يبدو التأجيل الثالث للانتخابات البلديّة والاختياريّة المفترض إجراؤها في النصف الثاني من أيّار المقبل أسهل من سابقيه. الوضع في الجنوب والاعتداءات الإسرائيليّة المتكرّرة على مناطق مختلفة حجة جاهزة لكل الأحزاب لـ«تبرئة ذمّتها» أمام جمهورها، فيما العقبة الأهم أمام الانتخابات تكمن في الخشية من الإطاحة بعرف المناصفة في مجلس بلديّة بيروت.
للسنة الثالثة، يُعلن وزير الدّاخلية والبلديات بسام مولوي جهوزية وزارته لإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في النصف الثاني من أيّار المقبل، من دون أن يكون هناك أي أمل في إجرائها فعلاً. ورغم رصد موازنة 2024 أموالاً لإجرائها، فلا حركة انتخابية تُذكر في المدن والمناطق، وشبه غياب لمقدّمي طلبات الحصول على لوائح الشطب التي أصدرتها «الداخلية» نهاية الشهر الماضي.صحيح أن أي نقاش بين الأحزاب والقوى السياسيّة لم يُفتح بعد للبحث في مآل الاستحقاق، إلا أنّ الغالبية تدرك سلفاً أن لا انتخابات في أيّار، وأن كفّة التأجيل الثالث هي الراجحة.
قرار التأجيل سياسي رغم تعطّل العمل الإنمائي في غالبيّة البلديّات بعد الانهيار المالي، ورغم حل 120 بلديّة من أصل 1064 (إضافة إلى 8 بلديّات لم تجر فيها الانتخابات الماضية و34 بلديّة استُحدثت بعد عام 2016). فالانتخابات مصدر إزعاج «يفتّح مواجع» الخلافات العائليّة في البلدات، وهي تحتاج إلى تمويل داخلي لزوم الحملات والتجييش والنقل.
وحتى من يظهرون «حماسة» للاستحقاق، كالقوات اللبنانية والكتائب، باعتبارها فرصة لـ«الانقضاض» على «التيّار الوطني الحر» وسحب البساط من تحته في إدارة السلطات المحليّة في المناطق المسيحيّة، لن يخوضوا على الأرجح معركة إجرائها بشراسة، خصوصاً أن أحداً ليس بحاجة إلى الحفاظ على ماء الوجه الديمقراطي لتفادي الحرج، في وجود حجة جاهزة لإرجاء الاستحقاق، وهي الحرب الدائرة في الجنوب وتوسّعها إلى أكثر من منطقة، إضافة إلى رفض بعض القوى، وعلى رأسها حزب الله وحركة أمل، إجراء الانتخابات مع استثناء محافظتَي الجنوب والنبطيّة، إذ إنّ هذا الأمر يعني «عزل الجنوب»، كما يثير إشكالية لوجستية تتعلق بنحو أربعة آلاف موظف (من أصل نحو 14 ألفاً يشاركون في الاستحقاق)، يقطنون في مُحافظتي الجنوب والنبطيّة ويصعب أن يتركوا بيوتهم وعائلاتهم في هذه الظروف.
الذريعة الأمنية المكتملة الأوصاف ستخفف من حرج الكتل النيابيّة في تقديم اقتراح قانون لإرجاء الانتخابات، فضلاً عن أن بعضها يتّكئ على دراسات قانونيّة تؤكّد إمكانية استمرار المجالس البلدية والاختياريّة حتى بعد انقضاء مهلة 31 أيّار، استناداً إلى سوابق قوانين التمديد الـ18 بين عامي 1967 و1997.
وإذا كان الوضع الأمني في الجنوب هو الحجة الظاهرة، فضلاً عن بعض العوائق اللوجستية، غير أن العقبة الكبرى أمام الاستحقاق في مكان آخر تماماً: بيروت واحتمالات إطاحة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في مجلسها البلدي، إذ يؤكّد متابعون من مختلف الأحزاب أنّ إجراء الانتخابات في ظل الأجواء الحاليّة يعني حُكماً وصول مجلس بلدي ذي غالبية مسلمة (4 إلى 6 أعضاء مسيحيين من أصل 24)، «ما سيفتح جروحاً طائفيّة نحن في غنى عنها، خصوصاً أنّ تداعياتها ستتمدّد من السياسة إلى الشارع»، بحسب أحد نوّاب الأشرفيّة، الذي قال صراحةً: «أنا مع تأجيل الانتخابات ألف مرّة، ولا اللعب بالتوازن في بلديّة بيروت مرّة واحدة».
وهذا لسان حال عدد من النوّاب المسيحيين الذين يُشدّدون على أن عدم إيجاد حلّ يضمن المناصفة في بلدية العاصمة يُصعّب إجراء الانتخابات البلديّة، خصوصاً أنّ اقتراحَي القانون اللذين تقدّم بهما نائبا الأشرفية نقولا صحناوي وغسان حاصباني (أحدهما يرمي إلى تقسيم البلدية إلى بلديتين، والثاني يقترح إنشاء مجالس محلية في كل حي من أحياء مدينة بيروت الـ12) لم تتم إحالتهما إلى لجنة الدّاخلية والبلديّات النيابية رغم مرور أكثر من سنة على إيداعهما في الأمانة العامّة لمجلس النوّاب.
وعليه، فإنّ العديد من هؤلاء النوّاب لا يُمانع المُشاركة في جلسة عامّة تهدف إلى تأجيل للانتخابات البلديّة الحالية ريثما يتم إيجاد حل لمعضلة المُناصفة في العاصمة، بما في ذلك التيّار الوطني الحر الذي أكّد مسؤولوه تأييدهم لطرح استثناء محافظتَي الجنوب والنبطيّة «لأنّ من غير الجائز تأجيل الانتخابات ثلاث سنوات متتالية»، واعتبروا أن الخشية من الإطاحة بعُرف المناصفة ليست إلا «قميص عثمان»، إذ إن التفاف القوى السياسية في بيروت حول لائحة واحدة يُمكنه ضمان وصول 12 مسيحياً إلى المجلس كما يمكن الاتفاق على إيجاد صيغ أُخرى…
مع ذلك، يبدو «التيّار» واقعياً بعدما لمس قراراً سياسياً محسوماً بإرجاء الانتخابات، إذ يحسم بعض نوّابه «أنّنا سنُشارك في الجلسة الرامية إلى التأجيل في حال تمّت الدعوة إليها، تماماً كما شاركنا السنة الماضية».
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :