بعد اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مستشفى الشفاء، يكون أحد فصول الهجوم البرّي على قطاع غزة قد طوي مبدئياً، من دون أن تحقّق قيادة الكيان ما كانت تصبو اليه من هذا الاقتحام.. فماذا بعده وأي انعكاس له على مسار المعركة البرّية ومفاوضات التهدئة؟
من المعروف انّ العدو الاسرائيلي حاول إعطاء قيمة عسكرية لمستشفى الشفاء بغية تبرير مهاجمتها والتقاط صورة النصر المزعوم داخلها، فراح يروّج لمقولة انّ «حماس» تستخدمها مقراً اساسياً لها، وانّ هناك غرفة عمليات لمحمد الضيف تحتها، وصولاً الى تعويله على إيجاد عدد من المحتجزين الاسرائيليين في دهاليزها، للظهور بمظهر البطل المنقذ، والتخفيف من التشوهات التي لحقت بصورة الجيش والقيادة السياسية عقب ضربة «طوفان الأقصى».
لكن جبل الفرضيات الإسرائيلية تمخّض فولّد فأراً، بعدما خرجت قوات الاحتلال من المستشفى خالية الوفاض، الاّ من بعض «الغنائم» الهزيلة التي لم تكن كافية لاستعادة ماء الوجه ورفع علامة النصر.
وبهذا المعنى، بدا الاسرائيليون وكأنّهم كذّبوا الكذبة ثم صدّقوها واقنعوا الاميركيين بها لتغطية معركة السيطرة على المستشفيات (الشفاء، الرنتيسي، القدس والاندونيسي) والتي تحوّلت إلى بدل عن ضائع في بنك الأهداف الاسرائيلي، وسط عجز جيش الاحتلال حتى الآن عن تحقيق إنجاز عسكري حقيقي في مواجهة «كتائب القسام» وباقي الفصائل الفلسطينية.
ولكن كيف أصبحت موازين القوى على الأرض عقب احتلال العدو مستشفى الشفاء الذي بات يكتسب رمزية خاصة في المعركة؟
يؤكّد مصدر قيادي في حركة «حماس» لـ«الجمهورية»، انّ هذا الأمر لا يحمل اي دلالات عسكرية، وبالتالي لا يشكّل بتاتاً نكسة للمقاومة التي لم تخض اصلاً اي قتال فعلي في محيط المستشفيات حرصاً عليها ومراعاة لخصوصيتها.
ويلفت المصدر الى انّ «مستشفى الشفاء يقع على بعد نحو كيلومتر واحد من البحر والخط الساحلي الذي يمثل في الأساس «خاصرة رخوة» استخدمها العدو للتوغّل عبرها في بعض الأماكن، مستفيداً من انّ بوارجه المنتشرة في البحر تحمي ظهره في هذا المحور».
ويؤكّد المصدر انّ «كتائب القسام» وقوى المقاومة الفلسطينية الأخرى لا تزال صامدة في شمال القطاع، وليس صحيحاً انّها فقدت السيطرة عليه، معتبراً انّ ما حصل لا يعدو كونه توغلاً موضعياً في جانب من الأراضي الزراعية والشوارع الواسعة، «علماً انّ جنود الاحتلال لا يتجرأون على مغادرة آلياتهم ضمن المساحات التي تقدّموا اليها خشية من استهدافهم».
ويوضح المصدر انّ الخطة الدفاعية التي وُضعت قبل عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الاول، لا تزال سارية المفعول وتُطبّق بحذافيرها، مشيراً الى انّها لحظت احتمال تقطّع أوصال القطاع وففدان الاتصال بين محافظاته، «وذلك عبر منح كل منطقة اكتفاءً ذاتياً من القدرات العسكرية واللوجستية التي تسمح لها بالدفاع عن نفسها لأشهر عدة».
ويلفت المصدر القيادي الى انّ بنيامين نتنياهو كان يعوّل على ان يلتقط انفاسه عقب دخول قواته الى مستشفى الشفاء، متوهماً انّه سيوجّه ضربة قوية الى «حماس» وسيحرّر بعض الأسرى الاسرائيليين، «لكن الإخفاق الكبير الذي أُصيب به سيدفعه مجدداً الى الاعتماد حصراً على خيار التفاوض لاستعادة عدد من المحتجزين واحتواء الضغط الذي يتعرّض له داخل الكيان».
ويكشف المصدر انّ «حماس» كانت قد عرضت هدنةً إنسانية لخمسة ايام يتخلّلها اطلاق 50 من المدنيين المحتجزين لديها مقابل الإفراج عن النساء والأطفال الفلسطينيين في سجون الاحتلال، إضافة إلى فتح معبر رفح أمام نقل الوقود والمساعدات الى مجمل قطاع غزة، وعدم حصرها بجزء منه. موضحاً انّ «العدو رفض هذا العرض وطرح في المقابل هدنة تمتد لـ 24 ساعة فقط، الأمر الذي عارضناه كلياً، فما كان من الطرف الأميركي الّا ان اقترح هدنة لثلاثة أيام متواصلة، غير انّ الاحتلال رفض ذلك أيضاً، طارحاً ان تكون الهدنة لمدة 4 ساعات يومياً على امتداد ثلاثة أيام، وهذا ما لا يمكن ان نقبل به».
ويعتبر المصدر انّ نتنياهو عالق بين فكّي مأزق كبير، «فهو اذا وافق على هدنة طويلة الأمد يخشى من ان تشكّل فرصةً لمعارضيه داخل الكيان كي يزيدوا الهجوم ضدّه لإزاحته ومحاسبته، واذا استمر في الحرب طويلاً سترتفع فاتورة خسائر جيشه وسيتفاقم الضغط الدولي عليه لوقف العدوان».
ويشير المصدر الى انّ سارة، زوجة نتنياهو، تؤثر في قراراته وتورطه في مواقف لا يلبث ان يضطر الى التراجع عنها، كما حصل حين اتهم الاجهزة الأمنية والاستخباربة بتحمّل المسؤولية عن هجوم 7 تشرين الاول، قبل أن يسحب لاحقاً هذا الاتهام.
ويبدي المصدر ثقته في انّ نتنياهو انتهى، وانّ اقصى ما يمكنه فعله هو تأجيل نهايته تلك قليلاً.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :