ادمون ملحم
يشكل الإعلام أداة قوية لنقل الحقائق وكشف الجرائم الإنسانية، خاصة في مناطق النزاعات المسلحة. ومع ذلك، يُستهدف الصحافيون أحيانًا لإسكات أصواتهم وإخفاء الانتهاكات. في السياق الفلسطيني واللبناني، تُضاف الاعتداءات على الصحافيين إلى سجل جرائم دولة العدو التي تشمل المستشفيات، ومراكز الإيواء، ودور العبادة، والمدنيين. تجاهلت هذه الدولة القوانين الدولية التي تعتبر الصحفيين أشخاص مدنيين يجب حمايتهم، مؤكدةً وجود استراتيجية ممنهجة لاستهداف الإعلاميين ووسائل الإعلام التي توثّق جرائمها المروّعة ضد المدنيين.
في تهديد مباشر عبر منصة X، وصف المتحدث باسم جيش العدو، أفيحاي أدرعي، الإعلاميين بـ «الإرهابيين»، ما ينزع عنهم الحصانة المدنية المقرّة بموجب القوانين الدولية مثل قرار مجلس الأمن رقم 2222 ويضعهم في دائرة الاستهداف المباشر لآلة القتل «الإسرائيلية» وتصفيتهم. هذا القرار الأممي يؤكد ضرورة حماية الصحافيين ومعداتهم كممتلكات مدنية، ويعتبر أن المكاتب والأستوديوهات الإعلامية هي أصول مدنية وليست أصولا أو ممتلكات عسكرية ولا يجب أن تكون هدفا لهجمات أو أعمال انتقامية.
أمثلة على الاستهداف المباشر
استهداف فريق «الميادين» في جنوب لبنان: في 22 تشرين الثاني 2023، استُهدفت مراسلة قناة «الميادين» فرح عمر والمصور ربيع المعماري بغارتين جويتين. ووصف رئيس مجلس إدارة القناة، غسان بن جدو، الاستهداف بأنه يهدف القضاء على شهود الحقيقة. جاء بعد قرارات أصدرتها حكومة العدو تقضي بالتضييق التعسفي على قناة «الميادين» داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
استشهاد عصام العبد الله: في 13 تشرين الأول 2023، استشهد المصور الصحافي عصام العبد الله باستهداف مباشر أثناء تغطيته الأحداث في بلدة علما الشعب الحدودية. برفقة خمسة صحافيين آخرين، بينهم فريق من قناة «الجزيرة».
استهداف فريق إعلامي في يارون: من قبل جيش العدو ما أدى إلى إصابة مصور قناة «الجزيرة» عصام مواسي وتضرر عربة البث.
استهداف مجمع الصحافيين في حاصبيا: مؤخرا، فجر 25 تشرين الأول، قصف طيران العدو مجمعًا للشاليهات في حاصبيا يضم طواقم إعلامية، مما أسفر عن استشهاد مصور قناة المنار وسام قاسم، ومصور قناة الميادين غسان نجار والمهندس التقني فيها أيضا محمد رضا، وإصابة آخرين. أكد الناجون أن الموقع كان مخصصًا للصحافيين فقط. ووصفت الباحثة في العلاقات الدولية الدكتورة في الجامعة اللبنانية ليلى نقولا هذا الإستهداف «بجريمة حرب كاملة »، في دلالة واضحة على مدى استهتار العدو بكل الدساتير والقوانين الدولية التي تفتقر إلى المحاسبة . وأكد مراسل قناة المنار علي شعيّب: نحن نقوم بتغطية وتصوير ما يجري في المنطقة الحدودية وسلاحنا الكاميرا والصورة والرسالة، هذا هو السلاح الذي ربما بات يرعب العدو «الإسرائيلي»
استشهاد مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله: في 17 تشرين الثاني 2023، استُهدف مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله الحاج محمد عفيف النابلسي في غارة على مركز حزب البعث العربي الاشتراكي في بيروت. واستشهد معه مساعدوه موسى حيدر ومحمود الشرقاوي وهلال ترمس.
استهداف إعلاميين في غزة والضفة الغربية: لم تقتصر الاعتداءات على لبنان، بل بدأت في غزة حيث تعرّض عشرات الصحافيين للقتل خلال الهجمات «الإسرائيلية» على القطاع، أمثال الصحفي إسماعيل الغول وزميله المصور رامي الريفي اللذان كانا يغطيان الأحداث الجارية في غزة والصحافيين الشابين عبد الرحيم الطهراوي ومحمود الخطيب، الذين استهدفا من قبل طائرات الاحتلال الحربية أثناء مرورهما في شارع الثورة في حيّ الرمال. وكان قنّاصة جيش الاحتلال قد اغتالوا عن عمدٍ الصحفي الفلسطيني من قطاع غزة ياسر مرتجى أثناء تغطيته لاحتجاجات يوم الأرض في 6 نيسان 2018 عدا عن عديدِ عمليات القتل الأخرى بحقِّ الإعلاميين والعاملين في مجال الصحافة بصفة عامّة. وفي 10 تشرين الأول 2023 قصف العدو عن عمدٍ «برج حجي» الواقع في أحد شوارع محافظة غزة والمعروفِ بتمركز عددٍ من الصحفيين المحليين فيه ما تسبَّب في مقتل 3 صحفيين وجُرح عددٍ آخر بجروح متفاوتة الخطورة.
وتشير التقارير الحقوقية إلى أن عددًا من الإعلاميين لقوا حتفهم أثناء تأدية واجبهم المهني. في أيار عام 2022، أثار مقتل الصحافية الفلسطينية في قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة أثناء تغطيتها لأحداث جنين موجة غضب دولية. ورغم ارتدائها لسترة الصحافة التي توضح هويتها، أصيبت برصاص جيش العدو، مما أثار تساؤلات حول سياسة التعامل مع الصحافيين.
جرائم استهداف الإعلاميين شملت تدمير مكاتب إعلامية مثل «برج الجلاء»، الذي كان يضم وكالات دولية، في أيار 2021. ووفقاً لتقرير صادر عن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، تعرض الصحافيون والمؤسسات الإعلامية في غزة لانتهاكات جسيمة خلال حرب الإبادة على غزة من تشرين الأول 2023 حتى آب 2024.
الإحصائيات الأساسية:
ضحايا الصحافيين:
تشير الإحصائيات الأخيرة إلى ارتفاع عدد الصحافيين الشهداء منذ بدء الإبادة الوحشية التي يشنّها الاحتلال على قطاع غزّة، إلى 192 شهيداً، إضافةً إلى إصابة 396 صحافياً آخرين، من بينهم الصحافي فادي الوحيدي الذي يعاني من شلل نصفي نتيجة إصابته برصاصة صهيونية في الرقبة، يوم التاسع من تشرين الأوّل المنصرم.
استشهد 170 صحافيًا، بينهم 13 صحافية.
72 صحافيًا قتلوا مع عائلاتهم نتيجة قصف منازلهم.
24 صحافيًا استُهدفوا بشكل مباشر.
22 صحافيًا قُتلوا أثناء قيامهم بمهامهم الصحافية.
52 صحافيًا لقوا حتفهم خلال قصف عشوائي.
المؤسسات الإعلامية:
تدمير 86 مؤسسة ومكتب إعلامي، شملت:
محطات فضائية.
مكاتب صحف. وخدمات إعلامية.
أبراج بث تلفزيونية وإذاعية.
ومن المعروف ان مرافق الإعلام ومحطات الإذاعة والتلفزيون تعتبر حسب القانون الدولي الإنساني أعيانًا ذات طابع مدني، وتتمتع، بصفتها هذه، بحماية عامة. ويؤكد القانون منع مهاجمة الأعيان المدنية بشكل حاسم.
الاعتقالات:
اعتقال 53 صحافيًا ممن عرفت أسماؤهم، بينهم 16 صحافيًا لا يزالون قيد الاحتجاز، وبعضهم تعرض للتعذيب الشديد.
حالات الفقد:
فُقد صحافيان، ولا يزال مصيرهما مجهولًا.
حوادث بارزة:
قصف برج الجلاء (أيار 2021) الذي يضم مكاتب وكالات إعلامية دولية مثل وكالة أسوشيتد برس وقناة الجزيرة. الهجوم أثار استنكارًا دوليًا لكون البرج معروفًا بوجود مقار إعلامية، لكن دولة العدو زعمت استخدامه لأغراض عسكرية.
حالات قتل مباشرة:
علاء أبو زيد (صحافي حر): قتل مع أفراد عائلته خلال غارة على منزله.
رانيا عبد الجواد (صحافية مستقلة): استهدفت أثناء بث مباشر لتوثيق قصف مدنيين في حي الزيتون.
أبعاد وأهداف الاستهداف:
الإفلات المستمر من العقاب على الجرائم السابقة، بما في ذلك استهداف الصحافيين قبل تشرين الأول 2023، شجع الاحتلال على تكثيف جرائمه.
الاستهداف الممنهج للصحافيين رغم ارتدائهم شارات مميزة وطبيعة عملهم المعروفة يدل على نية متعمدة لإسكات الإعلام الذي يُظهر الحقائق عن المجازر التي يرتكبها العدو.
محاولة تكميم الأفواه: يهدف استهداف الصحافيين إلى القضاء على شهود العيان وإخفاء الجرائم التي ترتكبها دولة العدو ضد المدنيين. الإعلاميون يشكلون جزءًا من منظومة مقاومة القمع عبر فضح هذه الجرائم وتوثيق الحقائق ونقل واقعية الحياة إلى المجتمع الدولي.
إضعاف الرأي العام المعارض: تسعى دولة العدو إلى تحييد الإعلام الحرّ الذي أثبت دوره الفاعل في تشكيل الرأي العام العالمي وإظهار معاناة الفلسطينيين واللبنانيين وأوضاعهم الصعبة تحت الاحتلال والعدوان.
انتهاك القوانين الدولية: يمثل استهداف الصحافيين خرقًا صارخًا للقوانين الدولية التي تنص على حماية المدنيين والعاملين في المجال الإعلامي أثناء النزاعات المسلحة.
المطالبات الدولية:
إدانة واضحة: دعوة المجتمع الدولي لإدانة الجرائم بحق الصحافيين بشكل علني.
دعوة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية للتسريع باتخاذ إجراءات عملية لإنجاز التحقيق بالجرائم المرتكبة في فلسطين ولبنان، بما فيها جرائم قتل الصحفيين/ات، الذين يدفعون حياتهم ثمنًا لإظهار الحقيقية، والمضي بالخطوات اللاحقة، وخصوصًا، أن الضحايا في فلسطين طال انتظارهم للعدالة والإنصاف.
محاسبة دولة العدو: الضغط على المحكمة الجنائية الدولية للإسراع بالتحقيق في الجرائم المرتكبة بحق الصحافيين.
حماية دولية: المطالبة بتوفير حماية خاصة للصحافيين والمؤسسات الإعلامية في مناطق النزاع المسلح.
ردود الأفعال المحلية والدولية
الردود المحلية: أدانت الأحزاب القومية والوطنية وشخصيات سياسية ورجال دين عمليات القتل والجرائم التي ترتكبها دولة العدو بحق الإعلاميين والصحافيين بشكل مباشر والتي تظهر مدى انزعاجها البالغ من الدور الهام والأساسي والمركزي الذي تضطلع به وسائل الإعلام والتي استطاعت بجهودها وتضحياتها الكبيرة أن تحدث تحولاً في الرأي العام لصالح شعبنا في فلسطين. وطالبت نقابتا الصحافة اللبنانية ومحرري الصحافة اللبنانية والمجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع «مؤسسات الرأي العام العالمي بالتحرك الفاعل لوضع حد للعدوانية «الإسرائيلية» التي لا تحترم القوانين الدولية والأعراف، بل تستمر في عدوانيتها ووحشيتها ومجازرها، وعلى هذه المؤسسات مسؤولية أن تدعو إلى محاكمة كل الكيان الصهيوني على جرائمه.
رئيس لجنة الإعلام والاتصالات النيابية في البرلمان اللبناني، النائب إبراهيم الموسوي، اعتبر أن كلمات الشجب والاستنكار والإدانة «هي أضعف الإيمان، أمام هذا النهج الإجرامي المتعمد والمتمادي الذي تمارسه قوات الاحتلال الصهيوني ضد الأصوات الإعلامية الحرة من مؤسسات ووكالات وقنوات وأفراد ممن نذروا حياتهم لكشف العدوانية الصهيونية في لبنان وفلسطين». وأكد أن استهداف الصحافيين «جريمة حرب موصوفة واعتداء على كل المواثيق والقوانين الدولية والإنسانية لحماية الإعلاميين، وإننا ننتظر من كل الجهات المعنية الحقوقية والإعلامية أن ترفع القضايا القانونية وتلاحق قادة العدو المجرمين أمام المحاكم المختصة».
وأدان رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، هذه الجرائم واصفًا إياها بـ «النحر الإنساني»، وأكد على ضرورة التضحية لحماية الاستقلال الوطني. كما عبّرَ رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، عن أن هذه الجرائم تثبت همجية دولة العدو وسعيها لإسكات الأصوات الحرّة. وسأل وزير الإعلام اللبناني زياد مكاري: «ما المتوقع من «إسرائيل» التي لا تميز بين شيخ أو طفل وبين طبيب ودبلوماسي وصحافي؟
الردود الدولية: أدانت منظمات دولية مثل «مراسلون بلا حدود» واللجنة الدولية لحماية الصحافيين الاستهداف المتكرر للإعلاميين في مناطق النزاع. وأكدت الأمم المتحدة أن قتل الصحافيين يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني. ومع ذلك، فإن المحاسبة الجدّية على هذه الانتهاكات لا تزال محدودة بسبب ضعف الإرادة السياسية الدولية والفيتو المتكرر الذي يحمي دولة العدو من أي إجراءات عقابية جدّية ويقوّض أي جهود للعدالة.
خاتمة
إن عددًأ كبيراً من الإعلاميين والصحافيين لقوا حتفهم بالقتل المتعمد من قبل العدو الصهيوني أثناء تأدية واجبهم المهني وتغطيتهم الاجتياحات أو القصف الهمجي. كما استهدف العدو مرارًا وتكرارًا منشآت ومكاتب إعلامية في غزة ولبنان، واعتُقل عدد كبير من الصحافيين الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة بهدف تقييد عمل الصحافة ومنع نقل الحقائق للعالم.
إن استهداف الإعلاميين في لبنان وغزة ليس مجرد حوادث عشوائية، بل سياسة ممنهجة تهدف إلى إسكات صوت الحقيقة والأقلام المقاومة.
مع تزايد وتيرة الاعتداءات، تبرز أهمية التضامن الدولي مع الإعلاميين والعمل على محاسبة مرتكبي هذه الجرائم لضمان حرية الصحافة وحق الشعوب في الوصول إلى المعلومات ومعرفة الحقيقة بعيداً عن التعتيم والتضليل. استمرار هذه الجرائم بلا محاسبة يهدد المبادئ الأساسية لحرية التعبير ويكرّس الإفلات من العقاب، وهو ما يستدعي تحركًا عاجلًا وحاسمًا من المجتمع الدولي لحماية الإعلاميين وتحقيق العدالة
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :