حشود في ساحات المدن الكبرى حول العالم تقف تضامنًا مع فلسطين. في غالبية دول العالم، يتضامن الناس العاديون مع الناس الواقعين الآن تحت خطر الإبادة الكاملة، بعد سلسلة المجازر المتواصلة ضدّ غزّة، رغم جهد الإعلام الغربي في تصوير "إسرائيل" وكأنها في حالة دفاع عن النفس، ورغم الجهد الهائل لماكينات الكذب والتضليل حول العالم لجعل الصهيوني يبدو كضحية. قد لا تشكّل هذه التحركّات فارقًا أو عامل ضغط ضد إسرائيل، ولكنّها حجّة على ذوي القربى، الذين ظلمهم أشدّ. ذوو القربى الذين من المعيب أن "يتضامنوا" فقط، فالمنطق والأخلاق يقولان إن الجرح إذا أصاب القلب، وفلسطين قلب الأمّة، تتألم سائر الأطراف وتلتف حول الجرح حتى يطيب، وتقاتل السكين، تكسر نصاله، تنصر قلبها وتنتصر. يقع هذا الكلام في خانة الأدبيات، والآداب. أما في الواقع، فما نصرَ غزّة إلّا ذوو الشرف، حتى باتت هذه النصرة اليوم معيار إنسانية الأفراد والمنظمات والأنظمة.
هنا عند الحدود الوهمية في الجنوب، ينصر جبل عامل فلسطين بكلّه: صوت الحرب هناك يحدّث عن قوم نصروا المستضعفين بدمهم وبأرواحهم.. بذلوا في ذلك أغلى ما لديهم، وأجمله: أقمار البقاع والجنوب خطّوا النصرة بالدم، وارتقوا على أعتاب فلسطين أحرارًا، أرواحًا لا تتسع لألقها الأجساد فتتحرّر، على طريق تحرير فلسطين، وتعدّ العدّة للعبور الموعود ناحية الأقصى المقدّس، قل ترصف حجارة الدرب كي نصل آمنين، ونصلّي هناك، بإمامة سيّد ينادي باسمه اليوم كلّ أحرار الأرض ويوقنون بصدق وعده أن تحرير فلسطين بات قريبًا، قريبًا جدًا.
دخلت قافلة مساعدات إلى غزّة المحاصرة: مساعدات مخجلة، مخزية.. ملفت فيها وجود عدد كبير من الأكفان. أجل. على قاعدة "فلتُقتلوا مطمئنين يا أهل غزّة، لديكم ما يكفي من الأكفان!"، أو "لن يُدفن أولادكم عراة، فافرحوا لقد جهزنا لكلّ منهم كفنًا". رغم الحاجة إليها، كان مشهد الأكفان الموقّعة باسم عربي "شقيق" مؤلم، يحمل ما لا يتسع الكون لحمله من الخذلان، فالمرء مهما أدرك ظلم أخيه، يظل فيه في الشدائد قطرات أمل بأن يصحو دم الشقيق، وينصره.
غزًة بحاجة الآن إلى المساعدات الإنسانية؟ طبعًا، فلا مكابرة في ذلك. الوضع يتخطى المأساوية والكارثية. غزّة الآن تحت خط الحاجة الإنسانية للغذاء وللماء وللدواء ولكل شيء حرفيًّا، كلّ شيء. ولكن، هي أحوج إلى المواد الطبية، إلى "البنج" كي لا نرى المزيد من العمليات الجراحية لمصابين لم تقتلهم الغارات والقذائف ولكنّ هدّ حيلهم مبضع الجراحة بدون بنج! بحاجة إلى عبوّات الأوكسيجين الذي انقطع من المشافي الباقية، إلى الكهرباء التي تشغّل مولّدات المشافي فلا يموت من نجا من القصف لنقص العناية الطبية. هنا، الأنظمة الحليفة لإسرائيل غير مطالبة بقتال حليفتها، بل مشغّلتها. لقد تخطينا هذا الحلم منذ زمن بعيد. ولكن من المعيب، ولو "على عيون الناس"، أن تقتصر مساعداتها "الإنسانية" على بضعة صناديق طعام وأكفان! الفكرة قاتلة.
يبذل المحور المقاوم أرواحًا وسلاحًا وإسنادًا دبلوماسيًا في كلّ مواقع القرار، ويُستشهد في الجنوب أقمارٌ، وتحترق القلوب على مدى ساحات الشرف، ويتظاهر غرباء باكون في دول العالم نصرة لغزّة.. فيما يتآمر "ذوو القربى"، ويحسبون أدّوا قسطهم للعلى بأكفان وعلب طعام تدخل بالقطارة عبر معبر رفح بحسب المزاج الإسرائيلي المتوحّش.
النّصر حتميّ، لا يتوقّف على خذلان عربيّ قاتل، ولا على تواطؤ مشهود، ولا على خيانات سيحكيها التاريخ ويلعن فاعليها أبد الدهر. وسيحكي عمّن نصر بالدم، وعمّن نصر بالسلاح، وعمّن النصر بالروح.. أبد الدهر أيضًا.. حينها، سيُقال إنّ فتية في جبل عامل، حسينيين ثوريين، سمعوا بمظلومية فلسطين ولم يرضوا به، والله.. وكان الدم دليلهم على ثقافة الحياة الأرقى، وكانوا أبناء مدرسة جدّهم الحسين(ع) الذي ما زال دويّ صوته في الزمان يتردّد: "أبالموت تهدّدني يا بن الطلقاء؟ إن القتل لنا عادة، وكرامتنا من الله الشهادة".
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
نسخ الرابط :