معاوية لبنان وحرب المئة سنة..

معاوية لبنان وحرب المئة سنة..

Whats up

Telegram

 

سأل مرة رئيس حزب الكتائب السابق كريم بقرادوني الوزير والنائب الراحل جان عبيد رأيه في رئيس مجلس النواب نبيه بري، أجابه: “معاوية لبنان”.

ويذكر الصحافي الكبير المخضرم لويس الحاج في كتابه “من مخزون الذاكرة” انه سمع مرة الرئيس بشارة الخوري يقول لموسى نمّور: “قيل لي أنك تقرأ نهج البلاغة هذه الأيام، أما أنا فإني أبحث عن مصنّف قديم أو حديث يفي معاوية بن أبي سفيان حقه ولا يكتفي بإبراز عيوبه، فالرجل كان غاية في الدهاء والمرونة والتأني وبُعد النظر وسعة الصدر”. انتهى الاقتباس من الصفحة 12 في الكتاب.

عندما تتحدث عن نبيه بري، عليك أن تعود 60 سنة الى الوراء منذ كان رئيسًا للاتحاد الوطني للطلاب الجامعيين ومنه الى الجامعة اللبنانية وبروزه الى جانب الإمام موسى الصدر الذي كلّفه التواصل مع ياسر عرفات لوقف التجاوزات الفلسطينية في الجنوب قبل الحرب وفي خضمّها منذ العام 1975 وقيام حركة المحرومين بعدها أفواج المقاومة الإسلامية – أمل – التي سطع نجمها بعد تغييب الإمام الصدر وسيطرت على الجنوب وبيروت والضاحية وصار بري رئيسها العام 1980 وما زال.

نبيه بري أسقط اتفاق 17 أيار وقاد انتفاضة 6 شباط التي كادت أن تسقط الرئيس أمين الجميل لولا الغاء اتفاق 17 أيار. يومها شكّل الجميل تحت ضغط سوريا وجنيف ولوزان “حكومة وحدة وطنية” كان بري أحد أبرز وزرائها. منذ ذلك الزمان بدأت مسيرة هذا الرجل الذي قضى على كل الزعامات الشيعية التقليدية وقاتل الفلسطينيين في حرب المخيمات العام 1985 التي أهرقت دماء آلاف الفلسطينيين والشيعة وأزاح إبراهيم قليلات ووجه – بالتكافل والتضامن مع شريكه وصديقه وليد جنبلاط – ضربة قاضية الى حركة “المرابطون” ثم عاد واشتبك مع جنبلاط في “حرب العلمين” – التي فتحت الباب أمام عودة السوري الى بيروت الغربية العام 1987 – وخاض “حرب الأخوة” ضد حزب الله من 1988 حتى 1990 في الضاحية الجنوبية والجنوب وكان قبل ذلك بـ 5 سنوات وقّع اتفاقًا ثلاثيًا مع إيلي حبيقة ووليد جنبلاط لم يعش طويلا بعدما أسقطه سمير جعجع وأمين الجميل والأميركيون في 15 كانون الثاني 1986. وكان شريكًا في صنع الطائف الذي قطف السنّة فيه صلاحيات رئيس الجمهورية وجنى الشيعة منه ثمار الدور والنفوذ والحضور بعد ضمور.

لم يكن رئيسًا لمجلس النواب عندما انتخب الياس الهراوي رئيسًا لكنه مدّد له العام 1995 عندما صار رئيسًا للمجلس النيابي العام 1992 بعدما أزاح السوريون سلفه الرئيس الراحل حسين الحسيني رفيق الامام الصدر والأمين العام لحركة أمل بعد تغييب الامام الصدر العام 1978.

بعدها، وقف أمامه 3 رؤساء للجمهورية أقسموا اليمين الدستورية تحت قبة ساحة النجمة. أميل لحود، ميشال سليمان وميشال عون.

شاغب على الرئيس لحود طويلاً وكثيرًا واحتقنت العلاقة بينهما الى درجة الانفجار مرات عدة لولا تدخل السوريين. لم يستسغ يومًا رعاية لحود للواء جميل السيد الذي كان له موقع متقدم عند السوريين ولحود وخصوصًا بعد رحيل الأسد الأب وتسلّم الأسد الابن الذي لم يكنّ ودًا ظاهرًا للرئيس بري لسبب يعود الى علاقته الوثيقة بالترويكا السورية: خدام، الشهابي وكنعان في مقابل ترويكا لبنانية قوامها الحريري، بري وجنبلاط.

هادن الرئيس ميشال سليمان الذي جاء به الى الرئاسة العام 2008 اتفاق فرنسي – قطري – مصري – سوري – سعودي بمباركة العام سام. خطا سليمان أول خطواته نحو الرئاسة بعد معركة نهر البارد العام 2007 لكنه وضع رجله على عتبة قصر بعبدا بعد 7 أيار 2008. وإذا كان الطائف قد وضع حدًا للحرب البنانية فإن اتفاق الدوحة منع تجدد هذه الحرب. رست القرعة على ميشال سليمان الذي عرف كيف يجاري بري وكيف يداري الحزب الذي رشحه نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم سلفًا قبيل انطلاق الوفود اللبنانية الى الدوحة بأيام قليلة. ومن نافل القول ما آلت اليه العلاقة لاحقًا بين الحزب وسليمان.

العام 2016 جاء وقت العماد ميشال عون للرئاسة. لم يستسغ بري يومًا ميشال عون منذ كان قائدًا للجيش حتى صار رئيسًا للجمهورية ولم يرتح الرئيس عون يومًا للرئيس بري. رأى عون دائمًا الى بري كزعيم ميليشيا وحفظ له أنه ساهم بشرذمة الجيش واقتطاعه اللواء السادس والباسه لبوسًا طائفيًا في 6 شباط 1984، يومها لم يكن ميشال عون قائدًا للجيش بل العماد إبراهيم طنوس الذي دفع ثمن خيارات الرئيس أمين الجميل الذي أمر بقصف الضاحية الجنوبية قصفًا جعل الشيعة يصطفون وراء نبيه بري في وقت كان الحزب يتحفّز ويتحضّر لاقتحام المشهد اللبناني والشيعي مستعينًا على قضاء حوائجه بالكتمان.

في جلسة انتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية في 31 ت 2016 أعلن بري وقبل أداء عون اليمين الدستورية: نعلن عن انتخاب رئيس الجمهورية. لم ينطق يومها باسم ميشال عون. كان يفضّل ويتمنى لو لم يصل. لكن القرار قد اتخذ وما كتب قد كتب.

علاقة عون – بري غنية عن الاسهاب بذكر سلبياتها الكثيرة وايجابياتها القليلة. اللبنانيون كانوا يتابعون يوميًا واسبوعيًا وشهريًا حلقات هذا المسلسل الذي قلما خلت حلقة منه من السجال والنزال والقتال على جبهات الكهرباء وقانون الانتخاب وترحيل الانتخابات النيابية من 2009 الى 2018 والتعيينات والموازنات والتمديد للعماد قهوجي وصولاً الى التمديد للعماد جوزف عون اليوم.

في السابق كان السوري يتدخل لفض النزاعات ووقف الاشتباكات بين “حلفاء الصف الواحد”. لم يكن أحد يخالف رغبات السوري التي هي بالحقيقة أوامر كما تقول عبارة فرنسية
“Vos desirs sont des ordres”. بين عون وبري كان الحزب يتدخل بين عون وحليف الحليف من دون أن يحالفه الحظ كثيرًا.

بري الذي يجيد التوسط بين المتخاصمين ويتقن إمساك العصا من وسطها ويناور ويحاور ويبحث عن حل لكل مشكلة كان يمارس مع عون هوايته المفضلة: المشاكسة والمناكفة والمشاغبة.

لم يكن عون بدوره خصمًا سهلاً وغريمًا مهادنًا. قائد جيش وزعيم مسيحي ورئيس للجمهورية في مواجهة الرجل الأول عند الشيعة وزعيم أمل ورئيس مجلس النواب. ملاكمان من الوزن ما فوق الثقيل وتصادمهما يشبه تصارع الفيلة في متجر للأواني الخزفية…

ما حصل في المجلس النيابي منذ يومين أثبت مجددًا أن الممسك بمفاصل اللعبة ومحاور الجبهة السياسية الداخلية هو نبيه بري بالتكافل والتضامن والتنسيق والتفاهم مع الحزب.

مرة جديدة يثبت بري انه “الأستاذ” في المناورة. في الإلهاء والاخفاء وتحريك الأحجار على رقعة الشطرنج ليقول لخصمه بعدها: كش ملك.

ساذج من يعتقد ان سمير جعجع ربح وجبران خسر وان حلبة القتال هي داخلية. جعجع ربح ضمن اصطفاف واسع يبدأ في أميركا ويمر في فرنسا وأوروبا ويصل الى السعودية التي زار سفيرها بكركي قبل أيام وصولاً الى لبنان والنازحين والجنوب وحرب غزة.

جبران خسر وتمّ تصويره على أنه ضد الجيش الذي ينظر الموارنة اليه منذ الاستقلال على أنه جيش الموارنة الوحيد في هذه البقعة من الشرق البائس والتاعس المنكوب بالندوب والحروب الممتدة والمتناسلة منذ ادم وحتى اليوم. حتى لو بقي مسيحي واحد في الجيش فإن المسيحيين يعتبرونه أهم من رئاسة الجمهورية وحاكمية مصرف لبنان والمدارس والمستشفيات والمصارف والمصايف. لا يهمهم الشخص يهمهم الجيش.

يعيش المسيحيون على ذكريات قائد المغاوير المغدور سمير الأشقر وانطوان بركات وسليم كلاس وفؤاد شهاب وميشال عون وقبلهم يوسف كرم وأبو سمرا غانم ويوسف الشنتيري ودماء 1860 ودموع 1975 ومعارك الكحالة والضاحية وعين الرمانة وبحمدون والحي الغربي في عاليه وشرق صيدا وجزين والدامور والعيشية والقبيات وبيت ملات والقاع وزحلة ودير عشاش ومجدليا وصنين والغرفة الفرنسية ومصاطب بسكنتا ومواكب الجنازات ونعوش الشهداء وصور فتية أبطال على الجدران والحيطان رموا بأنفسهم من شرفات فندق الهيلتون في جادة الفرنسيين كيلا يقعوا في الأسر.

ليس قائد الجيش لوحده، بالأساس هو مرشح جدي للأميركيين والقطريين ولاحقًا الفرنسيين والسعوديين لرئاسة الجمهورية. هذا التحالف الواسع لن يقبل بإخراجه من السباق واحالته على التقاعد. لا يزال الوقت مبكرًا للتقاعد المبكر.

الحزب لم يكذب. قال منذ أكثر من شهر أنه مع التمديد. ربط بين حرب غزة الطويلة – والتي ستطول أكثر – ومعها جبهة الجنوب المفتوحة على المجهول والجنون والعته الإسرائيلي. جبهة من أمامه ضد إسرائيل وجبهة داخلية من ورائه قد تصبح أصعب من الجبهة العسكرية إذا دبّ الخلاف في مفاصلها. راعى الحزب البطريرك الماروني والتحالفات التي رُكّبت على عجل لدعم موقف قائد الجيش الذي لم يعد يربطه بالرئيس عون سوى اسم العائلة. وأبعد من الجبهة الداخلية هو الضغوطات الخارجية التي لا قبل للحزب بتحملها ومواجهتها في الوقت الحاضر ريثما تنقشع الغيمة السوداء فوق غزة. في التمديد لقائد الجيش لم يأخذ الحزب باعتراضات باسيل وكان واضحًا انه بدأ يضيق ذرعًا به.

بري كالعادة، يبحث عن الممكن في مأزق المستحيلات ويطرح نفسه حلالاً للمشاكل ومنقذًا من الشدائد. فَكّرَ ورَبِح. أخرَجَ فأحَرّجَ. كسب جولة جديدة في حرب المئة سنة بينه وبين جبران باسيل الذي لم يُقَدّر حراجة موقف الحزب فأنفرد واستُفرِد.

لم يكن همّ الحزب وبري مراعاة الجو المسيحي. رمى الحزب من خلال بري الى مداراة الجو الغربي والعربي. الحزب للحرب وبري للديبلوماسية. تمّ التعامل مع مسألة التمديد كامتداد لما يحصل في المحيط وليس خشية أو خيفة من أي جو داخلي. شمول تأجيل التسريح قادة أمنيين غير عون أراح ميقاتي سنيًا وأظهر أن المساواة شملت الجميع وليس قائد الجيش لوحده. التقى بري وجعجع على جبران باسيل من مبدأ عدو عدوي صديقي.
جعجع هو عدو باسيل يعني صديق بري. وبري هو عدو باسيل يعني صديق جعجع. لم ينتبه باسيل الى أن القنبلة آتية باتجاهه رغم انه سمع صفيرها… المشكلة لم تعد بينه وبين بري أو جعجع. هذا حاصل. لا أحد يعرف ماذا سيفعل مع الحزب الذي لم يعد يعبأ كثيرًا بباسيل. الحزب يعتبر ان باسيل يتصرف من منطلقات داخلية في حين ان الحزب يقيس خطواته انسجاما مع الاعتبارات الخارجية.

اليوم لم يعد هناك فقط محور الممانعة، بعد نهار الجمعة صار هناك محور اسمه محور بري. ومن يدري، فقد يصطف وراء أبو مصطفى من يظن نفسه ربح معركة في حين ان المطلوب هو ان يربح الحزب الحرب أو على الأقل لا يخسرها.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

Whats up

Telegram