تُعد العلاقة بين الرئيس السوري الراحل **حافظ الأسد** وتنظيم **الإخوان المسلمين** واحدة من أكثر الفصول دموية وتعقيداً في تاريخ سوريا الحديث. بدأت هذه العلاقة بتفاهم هش، لكنها سرعان ما تحولت إلى صراع مسلح دامٍ، انتهى بهزيمة ساحقة للإخوان المسلمين بعد معركة حماه الشهيرة عام 1982.
البداية: تفاهم هش
بعد تولي حافظ الأسد السلطة في نوفمبر 1970، حاول فتح صفحة جديدة مع الإخوان المسلمين، حيث سمح لهم بالنشاط في مجال الدعوة والسيطرة على المساجد، مقابل ابتعادهم عن السياسة والحكم. استمرت هذه العلاقة الهادئة حتى عام 1973، عندما أصدر الأسد دستوراً جديداً أغفل النص على أن الإسلام هو دين الدولة، مما أثار غضب الإخوان المسلمين.
التحول إلى المواجهة
رد الإخوان بتنظيم مظاهرات حاشدة في مدن مثل حماه وحمص وبانياس، مما أجبر الأسد على تعديل الدستور وإضافة فقرة تنص على أن دين رئيس الدولة هو الإسلام. لكن الإخوان لم يكتفوا بذلك، حيث قرر القيادي **مروان حديد** تأسيس تنظيم مسلح تحت اسم "الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين" عام 1973، بهدف إسقاط نظام الأسد بالقوة.
تصعيد العنف
بدأ التنظيم المسلح في شن هجمات عنيفة، حيث اغتال عدداً من الشخصيات البارزة، بما في ذلك الرائد **محمد غرة** (مدير مخابرات أمن الدولة في حماه) والعقيد **عبد الكريم رزوق** (قائد لواء الصواريخ). كما نفذ التنظيم مذبحة مروعة في مدرسة المدفعية بحلب عام 1979، حيث قُتل 80 شخصاً، معظمهم من الطلاب العلويين.
رد النظام: القمع الشديد
رد نظام الأسد بعنف غير مسبوق، حيث شكَّل قوة الحرس الجمهوري لتأمين حماية الرئيس، وبدأ في تصفية قادة التنظيم واحداً تلو الآخر. في يونيو 1980، تعرض الأسد لمحاولة اغتيال فاشلة نفذها أحد عناصر الحرس الرئاسي المنتمي للإخوان، مما أدى إلى إصابته. رداً على ذلك، قامت سرايا الدفاع بمهاجمة سجن تدمر وقتلت 800 من معتقلي الإخوان.
معركة حماه: النهاية الدموية
بلغ الصراع ذروته في فبراير 1982، عندما حاول الإخوان السيطرة على مدينة حماه. استطاع التنظيم السيطرة على المدينة لمدة يومين، قبل أن يشن الجيش السوري هجوماً عنيفاً أدى إلى استعادة السيطرة بعد معارك ضارية. وفقاً للتقديرات، قُتل ما بين 5,000 إلى 10,000 شخص في هذه المعركة، بينما رفع الإخوان الرقم إلى 40,000 قتيل.
هزيمة الإخوان ونهاية الحلم
بعد هزيمتهم في حماه، أصبح حلم الإخوان المسلمين بإسقاط نظام الأسد مستحيلاً. تلقى التنظيم ضربات قاصمة، حيث تم اعتقال أو قتل معظم قادته، بما في ذلك **عدنان عقلة**، آخر زعيم للطليعة المقاتلة.
دعم خارجي ونتائج كارثية
حظي الإخوان خلال صراعهم بدعم مالي ولوجستي من دول مثل السعودية والعراق والأردن، وحتى من الرئيس المصري **أنور السادات**. لكن هذا الدعم لم يمنع هزيمتهم النهائية، التي تركت أثراً عميقاً على المجتمع السوري وعلى مستقبل العلاقة بين النظام والمعارضة.
كان الصراع بين حافظ الأسد والإخوان المسلمين صراعاً وجودياً لكلا الطرفين. انتهى هذا الصراع بهزيمة ساحقة للإخوان، لكنه ترك جراحاً عميقة في جسد المجتمع السوري، ما زالت آثارها ملموسة حتى اليوم.
المصادر:
- زيارة جديدة لتاريخ عربي .. البعث كما حكم: كمال خلف الطويل
- الأسد والصراع على سوريا: باتريك سيل
- سوريا الثورة اليتيمة: زياد ماجد
- البعث السوري: حازم صاغية
- حماه مأساة العصر: عدنان سعد الدين
- الكاتب والباحث عمرو صابح
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :