ليس من المبالغة القول انّ مشاهد تدمير واحتراق دبابات الميركافا على محاور القتال في جحر الديك، وبيت لاهيا، وبيت حانون والشاطئ، في شمال قطاع غزة، أذهلت العالم لما تميّزت به من بطولة وشجاعة وجرأة وإعجاز ومهارة ظهر عليها رجال المقاومة في فيلم حقيقي وليس من وحي الخيال كأفلام هوليوود، فيلم يحكي بأمّ العين قصة شعب ومقاومة يسطرون أروع ملاحم البطولة والفداء قلّ نظيرها في تاريخ الحروب ضدّ جبروت قوى الاحتلال والاستعمار والتهم الحربية المدمّرة والمتطورة والتي تحوز على أحدث تقنيات التدمير والقتل، مما أعاد إلى الواجهة صور البطولة والشجاعة التي سطرها رجال المقاومة في لبنان خلال حرب تموز عام 2006 عندما شاهد العالم كيف كان يجري تدمير وحرق دبابات الميركافا الصهيونية في سهل الخيام ووادي الحجير إلخ… وحالة الإحباط واليأس التي سادت أوساط النخبة في جيش الاحتلال عندما واجهوا مباشرة رجال المقاومة في بنت جبيل ومارون الراس لقنوهم دروساً في الإقدام والجرأة والقدرة على خوض القتال…
على انّ مشاهد المقاومين في غزة يحرقون جرافة العدو الضخمة بقداحة سجائر، ويضعون عبوة ناسفة على سطح دبابة وتفجيرها، وإطلاق الصواريخ المضادة للدبابات والمدرّعات من مسافة صفر، جعلت العالم كله ينبهر من مشاهدة هذا النمط الجديد من تكيتيكات حرب الشعب وإبداعاتها في معركة حقيقية وليست من نسج الخيال والأحلام، مشاهد أكدت الفارق الشاسع بين إرادة المقاومين وتصميمهم على تلقين جنود العدو دورساً قاسية في القتال وتدفيعهم ثمن احتلالهم وعدوانهم وإرهابهم ومجازرهم ضدّ الأطفال والنساء والشيوخ… مشاهد كشفت جبن وخوف الجنود الصهاينة، وعجز جيشهم المدجّج بإحداث أنواع الأسلحة، في تحقيق النصر على مقاومين صنعوا أسلحتهم بأيديهم لكنها فعّالة في تدمير أسطورة هذا الجيش الذي صوّر على أنه قوة لا تقهر…
في حين أنّ جيش الاحتلال لم يجرؤ حتى الآن، بعد 37 يوماً على عدوانه على غزة، ونحو أسبوعين من بدء هجومه البري، على الزجّ بجنوده من قوات النخبة في قتال حرب الشوارع أو القتال المباشر مع رجال المقاومة وجهاً لوجه، كما فعل في بنت جبيل ومارون الراس، وذلك خوفاً من مواجهة بأس المقاومين وتكرار مشاهد هزيمتهم وانهيار معنوياتهم لعدم قدرتهم بالتفوق على المقاومين الذين يملكون روح الاستشهاد ومعنويات عالية، وبالتالي الخوف من مواجهة الموت… لا سيما بعد أن بلغت أرقام القتلى والجرحى في صفوفهم بفعل تدمير نحو 160 دبابة ومدرعة وجرافة، أعداداً غير مسبوقة يتكتم عليها جيش الاحتلال تجنباً لتداعياتها السلبية على معنويات جنوده ومجتمعه…
من هنا نجد جيش الاحتلال يصعّد من اعتداءاته ضدّ المدنيين والمستشفيات، ويرتكب المزيد من المجازر لزيادة معاناة الشعب الفلسطيني ومحاولة التأثير على صمود المقاومين والنيل من عزيمتهم على مواصلة القتال، وبالتالي دفعهم إلى التسليم بشروطه لإطلاق الأسرى من الجنود والمستوطنين الصهاينة من دون إجراء صفقة لتبادل الأسرى تحقق مطالب المقاومة في تبييض السجوى الإسرائيلية من آلاف الأسرى الفلسطينيين…
غير أنّ هذا الهدف الذي يسعى اليه رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو يبدو أنه بعيد المنال، لأنّ الشعب الفلسطيني عبّر عن صمود اسطوري، ولم يظهر ايّ علامة يأس أو إحباط أو تخلٍّ عن مقاومته وثباته في أرضه ورفض الرحيل عنها رغم هول المجازر النازية بحقه.. فيما المقاومة تبرهن على صلابة في الميدان وإصراراً منقطع النظير على منع العدو من تحقيق أيّ هدف من أهدافه، والحيلولة دون تمكنه من الحصول على صورة نصر تعيد الاعتبار لجيشه المحطم، وبالتالي إلحاق هزيمة جديدة به تكمل هزيمته في 7 تشرين الأول الماضي.. والدليل على اتجاه المعركة في هذا المسار فشل جيش الاحتلال في إنجاز أيّ تقدّم حقيقي في الميدان، واعتراف الصحف الإسرائيلية بأنه لم يتمكن من كسر المقاومة وإضعاف قدراتها على مواصلة القتال…
لذلك فإنّ كلام نتنياهو، من أنه لم يتوقع ان تطول العملية العسكرية، هدفه إقناع الإدارة الأميركية، التي أبلغته بأنّ هامش الوقت بدأ يضيق، بإعطائه المزيد من الوقت لتحقيق هدف تحرير بعض الأسرى، والتقاط صورة معهم، والظهور بصورة الذي حقق نصراً، لكنه يكشف في الوقت نفسه اعترافه بأنّ جيشه فشل حتى الآن في تحقيق أيّ تقدّم نحو الأهداف التي أعلنها.. وهو ما عانى وفشل في تحقيقه جيش الاحتلال في حرب 2006 وأجبر بعد 33 يوماً على الإقرار بالفشل والانسحاب وتجرّع مرارة الهزيمة…
نسخ الرابط :