عندما زار المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، قطاع غزة نهاية الشهر الماضي، «قدّر» المهلة التي قد تستغرقها إعادة الإعمار هناك بما بين «10 إلى 15 سنة كحدّ أدنى»، قبل أن يعيد تأكيد تلك النقطة، أخيراً، في مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز» الأميركية، زاعماً أنّ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يريد منح الفلسطينيين «فرصة لحياة أفضل، بعيداً عن القطاع الذي مزقته الحرب». وبالنسبة إلى ويتكوف، فإنّ «الحياة الأفضل تتعلق بفرص وظروف مالية وتطلعات أفضل، لا بنصب خيمة في قطاع غزة».
على هذا النحو، قدّر ويتكوف حجم الأضرار والوقت اللازم لإصلاحها، قبل أن يطرح «رجل الصفقات» و»قطب العقارات»، ترامب، خلال مؤتمر صحافي إلى جانب رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الثلاثاء، خطته للسيطرة على القطاع وتملّكه لفترة طويلة الأمد، ثمّ تحويله إلى «ريفييرا الشرق الأوسط»، نظراً إلى موقع غزة «المطلّ على البحر»، من دون أن يستبعد إرسال قوات أميركية إلى القطاع لتحقيق ذلك. وعليه، تخطى اللقاء مع ترامب جميع توقعات نتنياهو وحلفائه اليمينيين المتطرفين، وبدا الرئيس الأميركي كأنه سيمضي قدماً في تحقيق «أحلام» هؤلاء، بعدما فشلت القوة العسكرية الإسرائيلية «المطلقة» في تهجير الغزيين أو احتلال القطاع.
وعلى الرغم من أنّ ترامب لن يقدر، ولو حاول، على تعليل خطته ولو بقانون واحد يتيح له السيطرة على أرض أجنبية أو تهجير سكانها بالقوة، إلا أنّه أدلى بتصريحاته كأنها «أمر مسلّم به»، فيما تشير بعض المعطيات إلى أن كلامه ليس «وليد اللحظة»، أو مجرد «هلوسات لرجل أعمال في مجال العقارات»، بل إنّ الرئيس الجمهوري يبحث، منذ فترة، القضية مع عدد من المقرّبين منه.
وفي السياق، نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين في إدارة ترامب قولهم إنّ «فكرة الاستيلاء على غزة ظهرت أخيراً، وكانت تنتشر في أوساط مساعدي ترامب وحلفائه في الأيام الأخيرة»، فيما قالت مصادر أخرى إن المسؤولين خارج «الدائرة الضيقة» للرئيس لم يكونوا على علم بالفكرة التي كانت مطروحة على الطاولة، خلال أيام التخطيط للّقاء بين ترامب ونتنياهو. وتردف الصحيفة أنّ الاقتراح «أذهل» حتى بعض مؤيديه الأكثر «اندفاعاً ونفوذاً في الجالية اليهودية»؛ إذ وصف أحد جامعي التبرعات المؤيدين لإسرائيل منذ فترة طويلة والذي كان قد ساهم في عملية جمع الأموال للرئيس الجمهوري لسنوات، الفكرة بـ«المجنونة»، متسائلاً عن آلية تنفيذها، ومؤكداً أنّ «ثمة متغيّرات مجهولة، تجعل تنفيذها بسلاسة صعباً».
على أنّه نظراً إلى أفكار ترامب التي ازدادت وقاحة في الفترة السابقة حول «إعادة رسم» خريطة العالم، واستعادة أمجاد إمبريالية القرن التاسع عشر، بدءاً بغرينلاند وكندا وبنما، وصولاً إلى قطاع غزة، فإنّ العديد من المراقبين يجادلون بأنّ من الضروري أخذ المخاطر المترتّبة على أفكاره «على محمل الجدّ»، ولا سيما أنّه في حال قرر استعمال القوة لتحقيق أفكاره - وهو قادر على تفعيلها –، فإنّ ذلك سيكبّد الولايات المتحدة تكاليف باهظة، في منطقة كانت تحاول الخروج منها لسنوات. وممّا يعزز تلك المخاوف، أنّ الفكرة تلقى قبولاً، منذ مدة، لدى بعض المقربين من ترامب، وعلى رأسهم صهره، جاريد كوشنر، الذي لفت، في مقابلة العام الماضي، إلى أن «ممتلكات الواجهة البحرية في غزة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة»، مقترحاً على إسرائيل «إخراج الناس ثم تنظيفها»، وإن لم يكن يقصد، على الأرجح، إجبار الفلسطينيين على الخروج بشكل دائم من القطاع، ثمّ الاستيلاء عليه من قبل الولايات المتحدة.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، فإنّ الترحيل القسري لكل سكان القطاع يعدّ انتهاكاً لـ»القانون الدولي»، كما أنّ إعادة توطين مليونَي فلسطيني ستطرح تحدّياً «لوجستياً ومالياً هائلاً»، وتتسبّب بـ»انفجارات سياسية»، وتتطلب، كذلك، إشراك الآلاف من القوات الأميركية، وبالتالي، ستجرّ إلى مزيد من العنف. على أنّه طبقاً لأصحاب هذا الرأي، فإنّ المشكلة الكبرى تتمثل في أن تطبيق مثل تلك الخطة سيتطلب التزاماً أميركياً هو، من حيث التكلفة والقوة، الأكبر منذ غزو العراق وإعادة إعماره قبل عقدين من الزمن. كما أنّه سينعكس بشكل كبير على رئيسٍ شجب التدخلات الخارجية وتعهد بإخراج القوات الأميركية من الشرق الأوسط، منذ ترشحه لأول مرة عام 2016.
وبالإضافة إلى الشق العسكري، ينوّه بعض المراقبين إلى أنّه على الرغم من الرفض المصري والأردني «القاطع» لفكرة استقبال الفلسطينيين القادمين من قطاع غزة، إلا أنّ هذا لا يعني أن الدولتين المعنيّتين قد لا ترضخان، في نهاية المطاف، لمطالب ترامب، ولا سيما أنّهما عبّرتا عن نيتهما المضيّ قدماً في «توطيد» العلاقات مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس الجديد.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :