ما فاق الخيال عند الصديق كما عند العدو، تحوّل إلى واقع جديد في مسار الصراع العربي – الإسرائيلي. وصار النقاش يتجاوز الهزيمة التي لم تستوعبها إسرائيل بعد، إذ إن قادة كيان الاحتلال يسعون إلى حشد تغطية دولية واسعة، لجريمة كبرى يعدّون لها في قطاع غزة وأماكن أخرى من فلسطين، ليس بهدف الانتقام فقط، بل لمحو الآثار العملياتية والنفسية والسياسية لعمليات «طوفان الأقصى». ومشكلة إسرائيل تكمن في أن خيار العمليات الواسعة لم يعد بيدها فقط، وهذا ما أظهرته الاتصالات الجارية بينها وبين واشنطن من جهة، وما يجري التشاور بشأنه بين قيادات قوى محور المقاومة من جهة أخرى.
حتى مساء أمس، كانت قيادة فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، ترفض أي حديث عن مجريات ما يجري مع الأطراف التي تقوم عادة بدور الوسيط. والعبارة الوحيدة التي سمعها وسطاء اتصلوا بقيادة المقاومة الفلسطينية كانت: ليتوقّف العدوان الإسرائيلي الوحشي على القطاع، وبعدها يكون الحديث.
من جانب العدو، لا تبدو حكومة بنيامين نتنياهو قادرة على السير في تسوية سريعة. والضغط القائم ليس مصدره صورة الهزيمة التي شاهدها العالم، بل هناك ضغط كبير من قيادات جيش الاحتلال التي تشعر بالحاجة إلى إعادة الاعتبار إلى صورتها، وهي التي تنتظر مراجعة ستطيح رؤوساً كبيرة عسكرية وأمنية بعد وقت غير طويل، وكذلك ضغط من أطراف في الحكومة نفسها تعتبر أن على إسرائيل وقف كل أنواع التوسط مع قوى المقاومة وأن تعمد إلى توجيه ضربة قاسية إلى قيادات المقاومة وعناصرها والسكان أيضاً، إضافة إلى ضغط جانبي غير مباشر، مصدره حلفاء إسرائيل بين الفلسطينيين والعرب، ممن يخشون من تداعيات انهيار جيش الاحتلال على كل علاقاتهم المفتوحة مع العدو.
وتشير المعطيات إلى أن الاتصالات الجدية الوحيدة التي أجرتها حكومة العدو كانت مع الأميركيين والبريطانيين، وأن تل أبيب طلبت أن لا تتم مناقشتها في آلية الرد التي تفكّر فيها، وتحدّثت بلغة استعارت فيها عبارات قادة أميركا والغرب التي قيلت بعد أحداث 11 أيلول، لناحية أن الرد يجب أن لا يقف عند حد، وأنه لا يجوز السؤال عن الأسباب. كما طلبت إسرائيل توفير دعم عاجل لها، مالي من جهة لتعويض خسائر الاقتصاد في فترة الحرب، ودعم بنوع خاص من الذخائر والقذائف والصواريخ، وأن ترسل الولايات المتحدة دعماً لها في مجال سلاح الجو، للاستعانة به في حال توسّعت المواجهة وتعرّضت مطاراتها العسكرية لضربات تخرجها من الخدمة.
ونُقل عن مسؤولين أميركيين قولهم إن واشنطن مضطرة لأن تظهر للعالم أنها تقف إلى جانب حليفتها إسرائيل، وهي أرسلت حاملة طائرات وفتحت الباب أمام نقل المساعدات العسكرية السريعة، لتثبيت الجيش الإسرائيلي، وستوسّع نطاق التعاون الاستخباراتي مع تل أبيب. لكنّ المصادر نقلت عن المسؤولين أنفسهم أن الولايات المتحدة لن ترسل قوات إلى إسرائيل، وأنها عبّرت لقادة العدو عن خشيتها من الإقدام على عمل عسكري واسع يكون مكلفاً ومن دون نتيجة حاسمة، وأن مثل هذا الخيار قد يفتح الحرب الواسعة في كل المنطقة. ووعدت واشنطن تل أبيب ببذل كل الجهود لمنع توسّع رقعة المواجهة، فطلبت من حكومة الملك الأردني اتخاذ كل الإجراءات التي تحول دون قيام أي تحركات شعبية أو غير شعبية من شأنها تهديد الأمن الإسرائيلي، كما طلبت من الحكومة المصرية ممارسة الضغط على الجانب الفلسطيني وتشديد الإغلاق على قطاع غزة، فيما أرسلت إلى الحكومة في بيروت رسائل تؤكد فيها أن إسرائيل لا تريد خوض حرب مع لبنان، لكن على لبنان كبح جماح حزب الله ومنعه من القيام بأي عمل عسكري دعماً للفلسطينيين.
وبينما أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عبر «سي أن أن» «أننا نبذل كل ما في وسعنا لضمان عدم نشوء جبهة أخرى في الصراع بما في ذلك مع حزب الله في لبنان»، بقيت الحدود اللبنانية - الفلسطينية ومثلث الحدود اللبنانية - الفلسطينية - السورية في منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا في حال تأهب. وأفادت الإذاعة الإسرائيلية بأنه يجري حشد عشرات الآلاف من جنود الاحتياط من قطاعات الجيش الإسرائيلي كافة، ونشر دباباته على الحدود مع لبنان، تحسباً لأي طارئ، بينما أوعز وزير الجيش يؤواف غالانت بالاستعداد لإخلاء المستوطنات القريبة من الحدود الشمالية بعمق عشرة كيلومترات. وتناقل سكان الجليل الاعلى ومنطقة شمالي شرق حيفا فيديوهات تظهر ارتالا من الدبابات وناقلات الجند تتجه صوب الحدود الشمالية لفلسطين، مع انتشار عدد كبير من العسكريين.
وبحسب معلومات «الأخبار» فإن التنسيق بين قوى محور المقاومة توسّع خلال الساعات الـ 24 الماضية، وأن قوى المقاومة في فلسطين أكّدت استمرار المعارك بين قواتها وقوات الاحتلال داخل المستوطنات، وأن مقاتليها لا يزالون ينتقلون إلى المواقع المستهدفة ويعودون منها، ويواصلون عمليات الأسر. وقالت المعلومات إن النقاش بين قوى المقاومة يتركّز على قراءة الموقف وتقدير حجم الفعل الإسرائيلي المرتقب، في ضوء إعلان اسرائيل أنها في حالة حرب، وسط عمليات حشد لكل قوات الاحتياط من جهة، وتصرف الجبهة الداخلية على أساس حالة الحرب، ووقف الأعمال والتعليم وإطلاق ورشة تدعيم لمراكز الإيواء والملاجئ في أكثر من منطقة.
وفي ما يتعلق باحتمال توسّع المواجهة إلى ساحات أخرى، فإن عملية حزب الله في مزارع شبعا المحتلة أدّت وظيفتها التحذيرية، إذ تصرّف جيش الاحتلال على أنه رد عملاني رافض لأي نوع من الوساطات الغربية، وتجاهل لكل التهديدات، كما أن الاستنفار العام الذي أُعلن في صفوف المقاومة الإسلامية في لبنان، اشتمل على إجراءات ميدانية لاحظها العدو على طول الجبهة، وأحدثت إرباكاً كبيراً لدى قواته ومستوطنيه إلى حدود إطلاق النار على بعضهم ليل أمس في مستعمرة شتولا قبالة عيتا الشعب.
وبحسب المعطيات، فإن قوى محور المقاومة وضعت سقفاً معيناً لما أسمته الخط الأحمر الذي يعرفه العدو، وأنه في حال تجاوزه تحت أي ظرف، فإن الجبهات ستشتعل وربما مرة واحدة. وهو ما يفرض على قوات الاحتلال وضع خطط تتجاوز ما بدأته بشأن مواجهة قطاع غزة، خصوصاً أن برنامج الجيش المعلن لم يظهر إذا كان مطابقاً للأهداف التي أعلنها نتنياهو أول من أمس، لجهة تدمير قدرات المقاومة وقياداتها وتهجير سكان القطاع بحجة تجنيبهم الخسائر جرّاء العمليات الجنونية التي ينوي القيام بها.
ميدانياً، قالت مصادر في «حماس» لـ«الأخبار» إنها عزّزت قواتها داخل منطقة غلاف غزة وزادت من عدد نقاط الاشتباك، ونفّذت وحدات النخبة عمليات وكمائن، أوقعت المزيد من الخسائر في صفوف العدو، وأن التعليمات صدرت بالاستعداد لاستمرار تمركز قواتها داخل المنطقة والوصول إلى مناطق جديدة ربطاً بمجريات الحرب. كما أن القصف الصاروخي سيتوسّع ليشمل منشآت حيوية للعدو مثل المطارات المدنية ومحطات القطار والكهرباء.
وتحدّثت المصادر عن تقديرات لديها تقول بأن قتلى العدو بين جنود ومستوطنين قد يلامس الألف قتيل، وأن عدد الأسرى الذين باتوا بحوزة فصائل المقاومة يتجاوز إلى الآن الـ 130 أسيراً أغلبهم جنود من فرقة غزة التي سيطرت المقاومة على مقراتها وأسرت قائدها نمرود الوني، فيما أكّدت حركة الجهاد الإسلامي أن لديها أكثر من 30 أسيراً إسرائيلياً حتى اللحظة.
نسخ الرابط :