نقترب كل يوم أكثر فأكثر.. ماذا يعني اعتراف ابن سلمان بتقدم مسار التطبيع؟

نقترب كل يوم أكثر فأكثر.. ماذا يعني اعتراف ابن سلمان بتقدم مسار التطبيع؟

 

Telegram

 

نفى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أي أخبار بشأن توقف محادثات التطبيع بين المملكة و”إسرائيل” خلال الآونة الأخيرة، مؤكدًا بشكل علني أن بلاده تحقق تقدمًا ملحوظًا في هذا المسار، قائلًا: “نقترب كل يوم أكثر فأكثر من تطبيع العلاقات مع “إسرائيل””.

ابن سلمان وخلال مقابلة له مع شبكة “فوكس نيوز” الأمريكية، أجريت في جزيرة سندالة في نيوم (غرب المملكة)، وبثت مقتطفات منها أمس الأربعاء على قناة “الإخبارية” السعودية، ومن المقرر أن تعرض اليوم كاملة، كشف لأول مرة بصورة رسمية عن موقف بلاده من قضية التطبيع مع “إسرائيل”، وهي القضية التي شهدت سجالًا وجدالًا كبيرًا على منصات الإعلام والتواصل الاجتماعي خلال الفترة الأخيرة، بين مشكك ومؤكد.

تتزامن تلك التصريحات مع لقاء هو الأول من نوعه بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في نيويورك، تضمن إشادة بالغة من رئيس حكومة “إسرائيل” بقدرة الرئيس الأمريكي على إنجاز ملف التطبيع والتقارب الرسمي مع السعودية.

الإعلان الرسمي الأول
ابن سلمان بتلك التصريحات أسدل الستار على سنوات عدة من الجهود المبذولة للتقليل من حدة الانتقادات التي تتعرض لها المملكة من الشارع العربي بسبب التقارب مع دولة الاحتلال، في ظل تصعيد الأخيرة من انتهاكاتها الفاضحة بحق الشعب الفلسطيني التي زادت وتيرتها بشكل كبير منذ إبرام اتفاق أبراهام سبتمبر/أيلول 2020.

انخراط الرياض في مسار التطبيع مع تل أبيب ليس بالأمر المفاجئ، فعشرات الشواهد تؤكده شكلًا ومضمونًا، اقتصاديًا ورياضيًا وإعلاميًا، غير أن الإعلان عن ذلك بشكل رسمي وعلى لسان الحاكم الفعلي للمملكة يعني الكثير والكثير بشأن وجود الرغبة الكاملة لدى السعودية للانضمام بشكل أو بآخر إلى حظيرة الدول المطبعة، وإن كان الأمر في انتظار الإخراج الجيد وتصوير المشهد بشكل يحفظ للمملكة صورتها وهيبتها العربية والإسلامية.

وردًا على سؤال محاور المقابلة عن “وجود تقارير تفيد بأنك أوقفت المحادثات”، أجاب ابن سلمان: “هذا ليس صحيحًا.. وكل يوم تتقدم، وسنرى إلى أين ستصل”، بل زاد الأمر توكيدًا حين أشار إلى أن بلاده ستعمل مع أي حكومة أو سلطة تتولى الحكم في “إسرائيل”، في إشارة واضحة على عقد العزم على استمرار مسار التقارب والاتصال بصرف النظر عن هوية السلطة الحاكمة، الأمر الذي يميط اللثام عن الزلزال الكبير الذي ضرب المرتكزات القومية السعودية.

اللافت هنا أن تلك المقابلة والإعلان الأول رسميًا عن خطوات التطبيع مع “إسرائيل” تزامنا مع احتفالات المملكة باليوم الوطني الذي يوافق 23 من الشهر الحاليّ، في إيحاء غير معلن بأن المضي قدمًا في هذا المسار قد يكون إنجازًا يحسب لولي العهد ويستدعي الاحتفاء به ضمن قائمة الإنجازات التي يعزف على أوتارها الإعلام السعودي طيلة الأيام الماضية.

القضية الفلسطينية.. بين التمسك وذر الرماد
منذ الحديث عن خطوات التقارب مع “إسرائيل”، حتى قبل توقيع اتفاق أبراهام بين الإمارات والبحرين، قبل 3 سنوات، ومن بعدهما المغرب والسودان، كانت القضية الفلسطينية هي عمود التبرير الأول للجوء إلى تلك الخطوة المرفوضة شعبيًا، حيث حمل قادة الدول المطبعة شعار “خدمة الفلسطينيين وقضيتهم” كجسر كبير لعبور موجات الاحتقان المتدفقة.

السعودية هي الأخرى وضعت هذا الشعار كحجر عثرة أمام التطبيع بشكل رسمي مع “إسرائيل”، حيث طالبت بحلحلة القضية والوصول إلى اتفاق يحمي حقوق الفلسطينيين ويمنحهم حياة كريمة، وفي مقابلته التي ستبث اليوم كاملة، قال ولي العهد: “بالنسبة لنا القضية الفلسطينية مهمة للغاية، نحن بحاجة إلى حلها ولدينا مفاوضات جيدة مستمرة حتى الآن وسنرى إلى أين سنتوصل في هذه المفاوضات”، وتابع “نأمل أن نصل إلى حل يسهل حياة الفلسطينيين ويعيد “إسرائيل” كعنصر في الشرق الأوسط”.

السؤال هنا: إذا كانت القضية الفلسطينية هي ترمومتر التطبيع بين السعودية و”إسرائيل”، كما تزعم الرياض على لسان قادتها وسلطتها الحاكمة.. فعلى أي أساس ارتكن ابن سلمان للتأكيد على أن بلاده حققت تقدمًا ملحوظًا وتقترب كل يوم من التطبيع الكامل؟ علمًا بأن كل التقارير خلال الأعوام الثلاث الأخيرة، التي تلت اتفاق أبراهام، شهدت تزايدًا كبيرًا في الانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، فضلًا عن التوسع في سياسة الاستيطان وتشريع حزمة قوانين عنصرية تستهدف الفلسطينيين في المقام الأول.

الملاحظ هنا أنه خلال تلك السنوات وفي ظل الانتهاكات الإسرائيلية الفجة ضد الشعب الفلسطيني لم تتخذ الرياض موقفًا صارمًا ضد تل أبيب، حتى الأنباء المسربة إعلاميًا بغضب السلطات السعودية من تلك الانتهاكات ووقف المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي اعتراضًا على تلك الانتهاكات، ثبت أنها كاذبة وكانت تستهدف تجميل صورة السعودية، وهو ما أعلنه ابن سلمان بنفسه حين أكد أن المباحثات مع “إسرائيل” لم تتوقف أبدًا رغم التغول الإسرائيلي بحق الفلسطينيين.

وبالغ ابن سلمان في الاحتفاء بخطوات التقارب مع “إسرائيل” خلال مقابلة “فوكس نيوز” حين قال: “في حال نجحت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن تعقد اتفاقًا بين السعودية و”إسرائيل”، فسيكون أضخم اتفاق منذ انتهاء الحرب الباردة (1947-1991)، والاتفاقيات المرتقبة مع الولايات المتحدة مفيدة للبلدين ولأمن المنطقة والعالم”، وهو التصريح الذي يجيب منفردًا عن الكثير من التساؤلات التي ظلت مبهمة حتى بث المقابلة.

ورغم ذلك فهناك من يرى أن تمسك الرياض بأهمية القضية الفلسطينية كشرط أساسي لإنجاز التطبيع، أمر مهم ويخدم القضية برمتها، بل ويمثل ضغوطًا على دولة الاحتلال وحليفتها الولايات المتحدة لتقديم خطوات ملموسة في هذا الملف، لكن هذا يتوقف على مدى تمسكها بهذا الشرط وقدرتها على حجم ومستوى الاختراقات والمكاسب المتوقع تحققها.

نتنياهو وبايدن على طاولة واحدة
يبدو أن السعودية ستكون الأرضية المشتركة الأبرز التي يلتقي عليها بايدن ونتنياهو رغم التوتر بينهما على مدار العاميين الماضيين، حيث كانت الدافع الأقوى لأن يلتقيا لأول مرة منذ تولي بايدن منصبه في ديسمبر/كانون الأول، ففي هذا الاجتماع خاطب نتنياهو بايدن قائلًا: “تحت قيادة بايدن، يمكن التوصل إلى اتفاق غير مسبوق مع السعودية”.

بايدن الذي لطالما انتقد نتنياهو بسبب سياساته العنصرية التي تؤجج الوضع في الداخل الفلسطيني جدد خلال الاجتماع التزام بلاده تجاه دولة الاحتلال حين قال: “الالتزام الأمريكي تجاه “إسرائيل” صلب لا يلين، وآمل أن نتمكن من تسوية بعض الأمور اليوم”.

ويحاول كل من نتنياهو وبايدن تحقيق أكبر قدر ممكن من خطوات التقارب مع السعودية في أسرع وقت، وفي ظل إصرار الاحتلال على المضي قدمًا في سياساته الانتهاكية ضد الفلسطينيين، إرضاءً لضغوط اليمين المتطرف في الحكومة أو في الشارع، فإن البحث عن تقديم بدائل ومغريات أخرى للسعودية قد يسرع من وتيرة التطبيع الرسمي بعيدًا عن مطب القضية الفلسطينية.

ومن هنا كان البديل المطروح هو إقامة تحالف دفاعي على غرار التحالف بين أمريكا وحليفيها اليابان وكوريا الجنوبية، هذا التحالف يتضمن التزام واشنطن بتقديم المساعدات العسكرية العاجلة للسعودية إذا تعرضت لأي هجوم من أي كيان كان، بما يحقق الضمان الأمني للمملكة في مواجهة أي تهديدات داخلية أو خارجية.

وتشير العديد من المصادر الإعلامية، الأمريكية والإسرائيلية، إلى رغبة سعودية كبيرة في تدشين هذا التحالف الذي يساعد في ردع التهديدات الإيرانية المحتملة، رغم استئناف العلاقات الدبلوماسية مع طهران، إلا أن الخلاف الأيديولوجي بين البلدين وصراع النفوذ بينهما يبقي الصدام والمواجهة على أهبة الاستعداد وقابلًا للاشتعال في أي وقت.

يعلم الأمريكان كما الإسرائيليين أن التشبث بمسألة حلحلة القضية الفلسطينية قد يكون مناورة سعودية لإبطاء خطوة التطبيع الرسمي، وتجميل الصورة أمام الشارع العربي، وذلك لممارسة أكبر قدر من الضغوط لأجل تحقيق أعلى مستوى ممكن من المكاسب، وعليه فإن تقديم المغريات والبدائل التي تُرضي نهم السلطات السعودية ربما يكون الحل الأنجز في الوقت الحاليّ.

هدف واحد وأجندات مختلفة
التطبيع في حد ذاته ليس هدفًا مطلقًا، فالعلاقات بين السعودية و”إسرائيل” لم تتوقف وتسير بمستويات جيدة على المسارات كافة، إلا أن الإعلان عن تلك الخطوة بشكل رسمي لا شك أنه حدث يهز المنطقة بل والعالم، وهو ما يمكن توظيفه لخدمة أجندات مختلفة ومصالح خاصة.

فمن ناحية بايدن فهو يسابق الزمن من أجل التوصل إلى اتفاق شبه نهائي على التطبيع بحلول يناير/كانون الثاني المقبل، قبل أن تبدأ الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إيمانًا منه بأن هذا الإنجاز – إن تم – سيكون الحصان الرابح الذي سيراهن عليه ويضمن به أصوات ودعم الشارع الأمريكي والمؤسسات المالية اليهودية، خاصة أنه لم يحقق المأمول على المستوى الداخلي في ظل ارتفاع معدلات التضخم والضرائب بشكل كبير.

الأمر لا يختلف كثيرًا لدى نتنياهو، الذي يواجه موجة انتقادات داخلية لم يشهدها رئيس حكومة سابق، وذلك جراء التعديلات التي أجراها على قانون القضاء والفساد المتفشي بمعدلات كبيرة، التي أثارت غضب الشارع الإسرائيلي الثائر ضده للعام الثاني على التوالي، وعليه فهو يبحث عن إنجاز من نوع آخر يستعيد به شعبيته وحضوره الداخلي مرة أخرى، وبطبيعة الحال ليس هناك أفضل من التطبيع مع دولة بحجم السعودية لتحقيق هذا الهدف الذي قد يكون قشة الإنقاذ التي تحفظ نتنياهو من الغرق.

أما على المستوى السعودي، فيحاول ابن سلمان تقديم أوراق اعتماده بشكل رسمي للمجتمع الدولي من خلال التقارب مع دولة الاحتلال والانخراط بشكل كبير في منظومة العالم الجديد، حيث يؤمن أنه رغم التقارب مع المعسكر الشرقي فإن كلمة الغرب في ترسيخ سلطته وتسهيل مهمة خلافة والده على كرسي الحكم – دون منغصات – لها تأثير كبير.

غير أن المأزق الوحيد الآن أمام ولي العهد يتمثل في المزاج العربي والقلق من حدة الرفض لمثل تلك الخطوة في ظل إبقاء القضية الفلسطينية على وضعيتها الحاليّة، وعليه سيسعى جاهدًا للبحث عن مخرج من هذا المأزق، ملقيًا الكرة في ملعب الأمريكان والإسرائيليين، بما يحافظ على حضور بلاده عربيًا ومكانتها الإقليمية كونه البلد الرافض لدخول حظيرة التطبيع دون مقابل أسوة بما فعله جيرانه.

من المؤكد أنه لا توجد ضمانات كاملة لأي اتفاق أو تعهدات من الممكن أن تبرمها دولة الاحتلال برعاية الولايات المتحدة بخصوص حقوق الشعب الفلسطيني، وعليه فإن أي تفاهمات في هذا الشأن ستكون لتخدير الرأي العام العربي وتبرير خطوة التطبيع، وهو ما كشفته سنوات التقييم الثلاث الأولى لاتفاق أبراهام، حين كثفت دولة الاحتلال من انتهاكاتها بعد التوقيع، غير مكترثة بأي تفاهمات أو اتفاقيات أو تعهدات  مع المطبعين.

في الأخير فإن خطوة الإعلان السعودي رسميًا عن تقارب خطوات التطبيع مع “إسرائيل”، وأن المفاوضات مستمرة رغم الانتهاكات، وأن المملكة ستتعامل مع أي سلطة إسرائيلية مهما كانت، تمثل منعطفًا مهمًا في مسار هذا الملف، لتُنهي معه حالة الجدل بين التشكيك والتأكيد، فيما تبقى لحظة الإعلان النهائي موقوفة على مشهد الإخراج الجيد في التوقيت المناسب.

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram