من بيروت إلى طرابلس وصيدا، عاد الى الشوارع مشهد أطفال بوجوه شاحبة، يحملون علب المناديل أو الورود، يطرقون زجاج السيارات تحت حرّ الشمس أو برد الشتاء.هؤلاء هم “أطفال الشوارع”، ضحايا واقع اجتماعي واقتصادي مأزوم، يتأرجحون بين الفقر والتهميش والاستغلال، في ظاهرة تتفاقم بصمت مريب.لم تولد ظاهرة أطفال الشوارع من فراغ، بل هي نتاج تراكمات متداخلة. فمع انهيار الاقتصاد اللبناني وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وجدت آلاف الأسر نفسها عاجزة عن تأمين الحد الأدنى من العيش الكريم.الأطفال، في هذه الحالة، يصبحون اليد العاملة الأرخص والأكثر طواعية.تشير المعلومات الى ان وراء الكثير من هؤلاء الأطفال شبكات منظّمة تتاجر ببراءتهم، تستغل فقرهم وجهل ذويهم، وتجبرهم على التسوّل أو بيع البضائع الصغيرة، في مقابل أرباح يجنونها على حساب طفولتهم.وعلى الرغم من علم السلطات بهذه الممارسات، تبقى المعالجة خجولة وموسمية، وتقتصر على حملات محدودة لا تعالج جوهر المشكلة.فالقانون اللبناني، وإن كان يمنع تشغيل الأطفال واستغلالهم، إلا أنّ تطبيقه يبقى ضعيفاً، فيما تغيب برامج إعادة التأهيل والتدريب والتعليم التي يمكن أن تعيد هؤلاء الأطفال إلى مسار الحياة الطبيعية.فمعالجة الظاهرة بحسب الاخصائيين لا تكون فقط عبر ملاحقة المتسولين، بل عبر رؤية شاملة تعيد الاعتبار إلى العدالة الاجتماعية والتعليم والرعاية.اذ ينبغي على الدولة، بالتعاون مع الجمعيات والمنظمات الدولية، أن تُطلق برامج لحماية الأطفال، وتدعم الأسر الفقيرة، وتوفّر التعليم الإلزامي المجاني الفعلي، إضافةً إلى فرض تطبيق القوانين الرادعة بحق من يستغل الأطفال بأي شكل كان.كما يجب العمل على حملات توعية مجتمعية تغيّر النظرة إلى هؤلاء الصغار، فلا يُنظر إليهم كمتسوّلين مزعجين، بل كضحايا يحتاجون إلى إنقاذ.وعليه، فان ظاهرة أطفال الشوارع في لبنان تحولت ليس فقط الى مجرد مظهر من مظاهر الفقر، بل مرآة تعكس انهيار منظومة القيم والرعاية.هي قضية إنسانية بامتياز، تتطلب صحوة ضمير جماعية، لأنّ إنقاذ هؤلاء الأطفال ليس واجب الدولة فقط، بل مسؤولية مجتمع بأكمله.فحين تُستعاد الطفولة إلى مكانها الطبيعي، تُستعاد معها كرامة الإنسان، ومستقبل وطنٍ ما زال يبحث عن نفسه بين الركام.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :