مع تجاوز عملية تأليف الحكومة العتيدة أسبوعها الثالث، لم يعد ممكناً حجب حقيقة أساسية تتمثل في أن هذه العملية بلغت عنق الزجاجة في مواجهة تراكم تصاعدي للعقبات بدلاً من التخفف منها وخفض منسوبها تباعاً. وإذا كانت الساعات الأخيرة سجلت ظاهرة لافتة مع تصاعد مثير للاهتمام والتدقيق في حجم الاعتراضات على الرئيس المكلف نواف سلام حتى من قلب دار مؤيديه “الأصليين والأوائل” من مثل نواب تغييريين أو معارضين شكلوا رأس الحربة في تسميته رئيساً مكلفاً، ظلت العقدة الرئيسية العالقة في طريق فتح الانسداد الذي تواجهه عملية إنجاز تأليف الحكومة متمحورة حول التمثيل المسيحي “الثقيل” أي المتصل تحديداً بحزب “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، إذ تبين أن أي حلحلة لم تطرأ بعد على هذه العقدة ولو أن المعطيات المتوافرة تشير إلى أن قنوات الاتصالات والمشاورات بين سلام و”القوات” مفتوحة بلا توقف. ويمكن استخلاص المناخات التي آلت اليها هذه العقدة بأن موقف “القوات” المنادي بالتوازن في اعتماد المعايير الموحدة يحظى بتفهم وتأييد سياسيين واسعين حتى لدى أفرقاء لا يجمعهم بـ”القوات” أي تحالف، لكنهم يرون أن تمكنها من فرض منطقها على مجريات التأليف سيرتد ايجاباً على أطراف آخرين كبعض الأفرقاء السنّة الذين يواجهون ما يعتبرونه “تهميشا” لحجمهم وتمثيلهم. ولكن هذه المعطيات على وجاهتها لا تبرر في المقابل اشتداد الحملة على الرئيس المكلف بالشكل الذي تصاعدت فيه في الساعات الأخيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لأن سلام ماضٍ في عملية دؤوبة لمعالجة التعثر في كل الاتجاهات ولو أثيرت اعتراضات حادة في شان مقارباته.
ويبدو أن المشهد الداخلي مقبل مجدداً على اختراقات ديبلوماسية بارزة إذ سجلت عودة قطرية بارزة مع زيارة رئيس الوزراء القطري لبيروت أمس. كما أفادت مراسلة “النهار” رندة تقي الدين أنه من المقرر أن يصل إلى بيروت الخميس فريق عمل الرئيس الأميركي دونالد ترامب المكلف بالملف اللبناني والذي يضم الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس وإيريك تراغر وسيجتمعان برئيس الجمهورية جوزف عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف نواف سلام. وستدفع أورتاغوس وتراغر في لقاءاتهما نحو الإسراع في تشكيل الحكومة على أن يتم تجاوز الخلافات الداخلية لتكون حكومة فعالة تنجز إصلاحات مطلوبة دولياً ولن تعارض واشنطن أن يكون ياسين جابر وزيراً للمال. أما رسالة نائبي الكونغرس إلى الرئيس ترامب حول عدم قبول التعامل مع حكومةً تضم عناصر مقربين من “حزب الله” ما جعل مستشار ترامب مسعد بولس يعارض وجود عناصر قريبة من الحزب في الحكومةً، فعكس بعض الاختلاف داخل الإدارة حول هذا الملف. وفي ملف الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في 18 شباط تقول إسرائيل إنها جاهزة لذلك لكنها تريد المحافظة على خمسة مواقع داخل الجنوب لضمان عودة سكانها إلى الشمال، لكن باريس ترى أن على إسرائيل أن تنسحب كلياً والجنرال الفرنسي في لجنة مراقبة وقف إطلاق النار، بونشان قام أمس بزيارة لإسرائيل في هذا الأطار.
أصوات الاعتراض
بالعودة إلى ملف التعثر الحكومي برزت دفعة واحدة موجة الاعتراضات وكان أبرزها علناً لرئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الذي أعلن في مؤتمر صحافي “أننا حريصون على تأليف الحكومة ونجاح العهد ولكن أصبح لدينا خوف من التعثر في التأليف وهناك من يهمس بالسر أنه يجب أن نمنع أن نعطي التيار مع أي فريق آخر إمكانية الثلث المعطل، ونحن نريد للحكومة النجاح ولا مصلحة لدينا بانهيار البلد ولسنا حلفاء مع الثنائي الشيعي لتطيير الحكومة ولا حلفاء مع المعارضة”. وأشار إلى “أننا مع عدم عزل وعدم استهداف أي مكوّن وتحديداً الشيعة ولكن هذا لا يعني إعلاءهم عن غيرهم في التسمية وإعطاءهم ما لا يعطى لغيرهم تعويضاً لهم عن الحرب والتمسك بالتمثيل السياسي لا يعني تسمية وزراء من دون كفاءة”. وقال: “طالبنا بأمر أساسي هو وحدة المعايير وحصلت مخالفات كثيرة ولسنا مع منح وزارة المال إلى الشيعة”.
أما صوت الاعتراض “القواتي”، فلخصه عضو تكتل “الجمهورية القوية” النّائب غياث يزبك معلناً أن “حزب القوّات لن يشارك في الحكومة المرتقبة وسيحجب الثّقة عنها إذا لم يتلق التّوضيحات التّي يحتاجها لأنّه لا يريد المساهمة في غرق العهد منذ بدايته”. وقال إن “حزب القوات لم يحسم موقفه النهائي بعد في انتظار ما سيقدمه الرئيس المكلف وهو منفتح على أي خطوات من شأنها إنجاح العهد وإنقاذ البلد”.
كما أن حزب الطاشناق أعلن في بيان “عدم جواز إنزال أسماء وشخصيات لا تمت بصلة بالمجتمعات التي تمثّلها، وفرضها على تلك المجتمعات” داعياً الرئيس نوّاف سلام إلى “مقاربة التأليف بمعايير موحّدة، تضمن مؤازرة القوى النيابية والسياسية والشعبية لمسيرة عمل حكومته العتيدة”.
ووصل الخلاف إلى البيت التغييري حيث قال النائب ميشال الدويهي “إن بقيت التشكيلة كما نسمع، فلا حاجة لانتظار إعلانها، أو لبيانها الوزاري: لا ثقة بالمنهجية الحالية ولا ثقة بالمعايير الموضوعة، والأهم من ذلك كله، لا ثقة بحكومة يشارك فيها فريق الثنائي بوزارة المال، فريق عمّق الانهيار وساهم بالفساد، وعقّد الحياة السياسية”.
أما النائب مارك ضو، فعدد 5 إنجازات في الحكومة المرتقبة، وقال: “آن أوان أن تدركوا حجم الانتصارات بهذه الحكومة، ولا تنغّصوا فرحتكم بهواجس من مرحلة سابقة، وتعلموا أن ما تكسبونهم هو أحلامكم منذ عشرات السنوات. أنا أؤيّد الرئيس نواف سلام ومعه لإنجاز هذه الحكومة وبسرعة لما فيها مصلحة لبنان وخطوات كثيرة نحو الدولة التي نطمح لها”.
الدعم القطري
وسط هذه الأجواء أكّد رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني أن زيارته أمس إلى بيروت هي “زيارة دعم من دولة قطر للبنان”، مجدّداً الترحيب بانتخاب الرئيس جوزف عون. وقال بعد لقائه عون في قصر بعبدا: “نتطلّع لاستكمال تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة وتحقيق آمال الشعب اللبناني، وأكدنا التزامنا باستمرار دعم القوّات المسلّحة اللبنانية”. وشدّد على “ضرورة تطبيق القرار 1701 ليستعيد لبنان سيادته وأهمية تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وانسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب”. وأكد رفض خروقات إسرائيل لبنود اتفاق وقف إطلاق النار وانتهاك الأجواء اللبنانية، ولفت إلى أن دولة قطر “ستكون حاضرة بملف إعادة إعمار لبنان”، متابعاً أننا “نتطلّع إلى تحقيق شراكة مع لبنان”. وجال المسؤول القطري على الرؤساء نبيه بري ونجيب ميقاتي ونواف سلام.
وفي الملف الجنوبي أعلنت أمس قيادة الجيش انتشار وحدات عسكرية في بلدة الطيبة قضاء مرجعيون في القطاع الشرقي ومناطق حدودية أخرى في منطقة جنوب الليطاني بالتنسيق مع اللجنة الخماسية للإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار. وأفيد أن استخبارات الجيش تسلّمت شاحنة محملة بالأسلحة والذخائر من مخلفات أحد المستودعات التي سبق أن استهدفها الجيش الإسرائيلي في منطقة الوردانية في اقليم الخروب. في المقابل، أحرق الجيش الإسرائيلي عدداً من المنازل بين رب ثلاثين والطيبة ونفذ عملية نسف كبيرة لمعمل لتكرير مياه الصرف الصحي في سهل مرجعيون في اتجاه كفركلا على الحدود. وقطع الجيش بعد الظهر الطريق الرئيسية التي تربط بين كفرحمام وراشيا الفخار منعاً لتقدم قوة إسرائيلية تضم 6 آليات. وكانت القوة الإسرائلية قد اجتازت الخط الحدودي في محور مزارع شبعا وتقدمت إلى بلدة كفرشوبا ومنها إلى محيط بلدة كفرحمام، وسط إطلاق رشقات رشاشة مكثفة، ثم عادت أدراجها بعد نحو ساعتين.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :