انقضت سنوات عديدة على أحاديث ترسيم الحدود الشديدة التعقيد والالتباس بين لبنان وسوريا، لكن ما زالت الأمور على حالها. يفرض واقع قاسٍ نفسه، أسياده المهرّبون وأبناء المنطقة الذين يبتكرون سبل عيشهم، ويعيدون صياغة حياتهم “متجاوزين” تلك الحدود التي تبدو كأنّها مجرّد خيال. فما هو حال الحدود في ظلّ الأوضاع الحاليّة مع الواقع الجديد الذي فرضه سقوط النظام السوريّ وانتشار عناصر القيادة الجديدة عند الحدود من جهة سوريا؟
يستمرّ الجيش اللبنانيّ، عبر وحداته كافّة المنتشرة على امتداد الحدود اللبنانيّة السورية في السلسلة الشرقية، في الجهود اللوجستية الحثيثة لإغلاق المعابر غير الشرعية والطرق الترابية الوعرة التي يستغلّها المهرّبون للعبور إلى لبنان، ساعياً إلى حماية الوطن من كلّ ما يتهدّد أمنه واستقراره وسيادته.
وقال مصدر أمني لـ “النهار ” أنّه عند الساعة الثانية عشرة من ظهر اليوم ، كانت دورية تابعة لفوج الحدود البرّي الرابع تجوب المناطق الحدودية، رصدت حركة غير طبيعية عند معبر حدودي غير شرعي في محلة البساتين ضمن أراضي بلدة معربون، الواقعة في قضاء بعلبك، جوار بلدة سرغايا السورية.
وكان أفراد سوريون مسلّحون من عائلة الشماط من سرغايا يمتهنون التهريب قد دأبوا على فتح هذا المعبر في الصباح باستخدام جرّافة، فعند رؤيتهم للدورية، عمدوا الى إطلاق النار ناحيتها، ما أثار ردّ فعل عناصر الدورية الذين أطلقوا نيراناً تحذيرية في السماء. ولكن، لم يتوانَ المسلّحون عن الردّ بالمثل، ما أدّى إلى اشتباك مسلّح بين الطرفين، وأسفر عن إصابة في صفوف الجيش وكذلك إصابات في صفوف المسلحين.
وقد اتّخذت وحدات الجيش المنتشرة في القطاع تدابير عسكرية صارمة، وقامت بمتابعة دقيقة للحادثة. إلّا أنّه في حوالي الساعة الخامسة مساءً، حاول بعض المسلّحين السوريين التقدّم نحو الأراضي اللبنانية، لكنّ وحدات الجيش المتواجدة تصدّت لهم بقوّة وأجبرتهم على التراجع إلى داخل الأراضي السورية بعد تبادل إطلاق النار. وقد أسفر هذا الاشتباك عن إصابة ثلاثة من عناصر الجيش اللبناني بإصابات طفيفة، بالإضافة إلى وقوع إصابات في صفوف المسلّحين، وتدمير إحدى آلياتهم.
يُذكر أنّ الاشتباك وقع في منطقة لبنانية تابعة عقارياً لبلدة معربون، التي ترتبط، عبر خيوط جغرافية، ببلدة سرغايا السورية، والتي لا تفصلها عنها سوى 15 كيلومتراً. وكانت تلك المنطقة تضمّ نقطة متقدّمة لعناصر الحدود السورية، المعروفة بـ”الهجانة”، وهي تتواجد داخل الأراضي اللبنانية، ما يضفي بُعداً آخر على تعقيدات المشهد.
وتوالت الأخبار عن تقديم مقاتلي هيئة أحرار الشام العون والمساندة لعائلة الشماط، لكن جرت اتصالات بين الأجهزة الأمنية التي تمكّنت من احتواء الموقف قبل أن يتفاقم.
وبلدة معربون، المتاخمة للحدود مع الأراضي السورية، تتموضع في الجنوب الشرقي من مدينة بعلبك، حيث تبعد عنها نحو 25 كيلومتراً. تمتاز بمساحتها الواسعة التي تصل إلى 1120 هكتاراً، وتحيط بها من الشمال بلدة حام، ومن الشمال الغربي بلدة الخريبة، بينما تتجاور من الجنوب مع بلدة سرغايا السورية، وتدنو منها من الشرق بلدة رنكوس السورية،
وقد كانت المسافة بين البلدتين تمثّل حصان طروادة في عمليات التهريب خلال الأحداث السورية الماضية، حيث كانت تُستخدم من قبل المنظمات الإرهابية لتهريب السيارات المفخّخة إلى الداخل اللبناني، حتى أُغلقت هذه النقاط نهائياً بواسطة فوج الحدود البرّي الرابع، خاصةً في السنتين الأخيرتين.
توجد أيضاً طريق بديلة تمتدّ على مسافة 10 كيلومترات من بلدة النهير السورية، التي تقع في منتصف الطريق بين معربون وسرغايا المتنازع عليهما قضائياً، حيث تتفرّع منها العديد من المسارات المؤدّية إلى الأراضي السورية. وتعتبر الطريق الترابية التي تمتد لـ 25 كيلومتراً من محلة النبي سباط إلى بلدة عسال الورد، دليلاً صارخاً على نشاط التهريب حينها، إذ أنّ صعوبة التضاريس لم تكن عائقاً أمام حركة التهريب النشطة.
وشهدت الحدود بين البلدتين صراعات حدودية متكرّرة على مدى أكثر من خمسين عاماً، بين سكان بلدة معربون اللبنانية وبلدة سرغايا السورية، في أراضٍ يعتبرها أحد الطرفين ملكاً له، بسبب قربهما الجغرافي وغياب الترسيم الواضح للحدود، شهدت العلاقة بين المزارعين في هاتين البلدتين تداخلاً في الأراضي الزراعية والمراعي والنزاعات حول ملكية الأراضي وتحديد الأراضي المتداخلة.
قبل أن تُغلق هذه الحدود من قِبل فوج الحدود البرّي الرابع. وقد تمّت معالجة هذه الخلافات من خلال اللجنة الأمنية المشتركة بين البلدين، التي استندت في جهودها إلى معاهدة الإخوة والتعاون والتنسيق، الموقّعة بتاريخ 22/5/1991 في دمشق بين الجمهورية اللبنانية والجمهورية العربية السورية وعلى الرغم من التحدّيات، ساعدت اللجنة في تخفيف حدّة النزاعات وتعزيز التعاون المحلّي، وتوضيح وضع الأراضي المتنازع عليها بين مزارعي معربون وسرغايا، مستندة إلى الخرائط القديمة، الشهادات التاريخية، وشهود محليّين، لكنّها لم تتمكّن من تقديم حلول دائمة بسبب غياب الترسيم الحدوديّ الواضح واستمرار المشاكل السياسية والأمنية.
نسخ الرابط :