حاله كحال قلة قليلة من أولئك الذين يمتهنون تقدير الموقف على النحو الذي ينبغي وعلى القدر الذي يستحق. انتقل في رحلة عكسية وغير مسبوقة من الضوء الفاتن إلى عتمة الكواليس. ليس يشبه أحدًا سواه. وأحسب أنه في سباق لا ينتهي مع كبار شيوخ الكار. من الألمعي الفذ أبو حسن سلامة، إلى الرشيق اللمّاح جوني عبدو، وبينهما وسام الحسن، ذاك الذي كان سيملأ شطرًا من الدنيا، لو قُدّر له أن يعيش.
الفارق بينهم جميعًا وبين عقاب صقر هو المسدس المزروع عند الخاصرة. صحيح أن أبو حسن سلامة احترف اقتناص الفرص وصناعة الحدث وربط التقاطعات، لكنه ظل في الحقيقة المجردة، كما في وعينا الجماعي، المرافق الأمني اللصيق بياسر عرفات، أي أن تفوقه في السياسة منوط بطول ذراعه في الأمن، وهي خلطة ليس يتقنها الا ندرة نادرة من رواد مدارس الأمن والعسكر.
جوني عبدو ومعه وسام الحسن هما أيضًا من القماشة عينها. الأول عقيد بمرتبة عماد. تنقّل من ادارة المخابرات الى ادارة القصر الجمهوري إلى حرفة صناعة الرؤساء. ثم ارتضى في خريف العمر أن يتقاعد كدبلوماسي عريق، خشية أن تجرفه عاصفة قطف الرؤوس. بحث عنه رفيق الحريري كمن يبحث عن ضالته. أراد في مبتدأ مشواره أن يشرب السياسة من منابعها، فقالوا له بالحرف: اذا كانت السياسة في لبنان مطبخًا، فجوني عبدو هو المايكرويف.
وسام الحسن رفض أن يترجل نحو مثواه الأخير قبل أن ينتزع رتبة اللواء ويزرعها فوق نعشه. حاله في ذلك حال الضباط الكبار، الذين يأبى شرفهم العسكري إلا أن يكونوا على النحو الذي صار عليه. مارس السياسة تحت الطاولات وفوقها. لكنه ظل حبيس الكواليس والصالونات المُغلقة. وقد قيل إن براعته السياسية تفوقت على حسه الأمني، وأن قدرته الاستثنائية على المزج الرهيب بينهما، ساهمت على نحو عميق في تدوين اسمه الثلاثي على لوائح القتل الأكيد.
عقاب صقر هو واحد من هؤلاء. لكنه عبقري بلا مسدس. صاخب بلا ضجيج. ممتلئ بلا رتبة عسكرية أو خلفية أمنية. قفز بسرعة البرق من نجومية الاعلام السياسي إلى مراكز صناعة القرار. ثم تدرج على نحو معاكس. من الوهج الساطع. الى بيت الوسط. الى مجلس النواب. الى ربيع دمشق. وبعدها إلى غياهب الظلام. تظنه اختفى أو تقاعد أو استراح. لكنك ما تلبث أن تقتفي اثره. كل الأشياء تدل عليه. وهو الغائب الوحيد.
سألت عارفًا عتيقًا عن سر زيارة سعد الحريري المدوية إلى بيروت في شباط الماضي، وعن أسرار زيارة وفيق صفا الزلزالية إلى أبو ظبي. فقال: فتش عن المايسترو عقاب صقر.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :