شكلت التغريدة التي نشرتها منصة "بيروت Review" هدر دم سياسيّ علني بحق المستشار الرئاسي جان عزيز، إذ تضمّنت اتهامات بالغة الخطورة له بالتماهي مع إسرائيل وبالتنقّل بين معسكراتها، وبتكريس مسيرة كاملة من "التلوّن السياسي" على حساب الثوابت الوطنية. ولم تكتفِ المنصة بسرد محطات من تاريخه المهني والسياسي، بل قدّمتها في سياق يضعه في خانة العداء للمقاومة، الأمر الذي يعكس دعوة ضمنية إلى عزله سياسياً واجتماعياً وتحميله وصمة "الخيانة" في مرحلة شديدة الحساسية من الصراع الداخلي والإقليمي.
ففي تغريدة من جزأين عبر منصة "إكس"، شنّت المنصة، المعروفة بقربها من خط حزب الله، هجوماً قاسياً على جان عزيز، متوقفة عند مسيرته السياسية والإعلامية التي وصفتها بالمتلوّنة والمتناقضة. وأشارت إلى أنّه "مستشار أتقن نقل البارودة من القوات فالتيار، من الجبهة الإسرائيلية إلى الجبهة الوطنية، وعلى متن باص تفاهم مار مخايل رافق ميشال عون نحو حارة حريك، وكرّس نفسه كاتب الوحي في قصر بعبدا، لكن لم يطل المقام". وأضافت أنّ الرجل "وقف في كل مرحلة من التاريخ في مواقع متناقضة تمامًا لا يمكن معها الحديث عن مبدأ واحد يرسم خطه السياسي إلا موقفًا انطلق منه في ثمانينيات القرن العشرين، وعاد إليه قبل انقضاء الربع الأول من القرن الأول بعد الألفية الثانية".
ذكّرت التغريدة بأنّ جان عزيز انضمّ خلال سنوات الحرب الأهليّة إلى "القوات اللبنانية"، التي كانت تتلقى دعماً عسكرياً ومالياً ولوجستياً من إسرائيل، فكان في صفّ التحالف معها إبّان الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وهو ما اعترف به لاحقاً نادماً. وأوضحت أنّه بعد انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، كان من بين المتشدّدين الرافضين لتسليم سلاح "القوات" للدولة وفق ما نصّ عليه اتفاق الطائف. وفي التسعينيات، نشط عزيز في صفوف المناهضين للوجود السوري في لبنان، وانضم إلى لقاء "قرنة شهوان" ممثلاً عن "القوات" بعد العام 2001، غير أنّ "القوات" اتهمته في تلك الفترة بأنّه "مخبر صغير لأحد رؤوس الجهاز الأمني اللبناني–السوري المشترك"، وأورد موقعها الإلكتروني عام 2010 أنّه تم تجنيده لاختراق الحزب وتشغيله كمخبر داخل أمانة السر في "قرنة شهوان".
بعد تفاهم مار مخايل عام 2006، انتقل عزيز إلى "التيار الوطني الحر" واصطفّ مع الرئيس ميشال عون، حيث عُيّن مديراً لأخبار قناة OTV عند تأسيسها عام 2007. وفي 28 شباط 2012، نشر مقالاً في صحيفة "الأخبار" تناول فيه قضية تفجير كنيسة سيّدة النجاة مستهدفاً سمير جعجع. وردّ موقع "القوات" عليه بحدّة، واصفاً إياه بـ"المرتزق" الذي يقاتل ضد القضية التي ناضل من أجلها قبل أن يسخّر قلمه "للعمل بالأجرة". وذكّر الموقع بمقالات سابقة لعزيز كان قد أيّد فيها جعجع إبّان اعتقاله، ليفضح تناقض مواقفه. لاحقاً، دخل عزيز القصر الجمهوري كمستشار إعلامي للرئيس ميشال عون.
غير أنّ الصدام لم يتأخر، فمطلع 2018 كتب عزيز مقدّمة نارية لنشرة أخبار OTV هاجم فيها الياس بو صعب، ما اعتُبر تجاوزاً لصلاحياته الإعلامية وتهديداً لصورة الرئاسة. وفي 12 شباط من العام نفسه، قَبِل ميشال عون استقالته التي كان قد تقدّم بها سابقاً، لينتقل إلى الكتابة في مواقع مستقلة أو معارضة للتيار، قبل انضمامه إلى موقع "أساس ميديا" لصاحبه الوزير السابق نهاد المشنوق.
وأشارت المنصة إلى أنّ عزيز، بعد خروجه من الرئاسة، لم يتردّد في مهاجمة العهد. ففي أواخر ولاية عون، اتهم بعض مستشاريه بالخيانة العظمى على خلفية ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل عام 2022، واصفاً إيّاهم بـ"الدجّالين ومجموعة رستم غزالي وغازي كنعان ودحلان". وفي تلك المرحلة، كان قد انضم إلى فريق العمل السياسي المحيط بالعماد جوزاف عون والساعي إلى إيصاله إلى بعبدا. ومع تحقّق الهدف، عاد عزيز مستشاراً سياسياً للرئيس جوزاف عون. وأشارت التغريدة إلى أنّه دخل بعبدا في المرة الأولى على "دبابة ميركافا" عام 1982، وفي الثانية عام 2016 على وقع تفاهم مار مخايل، وفي الثالثة عام 2025 متوهّماً الاستقواء بـ"المسيّرة الإسرائيلية" وعضلات الفريق الأميركي في واشنطن.
وفي الجزء الثاني، حملت التغريدة عنوان "من إسرائيل... وإليها"، معتبرة أنّ عزيز "المستشار المتلوّن اقترب بحسب المصالح وميزان القوى من كل الجبهات المتناقضة في حقبات مختلفة". وذكّرت بأنّه كتب عموداً ثابتاً في صحيفة "الأخبار" ذات التوجه الوطني، كما عمل في موقع "Al Monitor" المملوك لجمال دانيال، أحد عرّابي التطبيع. وأضافت أنّ علاقته مع النظام السوري بعد 2009 كانت "متينة" وتجاوزت الإطار المهني، إلى حد أنّه كتب عام 2011 مقالاً شبّه فيه أحداث درعا بعملية استئصال الزائدة الدودية التي أجراها حافظ الأسد. كما أوردت أنّ علاقته برجل الأعمال اسكندر صفا كانت "أكثر من متينة"، وسط تساؤلات عن ارتباط الأخير بإسرائيل ودوره كوسيط مع بعض الدول الخليجية.
وأعادت التغريدة التذكير باعتذار قدّمه عزيز عام 2009 في مسرح المدينة بمناسبة الذكرى 27 لانطلاقة "جبهة المقاومة الوطنية"، حين اعترف بتجربته في صفوف "القوات" المتحالفة مع إسرائيل ووصفها بأنها "أيام مراهقة"، مؤكداً أنّه استغرق ربع قرن ليدرك حجم خطئه، مستغفراً الشهداء والأماكن التي سقطوا فيها. لكنّ المنصة أشارت إلى أنّ هذا الاعتذار لم يدم، إذ عاد عام 2024 إلى "الخندق المعادي للمقاومة الوطنية"، وكتب مقالاً في موقع "أساس ميديا" احتفى فيه بجرائم بنيامين نتنياهو، متهماً معارضيه بأنّهم "عملاء الملالي".
وختمت التغريدة بالقول إنّ جان عزيز، المستشار المتلوّن، غادر طريقاً وعد أن يكمله، ليعود إلى المربع الأول في مواجهة المقاومة، بعد مسيرة طويلة من التنقّل بين المعسكرات والتحالفات
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :