طمأن انتخاب رئيسٍ للجمهورية في لبنان المستثمرين، وشكّل صدمة إيجابية للعديد من الدول الأجنبية والعربية، إذ ارتفعت الاحتياطيات السائلة الأجنبية في الأسبوعين الأولين من شهر كانون الثاني، 211 مليون دولار بعدما كان احتياطي مصرف لبنان قد انخفض حوالى 530 مليون دولار في آخر ثلاثة أشهر من سنة 2024 بسبب حرب إسناد غزة ضد إسرائيل.
ساهم قرار مصرف لبنان بزيادة الدفعات الشهرية للمودعين خلال الحرب الى التراجع في حجم الاحتياطي من العملات، لكنه عوّض نصف ما خسره فور انتخاب الرئيس جوزاف عون بعد شغور دام لأكثر من سنتين. لكن الانفراج المالي جاء مع خطاب قَسَم الرئيس الذي أعطى الأمل للبعض بالنهوض من جديد والخروج من النفق المظلم، ليزداد الطلب على الليرة اللبنانية وبيع الدولار بكميات كبيرة في السوق إلى أن بلغ الاحتياطي الأجنبي منتصف شهر كانون الثاني 10 مليارات و400 مليون دولار.
يوضح الخبير الاقتصادي نسيب غبريل أن الارتفاع الذي شهده الاحتياطي يعود إلى ارتياح المواطنين لما سمعوه في خطاب قسم الرئيس الجديد.
وأشار إلى أن مهمة الحكومة الجديدة فور تشكيلها أن تتبنّى خطاب القسم للرئيس وتترجمه على الأرض من خلال الإجراءات العملية ليشعر المواطن بالفرق ويتشجع القطاع الخاص لإعادة الاستثمارات إلى لبنان.
أضاف غبريل أن خطاب القسم أعطى رؤية اقتصادية للعهد الجديد، والتي تمتد للسنوات الست المقبلة، وغطّى كل الجوانب الأساسية التي تدعم الاقتصاد من احتكار قرار الحرب والسلم في يد الدولة اللبنانية، إلى بسط سلطة الجيش على كامل الأراضي اللبنانية وأن يكون السلاح محصوراً بيد الدولة، كما إقرار قانون استقلالية القضاء ومكافحة التهريب ومحاربة المافيات، كل هذه الإجراءات ستعيد الثقة للبنانيين وتشجع المستثمرين الأجانب والعرب بدعم الحركة الاقتصادية.
كل هذا الارتياح لا يعفي الدولة من مسؤولية ما وصل إليه لبنان من انهيار مالي، وحجز لأموال المودعين في المصارف.
عام 2023 اتّخذ مصرف لبنان قراراً بوقف إقراض الدولة وتدخل سريعاً لمنع التدهور في سعر الصرف عبر سحب 22 تريليون ليرة من السوق ما أدّى إلى تقليص الكتلة النقدية حوالى 30% واستقرار سعر صرف الدولار على 89500 ليرة بالرغم من كل الصدامات الأمنية التي شهدها البلد. لكن ألم يكن من الأجدى أن يذهب المصرف إلى تسييل احتياطي الذهب ويرد جزءاً من أموال المودعين بدل الدخول في تعاميم لا تعطي المواطن سوى فتات مدخراته؟
استعمال احتياطي الذهب؟
وجد احتياطي الذهب في المصرف المركزي لحل الأزمات المالية، وكان يمكن للدولة آنذاك والمسؤولين التوجّه نحو هذا الحل، لكن الأمر منوط بقرار سياسي ... علماً أن احتياطي الذهب يشكّل أصولاً لمصرف لبنان وكان من الممكن أن يحل مشكلة صغار المودعين، أما المستثمرين وكبار المودعين فتعاد أموالهم عبر خطة مالية وفي فترة زمنية، أو بخلق صندوق سيادي مبني على المبدأ المعمول به في دول عدة، يعمل عبر جذب استثمارات وشركات خاصة إلى أصول الدولة لاستثمارها وزيادة حجمها مما قد يخلق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.
إلاّ أنه مرة جديدة تتدخل السياسة في قرارات المصرف المركزي لتؤكد أحقية صغار المودعين باسترداد حقوقهم (ما دون 100 ألف دولار) لكن ضمن مهلة 15 سنة، أما كبار المودعين فتعتبر ودائعهم كخسائر للمصرف وعفى الله عما مضى، علماً أن المادة 113 من قانون النقد والتسليف تحتّم على وزارة المال مسؤولية تغطية الخسائر.
لم تمر محاولة شطب 80% من أموال كبار المودعين في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة لاعتراض بعض الوزراء على البند، بل إنهم ذهبوا لتقديم شكوى لدى مجلس شورى الدولة متسلّحين بمبدأ أن الدولة مُلزمة بإعادة الأموال.
كان يُفترض آنذاك، وبدلاً من الدخول في معضلة المودع والمصرف، أن يقر مجلس النواب قانون الكابيتال كونترول وقانون إعادة هيكلة المصارف وإعادة أموال المودعين عام 2019 فور انفجار الوضع، وهذا الأمر لم يحصل بسبب تدخّل الأحزاب السياسية لمنعه.
المسؤول عن الأزمة المالية
لا تقع مسؤولية التقصير على شخص واحد، والمسؤولية لا تقع على حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة لوحده، إنما على السياسيين لسوء إدارتهم القطاع العام والحكومات المتعاقبة والسلطة السياسية ككل.
ويلفت غبريل من جديد إلى أن الحكومة صرفت 50 مليار دولار من أموال مصرف لبنان منذ 2010 لغاية 2021 نصفها لوزارة الطاقة، إنما لم يحاسب أحد على هذا الهدر في الإدارات العامة، ولم تتم إعادة ما تمّ اقتراضه. وهذا ما أكدته شركة "ألفاريز" أن 50 مليار دولار من أموال المودعين حصلت عليها الدولة لتمويل العجز في الموازنة وكهرباء لبنان والاستحقاقات الخارجية، فيما ثمة أكثر من 10 مليارات دولار تم صرفها على الدعم للمحروقات والقمح والأدوية تحت إشراف رئاسة الجمهورية وحكومة الرئيس حسان دياب، بين عامي 2020 و2021.
بمعنى آخر، كان على السلطة السياسية إيجاد الحلول السريعة لإعادة أموال المودعين ووقف السرقات والتوظيف العشوائي بدلاً من تراشق التهم حول من أوصل لبنان إلى الانهيار، لأن الدولة اللبنانية مُلزمة تجاه المواطنين بإعادة أموالهم.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :