خفت صوت انتخابات الرئاسة، وانكفأت المبادرات وزيارات موفدي اللجنة الخماسية مرحلياً، وتسيّد ملفّ النازحين السوريين حيّز الاهتمام بأبعاده الخطرة، والأسوأ فتح باب المواجهة مع المؤسّسات التي تُعنى بشؤونهم والتصادم المحتمل بين لبنان ودول أوروبا التي تدعم وجودهم في لبنان خشية أن تصبح أراضيها مقرّاً لإقامتهم. تقرير البرلمان الأوروبي الذي أوصى بإبقاء النازحين السوريين في لبنان مرّ مروراً عابراً، وكذلك موقف الدول الخارجية الداعمة والعاملة على خط بقائهم في لبنان. يحصل كلّ هذا في ظلّ غياب موقف لبناني موحّد ورافض للتعامل الدولي مع قضيّة النازحين. والواضح أنّ لبنان الرسمي دخل في تناقض بين حاجته إلى المجتمع الدولي لمؤازرته في أزمته وبين مواجهة خطر النازحين على أراضيه.
في غضون أيام قليلة، يتحضّر رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل للقيام بجولة أوروبية تشمل ستراسبورغ وبلجيكا وفرنسا. تأتي الزيارة على هامش الدورة العامة للبرلمان الأوروبي «وسط تزايد خطر النزوح من جهة، وتقاعس الحكومة والتخبّط بين الوزراء وتفكّك القرار السياسي، والمآخذ على الجيش الذي لا يضبط الحدود كما يلزم، وأعذاره غير المفهومة عن عدم القدرة على ضبط الحدود، من جهة ثانية».
يتّهم «التيار الوطني الحر» الجيش ضمناً، كما الحكومة، بالتقاعس عن معالجة أزمة النازحين كما يلزم. وبمعزل عنهما يتحرّك رئيسه «لملء الفراغ الرسمي»، فيما تعتبر «القضية مسؤولية وطنية». ويسجّل «للقوى السياسية تطوير موقفها في اتجاه الاعتراف بالخطر الوجودي للنازحين، ولو بقي في حدود الكلام». وفي وقت قالت قوى المعارضة إنّها ستتحرّك ضد المفوضية العليا لشؤون النازحين، فـ»التيار» ليس «من دعاة الطرد للطرد، ولا ينفع أن نطرد الأمم المتحدة، بل إسماعها الصوت والتحذير، ومثل أي ضغط، من النقطة الأضعف، والنقطة الأضعف في لبنان هي البحر». ولذا «يجب أن يحذر الجميع في أوروبا والعالم من أنّ لبنان إذا ما انفجر فسيأخذ طوفان النزوح في دربه دولاً أخرى». وهذا كان مغزى تحذير وزير خارجية قبرص قبل أيام أنه في حال انهار لبنان تحت ضغط النزوح فستدفع أوروبا الثمن.
ثلاثة هموم تشغل بال «التيار الوطني» هذه الأيام، وهي بالتدرّج والتزامن: ملف النازحين السوريين أو ما يسمّيه «التيار» الخطر على الوجود، وملف انتخابات رئاسة الجمهورية أو ما يسمّيه «التيار» مشروع تكوين السلطة، وملف الانهيار المالي أو ما يسمّيه «الإصلاح المالي».
إذا كان الإصلاح المالي مجمّداً بسبب عدم وجود حكومة تعمل، وغياب رئيس جمهورية، وإذا كانت انتخابات الرئاسة موضع تجاذب محلي ودولي، فإنّ ملف النازحين بالنسبة الى «التيار» يتّخذ الأولوية من منطلق معطيات توفّرت لديه تقول «إنّنا مقبلون على فوضى سيدفع لبنان ثمنها إذا لم يتمّ التصدي لها». وتبدي مصادر «التيار» ارتياحها لخروج الملف من التجاذب السياسي ليشكّل نوعاً من قناعة وطنية بدليل دعوة الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله إلى فتح المجال البحري أمام هجرة النازحين إلى أوروبا.
يستعد رئيس «التيار» للتحرّك على المستوى الأوروبي، حيث ستكون له في ستراسبورغ التي سيزورها على رأس وفد، سلسلة محاضرات، وسيجري محادثات مع برلمانيين أوروبيين من مختلف الاتجاهات، وعلى الهامش ستعقد ندوة خاصة بموضوع النازحين عنوانها «النزوح خطر على سوريا ولبنان وعلى أوروبا كل من زاويته، حيث يهدّد بإفراغ سوريا من أهلها، ويذوّب أهل لبنان بأكثرية ثانية ويعزّز مخاوف الأوروبيين من هجرة البحر».
لقاء ستراسبورغ المرتقب تمّ التمهيد له بعدة اتّصالات، وعلى الرغم من الموقف الأوروبي الرافض عودة النازحين فالتيار «لن يتراجع وسيخوض معركته الديبلوماسية دفاعاً عمّا يعتبره قضية حق ومواجهة لخطر وجودي على لبنان». وفي مبنى الاتّحاد الأوروبي في بروكسل ستكون لباسيل مداخلة حول «مخاطر النزوح»، وسيعقد لقاءات على مستوى نيابي وحزبي، ثم ينتقل إلى فرنسا حيث تحضر كل الهموم. يقود «التيار» الذي يتحرّك بكل الاتّجاهات على مستوى المناطق بالتنسيق مع البلديات والقيادات السياسية، «معركة قاسية للتأكيد أنّ الخطر المتأتّي من النزوح سببه سياسات الغرب التي أودت بسوريا إلى ما أودت إليه». وبالتالي «لا يحمّل السوريين المسؤولية عمّا جرى في لبنان»، ولكنه «لن يقبل بأي شكل من الأشكال أن يقع السوريون ضحايا التهجير وأن يكونوا سبباً لتحويل لبنان ضحية، بحيث يقضي النزوح الجماعي على لبنان الدولة، وهي أساساً نازحة ورازحة تحت الأعباء المالية والاقتصادية والأمنية». يرفض «التيار» أي مقاربة تشتمّ منها مواجهة ضد السوريين كشعب أو تعامل عنصري، يعرف أنّ «المشكلة هي خارج سوريا، وإذا لم تتمّ المعالجة ويتمّ فك الحصار عن سوريا، فإنّ ذلك سيقود إلى شرذمة وتفكيك الدول لصالح إسرائيل».
…ويُصنّف اللبنانيين: هناك من يفرح لفوز إسرائيل
اعتبر رئيس «التيّار الوطنيّ الحرّ» النائب جبران باسيل أنّ «ما يحدث في فلسطين، من أكبر الأحداث التي وقعت منذ 1948 وربما بداية نكبة معاكسة». وقال في كلمة له خلال جولة في بلدة بسكنتا المتنية «إنّ أهمية ما حصل أنه وقع داخل العمق الفلسطيني وأكد قدرة أطراف المقاومة ضدّ اسرائيل على استعادة الأرض المحتلة». واعتبر أن «هذا يأخذنا إلى التأكيد على أنّ منطق القوّة لا يوصلنا إلى سلام، ومع لبنان لم تستعمل إلّا القوة واحتلت الأرض واعتدت علينا، وهذا كلّه لم يتوقف إلّا حين فرضت المقاومة «معادلة قوّة» وهذا أمر واقع، فإما يستفيد منها لبنان لبناء دولة وتطوير مجتمع وازدهار الاقتصاد أو نبقى نستعملها بحروب لا تنتهي».
وأضاف: «ليس خافياً على أحد أن هناك ثلاثة أنواع من الناس في لبنان، من يؤمنون بوحدة الجبهات والساحات، وبالتالي نفتح كل الساحات ضد اسرائيل لتدميرها، كذلك هناك من هم مع حقّ الفلسطينيين باستعادة أرضهم ودولتهم ونحن منهم، ونؤيد ما يحصل ونفرح لفوز أي عربي ضدّ الإسرائيلي، أما القسم الأخير فهم من يفرحون لفوز اسرائيل ويحزنون لانتصار المقاومة»، لافتاً إلى أنه «في مقاربة الأمور ما بين وحدة الساحات وحقّ الفلسطينيين باستعادة أرضهم، هناك هدف واحد، ولكن هناك مقاربة مختلفة وأولويات مختلفة، فهناك من يريد زوال الكيان الإسرائيلي، ولكن أولوياتنا قيام الدولة اللبنانية لأنه من دونها لا وجود لنا ولا للوطن».
وختم باسيل أن «منطق القوة الذي استعملته اسرائيل منذ 1948 علينا بدأ يُستعمل ضدّها، وهذا هو التحوّل الكبير الذي سنعيشه بالمنطقة، ويجب أن نرى كيف يمكن التعاطي معه في لبنان بموقف موحّد يحمي بلدنا ويحفظه ليبقى نصيراً لقضايا الحقّ».
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :