفعلية للدولتين، وآلية التعديل أو الإلغاء، ذلك أنها معاهدة دولية مسجلة لدى الأمم المتحدة ولا يبت بها أحد قبل رئيس الجمهورية في لبنان المولج بحكم المادة 52 من دستور الطائف التي تنص على “يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء. وتُطلع الحكومة مجلس النواب علیها حینما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة. أما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالیة الدولة والمعاهدات التجاریة وسائر المعاهدات التي لا یجوز فسخها سنة فسنة، فلا یمكن إبرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب”.
على هذا، لرئيس الجمهورية وحده البت في أمر معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق وهو أمر لم يبت به بعد الرئيس جوزاف عون، ربما بانتظار تبلور مسار العلاقات الجديدة مع سوريا، بناء لما توصل إليه الرئيس نواف سلام في زيارته الأخيرة لدمشق. وتنظيم العلاقات اللبنانية ـ السورية لا يتم بالتسرّع والهوى السياسي الكيدي، بل بمقاربة شاملة تاريخية ومستقبلية منفتحة، وبما ينسجم مع مصالح الدولتين والشعبين فعلاً، لا مصالح أطراف سياسية ودول خارجية.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram