"خريطة طريق" الحرب.. تستبق "توقيت" نصر الله!

 

Telegram

 


| علاء حسن |
يقول أحد الباحثين إن “نظرية المؤامرة” ما هي إلا مجموعة نظريات صحيحة تكشف زيف الليبرالية الغربية وتوحشها، ولما كانت تفعل ذلك. دفع هؤلاء بالصروح الأكاديمية العالمية لاعتبارها نظرية سلبية تضع المعتقد بها في دائرة الشك والريبة الدائمين من دون الاعتماد على أسس علمية في التحليل.

فإذا كان ما قاله هذا الباحث صحيحاً، لنقم بجولة على جملة من الأحداث والمواقف التي حصلت في الآونة الآخيرة، بل وفي السنوات الماضية، لنصل إلى نتائج، ونرى في نهاية المطاف مدى تطابق هذه النتائج مع ما يحدث اليوم في منطقتنا، وخصوصاً في فلسطين المحتلة.

المشهد الأول ـ صراع الغاز
اتفق الجمهوريون والديموقراطيون في الولايات المتحدة على ضرورة إيجاد بديل عن خطوط “نورد ستريم” الروسية، ومنعها من التحكم بخطوط الطاقة الأنظف (قياساً بالبترول) والأوفر عالمياً، خصوصاً تلك المارة عبر روسيا بأوكرانيا ومنها إلى القارة العجوز، والخط الأخر البديل الذي يمر عبر تركيا ومنها إلى جنوب أوروبا، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى مساندة الثورة الأوكرانية عام 2014، وبعدها الالتفاف على التواجد الروسي في سوريا. لكنها أخطأت بدعم الانقلاب في تركيا عام 2016، الأمر الذي دفع أردوغان والروس معاً إلى الرد على الأميركيين من خلال مؤتمر الطاقة والذي عرف فيما بعد بمشروع “تاناب”، فكان الرد الأميركي عبر مشروع “شرق المتوسط للطاقة” وللحديث صلة…

المشهد الثاني ـ طريق الحرير
مع بداية الألفية الثالثة، بدأت الصين باسترجاع أحلامها بإعادة أمجاد حضارتها القديمة، وقد بدأت بتعزيز قدراتها الاقتصادية لعلمها أنه الطريق الوحيد القادر على كسر الآحادية الأميركية، وقد وضعت لنفسها آنذاك 25 سنة، وهي المدة التي تبنّتها الولايات المتحدة في وثيقة مصالح الأمن القوي التي حددتها في ذلك الوقت بنفس المدة الزمنية. ولم تبدأ الصين بتحقيق التوسع حتى سعت أميركا لقطع الطريق أمامها من خلال احتلال افغانستان وسد “طريق الحرير”. لكن ما إن بدأت تتقلص القوة الأميركية في المنطقة بعد العام 2011، أي خروج قواتها من العراق، حتى عاود المشرقيون تفعيل طريق الحرير الذي يوصل أقصى الشرق بالغرب، وكان لدول مثل إيران وسوريا طموح مهم في هذا السياق، لكون المرور بهما سيحولهما إلى دول ذات تأثير اقليمي، خصوصاً في شقي الاقتصاد والأمن.

المشهد الثالث ـ أمن الطاقة:
نظراً لتمركز الطاقة في منطقة الشرق الأوسط والقسم الشرقي من شمال أفريقيا خصوصاً، ونظراً لمرور الطاقة عبر مضيقي هرمز وباب المندب ومن ثم قناة السويس لتصل إلى الغرب، سعت الولايات المتحدة إلى إيجاد بدائل عن هذا الطريق الذي تحكمه أمنياً ايران والآن “أنصار الله” في اليمن، وجزء منه مصر. وعليه، كان العمل على خلق طريق يصل عبر السعودية مباشرة إلى المحيط الهندي أو البحر الأحمر وذلك عبر المرور بدولة اليمن أو بشكل مباشر. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، ما تحدث عنه نتنياهو في خطابه في الجمعية العمومية للأمم المتحدة قبل أقل من شهرين حيث رسم خطاً بديلاً يمر بالكيان الصهيوني، في حركة لافتة وخريطة لا تحمل أي وجود للفلسطينيين فضلا عن الدولة الفلسطينية.

المشهد الأخير ـ الصراع:
تمتلك روسيا أكبر مخزون للغاز في العالم، وتليها إيران، وبالتالي إذا ما تم استبعاد هاتين الدولتين عن خريطة الغاز العالمية من خلال محاصرة روسيا وفرض العقوبات على إيران، تكون البدائل الأساسية المعتمدة هي قطر والولايات المتحدة الأميركية التي تمتلك خامس أكبر احتياطي للغاز في العالم. ومن أجل إرضاء السعودية، كان على الولايات المتحدة أن تحد من انطلاقة قطر وإرضائها بشكل آخر عبر الأدوار التي توكل إليها.

إذاً على أميركا البحث عن بديل كي لا تستنفد مخزونها الاحتياطي. وهنا، كان البديل الذي تضرب به عصفورين بحجر واحد هو استكشافات شرق المتوسط، حيث تعيد سيطرتها على المنطقة من جديد من بوابة البحر الأبيض المتوسط، وتضرب طريق الحرير في نفس الوقت.

بدأت خيوط الحبكة تتكشف شيئاً فشيئاً. من أجل تنفيذ هذه الخطة كان يجب ضرب سوريا، واحتواء تركيا، وخنق إيران، وخلق أزمة كبيرة لروسية من البوابة الأوكرانية، تدمير لبنان والعراق عبر احتجاجات تشرين، ومن ثم تفجير مرفأ بيروت. ولم يبقَ في كل هذا السيناريو سوى إرساء قواعد الاستقرار في الكيان الصهيوني، ليصبح عراب حركة نقل الطاقة والاتصالات من وإلى المنطقة.

يعلم الأميركيون أن القضية الفلسطينية لا تنتهي سوى عبر ترسيخ قواعد التطبيع في المنطقة، وقد خطوا خطوات كبيرة في هذا السياق، ولم يبق لديهم سوى عقبة المملكة العربية السعودية حتى يتم “إعلان الحداد” على القضية الفلسطينية في المنطقة العربية والإسلامية. ولما وصلوا إلى مراحل متقدمة في هذا الطرح (التطبيع العلني بين السعودية والكيان الصهيوني)، تجرأ نتنياهو وتحدث عن “شرق أوسط جديد”، حيث أن المشاريع الجانبية التي ضمت مصر والأردن والعراق في فترة حكومة مصطفى الكاظمي، بالإضافة إلى التوترات في منطقة القوقاز، كلها مهدت الطريق لإعلان الشرق الأوسط الجديد بنسخته لعام 2023، ولم يكن ينقص الخطة سوى تهجير الفلسطينين من غزة إلى مصر، ومن الضفة إلى الأردن، حتى تكتمل فصول الرواية.

لكن يأتي يوم السابع من تشرين الأول ليس ليعيد خلط الأوراق فحسب، بل ليؤسس لشرق أوسط جديد أيضاً، لكن بنسخة مذيلة بتوقيع المقاومة.

وبصرف النظر عما إذا كان المخططون للعملية على علم بهذا السيناريو وقصدوا قطع الطريق عليه، أم أن المشيئة الإلهية التي شاءت ففعلت ما حصل، إلا أن سلوك الغرب المتوحش إزاء العملية يدل على وجود مخطط مسبق وعلى إصرار لتنفيذه ولو بالإبادة الجماعية.

فلو فندنا ردة الفعل الصهيونية خلال الشهر المنصرم، لوجدنا تكتلاً دولياً سريعاً وحضوراً عسكرياً كثيفاً في البحر المتوسط، وتنفيذاً للخطة على عدة مراحل:
المرحلة الأولى شملت بنك الأهداف الموجود لدى استخبارات العدو، وتلاها أو تزامن معها تدمير للبنى التحتية في قطاع غزة، ومن ثم محاولة تأليب الرأي العام الغزاوي والفلسطيني عموماً على العملية وعلى حركة “حماس” بالتحديد، ليليها الكلام عن التهجير بالتزامن مع حملة إبادة جماعية لدفع الغزاويين إلى الخروج من القطاع. والملفت في هذه المراحل أن الكيان الذي كان يتصف بضيق الصدر وعدم تحمله القتال فترات طويلة، وأيضاً الحريص على أرواح مستوطنيه، قد تجاوز هاتين النقطتين عبر حديثه عن حرب طويلة وعدم الاكتراث لأعداد القتلى لديه، أو حتى مصير أسراه لدى المقاومة الفلسطينية. ما يدل على وجود نوايا مبيتة لأهداف تتجاوز ردة الفعل أو ترميم الردع.

إلا أن المراحل المذكورة أعلاه باءت بالفشل جميعها بفعل المقاومة في غزة خصوصاً، وبعدها لبنان ومن ثم العراق واليمن، وهذا ما يفسر النفس الطويل والهادئ الذي تعاملت معه قيادة المقاومة مع الأحداث الجارية على الرغم من كم المآسي الانسانية التي تحصل في غزة. لكن كما يقال، فإن الحروب لا تدار بالعواطف.

فقد استطاعت المقاومة كسر المشروع الأميركي ـ الصهيوني في المنطقة بأقل الأضرار الممكنة، قياساً بما لو حصلت حرب شاملة، وإعادة إحياء القضية الفلسطينية التي عملوا على طمسها سنوات عديدة، بل ودق إسفين قوي في نعش مشروع التطبيع في المنطقة، الأمر الذي يعني عدم ولادة الشرق الأوسط الذي يحلمون به.

لكن هل الأجزاء المذكورة أعلاه مترابطة بالفعل كما هي واردة؟ وهل إذا كانت هي كذلك، أو لنقل قريبة من الواقع، سيقبل الغرب المتوحش بالهزيمة أم أنه سيفجر المنطقة في لحظة جنون ليس فيها حسابات ولا منطق؟ أم أنهم سيتقبلون إيقافاً مؤقتاً للصراع اكتساباً لمهلة ينقضون فيها من جديد لتحقيق أحلامهم الشيطانية؟

ثم إذا ما قبلوا هم بالهزيمة أو بالهدنة المؤقتة، هل ستقبل بها المقاومة وهي في موقع القوة؟ أم ستقلب الطاولة عليهم بتوقيتها وتعيد رسم خريطة “غرب آسيا” وفقاً لرؤيتها؟

لا شك أن بقاء المقاومين في المنطقة مرهون بتجذّرهم فيها، على الرغم من أي ثمن يمكن أن يكون مقابل هذا البقاء. لكن بقاء المستعمر رهن تحقيق مصالحه، فإذا تعذر الحصول عليها يفقد جدوى البقاء.

في جميع الأحوال، وبعد التمهيدات التي حصلت من جهات متعددة خلال الأيام الحالية منذ إعلان موعد كلمة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، فإن الإجابات على هذه الأسئلة وغيرها يبدو أنه سينتظر حتى كلمة سماحته… وإلى ذلك الحين يقف العالم على “إجر ونص”.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram