يواجه الأردن تهديدات ومخاوف مركبة ومعقدة بسبب الضغوطات التي يمارسها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من أجل استقبال لاجئين فلسطينيين من قطاع غزة. وتفرض هذه التهديدات خيارات سياسية قليلة أمام عمان.
يقول محللون إن الأردن لا يملك ترف رفض خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتهجير الفلسطينيين على عكس مصر التي تتمتع بهامش مناورة ومرونة أكبر للتعاطي مع المقترح ولو بغير صيغته المقترحة لتخفيف أثاره وتداعياته الداخلية والإقليمية.
ويلتقي العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في الحادي عشر من فبراير الجاري الرئيس ترامب في البيت الأبيض، حيث تتصدر خطة التهجير جدول الأعمال.
ومن المتوقع أن يربط ترامب استئناف المساعدات الأميركية إلى الأٍردن والتي تم قطعها لمدة 90 يوما بقبول عمان خطته والتلويح بالمزيد من الضغوط الاقتصادية إذا ما تم رفضها.
ويرى مراقبون أن العاهل الأردني سيحاول كسب المزيد من الوقت قبل القبول بالخطة أو بصيغة معدلة لها بانتظار الموقف المصري الذي قد يساعده في التملص دون مجازفة.
ويشير المراقبون أن “الصوت العالي” في القاهرة الذي أثثته الفعاليات الشعبية بالقرب من معبر رفح الحدودي مع غزة بمباركة حكومية ضد خطة التهجير لن يؤثر على قرار إدارة ترامب وإنما تحاول الحكومة المصرية إيصال رسالة مفادها أن الأمر خارج عن سيطرتها.
تصريحات المسؤولين في عمان بشأن خطة التهجير إلى حد الآن محسوبة بعناية ومقتضبة وهو ما يفسر المأزق الأردني
واقترح ترامب خطة لـ”تطهير” قطاع غزة، على أن يستقبل الأردن ومصر فلسطينيين من المنطقة التي دمرتها الحرب.
ورفضت الدولتان بشدة المقترح، لكن ترامب أصر الأسبوع الماضي مجددا قائلا “نحن نفعل الكثير من أجلهم (الأردنيين والمصريين)، وسوف يفعلون ذلك.”
ورد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، على تصريحات ترامب، قائلا إن “موقف بلاده الرافض لتهجير الفلسطينيين ثابت.”
وقال الرئيس المصري الأربعاء الماضي إن “ترحيل وتهجير الشعب الفلسطيني ظلم لا يمكن أن نشارك فيه.” وحذّر مرارا من أن مثل هذه الخطوة “خط أحمر” ومن شأنها أن تهدد الأمن القومي المصري.
وفي اليوم ذاته قال عن الخطة المقترحة إن “الشعب المصري لو أنا طلبت منه هذا الأمر سيخرج كله في الشارع المصري ليقول لي: لا، لا تشارك في ظلم.”
العاهل الأردني سيحاول كسب المزيد من الوقت قبل القبول بالخطة أو بصيغة معدلة لها بانتظار الموقف المصري
ويراهن المصريون على أن خروج تظاهرات في مصر ضد مقترح التوطين يعني أن القضية اتخذت منحى سلبيا، وأن الرئيس السيسي أراد توجيه رسالة حاسمة تفيد بأن الأمر لم يعد بيده، وأن تنفيذه ستترتب عليه تداعيات سلبية في الداخل تؤثر على المصالح الأميركية في مصر، وتعرّض العلاقات بين البلدين للخطر.
وتشير أوساط سياسية مصرية إلى أن وضع الكرة في ملعب الجانب الشعبي يعني أن الجانب السياسي لا يستطيع تمرير الخطة، وإذا صمم ترامب ومارس ضغوطا شديدة على القاهرة للقبول بالتوطين فسيصبح الموقف محرجا وقد يفجر احتجاجات واسعة.
وتبدو تصريحات المسؤولين الأردنيين بشأن خطة التهجير إلى حد الآن محسوبة بعناية ومقتضبة وأكثر حذرا من القاهرة وهو ما يفسر، وفق محللين، المأزق الأردني.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية محمد أبو رمان إن “الأردن وصل إلى مرحلة المأزق بالعلاقة مع الولايات المتحدة،” معتبرا أن “الأردن يعتمد بدرجة رئيسية الدبلوماسية الهادئة، التي تحاول تجنب المواجهة مع ترامب، والرفض، لكن ليس بصورة تضع الأردن بشكل مباشر في صدام مع الإدارة الجديدة.”
ويرى مراقبون أن الأردن يراهن على الموقف المصري بدرجة أولى واستنهاض رفض عربي للخطة الأميركية بدرجة ثانية لمقاومة الضغوط.
الأردن ربما يراهن على التطبيع السعودي – الإسرائيلي الذي يريده ترامب في أسرع وقت لكسر حلقة الضغوط
ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن الأردن ربما يراهن أيضا على التطبيع السعودي – الإسرائيلي الذي يريده ترامب في أسرع وقت لكسر حلقة الضغوط.
ويعتبر الأردن من الدول التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية، بما في ذلك المساعدات الأميركية التي تلعب دورا حيويا في دعم الاقتصاد الأردني، وتمويل البرامج التنموية، وتعزيز استقرار البلاد.
ويقول محللون اقتصاديون إن تعليق المساعدات الأميركية لا شك أنه سيؤدي إلى إشكاليات بالنسبة للبلدان التي تستفيد منها، وسيؤدي إلى إرباك في موازناتها وخططها التنموية خلال العام الحالي.
وأضاف المحللون أن توقّف العمل في المشاريع الممولة من المساعدات الأميركية والتي تتابعها وكالة الولايات المتحدة للإنماء الدولي يؤثر على سير العمل في المشاريع التي تتبع للعديد من الوزارات والمؤسسات الحكومية، إضافة إلى فقدان أعداد كبيرة من العاملين وظائفهم ولو مؤقتا؛ كون رواتبهم تدفع من قبل الوكالة التي ترتبط معها بتعاقدات.
ويعاني الأردن من أزمات اقتصادية خانقة في ظل التطورات والاضطرابات الإقليمية التي ارتدت سلبا على العديد من القطاعات، منها السياحة والتجارة والصناعة.
ويقول الصحافي الأردني باسل رفايعة، إن “مخاوف الأردن لا تكمن في الضغوط لاستقبال لاجئين من غزة، ولا في وقف المنح والمساعدات الأميركية، فقط.”
ويوضح الرفايعة في تصريح ل “قدس برس” أن “المخاوف مركبة وتعقيداتها تجعل الخيارات السياسية قليلة. ثمة نحو 300 ألف فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية، يحملون جوازات وأرقاماً وطنية أردنية. وهؤلاء مع عائلاتهم يشكلون كتلة سكانية تزيد عن نصف مليون نسمة، وهم ورقة ضغط دائمة يلوح بها اليمين الإسرائيلي.” وشدد رفايعة على أن “ترحيلهم طوعا أو قسرا يزيد الأعباء الاقتصادية.”
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :