الكلامُ على "الحزب القومي"، في ما هو عليه واقعُه الأليمُ، اليوم، يستدعي أعلى درجات الحيطة والحرص تجنّباً لخطأ في تشخيص "العلّة" وفي توصيفها وصولاً الى اجتناب الخطأ في وصف العلاج. والّا، فما هو واقعٌ اليمٌ، اليوم، ينزلق بنا الى ما هو أشدُّ ايلاماً في غدٍ. وليس في الاَفاق، في لبنان وفي مداه الحيويّ الطبيعي، ما يشير الى انّ الغيوم السود ستكون، في القريب، أقلَّ تلبّداً بالسواد والحداد. والحزب الذي كان، ذا تاريخ، ذا تأثيرٍ في مجريات ما حوله بات، لوهنٍ في صحّته، اكثرَ تأثّراً بهذي المجريات.
من هنا، يبرز وجوبُ التصارح الفكري مُضاعفاً في تلمّس الجواب الصحيح، او الاقرب الى الصحّة، عن سؤال: ما الذي اوصل الحزب القومي الى حيث هو؟ ولماذا تتكرّر فيه، قيادةً وصفّاً، ظاهرةُ الانقسامات، ولا سيما عند المفارق الكبرى من الصراع في لبنان ومحيطه؟
قبل مقاربة الجواب عن هذا السؤال ومثله، قد يكون مفيداً ان نشير الى انّ العارفين بالحقائق والدقائق من الراصدين حركةَ الصيرورة والتحوّلات، في المنطقة، يجزمون بأنّه، لو تعرّض حزبٌ اَخر لعشر ما واجهه ولا يزال الحزب القومي لَكان اندثر من زمان وأصبح خبراً اَخر مضافاً الى جملة اخبار فعل الكون العربيّ الناقص، خبراً من الأوابد والبوائد.
هذا الحزب، دون سواه، بقي، على الرغم من غير انقسام أصابه ومن غير زلزال، ومن غير اعتلال، بقي عصيّاً على الانحلال، عصيّاً على الزوال.
والذي أصابه من اعداء الخارج ومن الخصوم ما كان أشدَّ ايذاءً له من مصابه بالخوارج من داخله، الخارجين على قيمه والثوابت. سرّ بقائه عقيدةٌ محكمةُ صلبةُ الاساس، تؤكّد صحَّتها، الاحداثُ المتواصلة، وذلك بما هي فكرةٌ وحركةٌ تتناولانِ حياةَ أمّةٍ بأسرها.
ومع ذلك، رافقته الانقسامات في غير محطّة من محطات التاريخ الممتد على تسعة عقود ونيّف. وما كان، في كل مرةّ، يعود بتسوية الى وحدته حتّى يعاود، في منعطف ما، انشقاقه وانقسامه. ما يعني انّ التسويات لا تصلح علاجا للأزمات، ولا سيما منها الأزمات البنيوية. المرّة الوحيدة التي تمّ، في اعتقادي، معالجة ازمة انحراف وانشقاق في الحزب القومي، بطريقة فيها الشفاء كانت معالجة المؤسس انطون سعاده انحرافَ نعمه تابت في بيان "الواقع اللبناني" الذي نشره تابت مخالفا للعقيدة سنة 1944. في فترة غياب سعاده القسريّة. لقد قام علاج سعاده بعد عودته 1947 على قاعدة العودة الى الجهاد وارفاقها باحياء الندوة الثقافية التي كانت حصيلتها "المحاضرات العشر". على الجادّين اليوم بالبحث عن علاج لازمة الانقسامات القائمة ان يصحوا على حقيقة انها، في عمقها البعيد، ازمة مفاهيم وخلل في استيعاب التعاليم .
قصارانا في هذه العجالة دعوة المعنيين، فعلا، بالخروج من الازمة القائمة الى الاقتداء بما فعله سعاده في معالجة ما نشأ عن بيان الواقع اللبناني والعودة بالحزب الى الجهاد تطهيراً للصفوف من ذوي النزعات الفرديّة وترسيخاً لهويّة الحزب الجهاديّة. ومن قبل ومن بعد، انّ "الحزب القومي" الذي لا يجاهد، على جبهتي الفساد الداخلي والعدو الخارجي، هو حزب بائد.
العبرة، في الاول وفي الاَخر، انّ الخراب الذي يصيب البيت الذي ينقسم على نفسه، لا يختلف عنه في الخراب حزبٌ ينقسم على نفسه ويمعن في الانقسام والخراب.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :