كان يأمل رئيس مجلس النواب نبيه برّي في أن يدعو إلى جلسة لإنتخاب رئيس الجمهورية خلال الشهر الجاري تحمل الرقم 13 وتكون مصيرية. ولعل حراكه الذي إبتدأ مطلع الشهر صب في هذا الاتجاه فيما ينقل عن مقربين منه أنه أبدى رغبة أمام من يلتقي بهم عادة من سفراء بأنه حاضر للدعوة إلى جلسة متى كانت منتجة أو ضَمِنَ إنتاجيتها، ويبقى على دولهم المساهمة في توفير الاجواء.
ما رمى إليه برّي تحديداً من وراء الدعوة إلى الحوار ومن ثم إنعقاده على شكل طاولة مستديرة في ساحة النجمة –فضلاً عن توفير اجواء تخدم فكرة الانتخاب بحد ذاتها- أن "أبدع" في مسألة وضع الجميع عند مسؤولياتهم. فمن قَبِلَ المشاركة عليه الالتزام بمضمون ما سيخرج عن الحوار من توصيات بما فيها "ميثاق شرف" يضمن حضور الجلسات وتأمين النصاب ومن ثم قبول المشاركة في جلسات متتالية لانتخاب الرئيس بصرف النظر عن اسماء المرشحين، ما يفهم أن بري يورطهم في نيل ضمانات منهم قد يكون بعضهم محرجاً أمام الالتزام بها، وهو ما التفت إليه رئيس حزب القوات سمير جعجع الذي أعلن رفضه المشاركة متحججاً بعدم جدوى الحوار، ولحق به رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، الذي استدرك متأخراً ما يضمره بري!
أما وأن المسألة باتت صعبة الآن، بات برّي يركز جهوده على إنجاز حوار بمن حضر على قاعدة "تأمين تمثيل وازن". ويستخدم في سبيل ذلك الرغبة الخارجية في إنعقاد طاولة بين اللبنانيين. ولوحظَ أن بري يستند في مسعاه على جملة عوامل من بينها الدفع القطري صوب إنهاء الشغور الرئاسي في موعد أقصاه الشهر المقبل. ولهذه الغاية يتواجد الموفد الأمني القطري أبو فهد جاسم آل ثاني في بيروت مجرياً محادثات ضمن هذا الاطار، وهو يمهد الارضية لزيارة وزير الخارجية القطري مطلع الشهر المقبل. وفهم من أجواء المطلعين على الحراك القطري، أن الدوحة وضعت تصوراً أولياً لانهاء الشغور بالتنسيق مع الخماسي الذي يترك القطريين يحاولون. ولغاية أن تتوفر ظروف دعوة الحوار في موعد أقصاه الشهر المقبل، ترك الاحتمال قائماً لدعوة مفاجئة خلال الشهر الجاري.
تمثل عين التينة خلية نحل لا تهدأ، يُركز بري جهوده الاستعلامية بالنسبة إلى الدعوة إلى الحوار على النواب المستقلين، هؤلاء إذا جمعوا فإنهم يكونون رقماً يصعب تجاوزه، ويبدو أنه إقتنعَ بمقاطعة "القوات" ويكاد يقنع أن "التيار" ورئيسه جبران باسيل يبازرون "حوارياً"، فيما الكتائب هي الكتائب! يبقى الرهان على النواب المسيحيين المستقلين. هؤلاء يستطيعون تأمين الحضور المسيحي الوازن في أي حوار. يبقى شكل تمثيلهم. بالنسبة إلى السنة والدروز والاخرين فحضورهم تحصيل حاصل وليس من مشكلة. المعبر بالنسبة إلى بري للانتخاب لتأمين جلسة إنتخاب "محترمة" لا بد أن يمر بجلسة حوار يدعو إليها ويترأسها بنفسه. ومن الواضح انه تخلى عن نظرية "أنه طرف ولا يستطيع ترأس جلسة"، الفكرة التي سبق له أن ذكرها أمام الموفد الفرنسي جان إيف لودريان. السبب الذي أذهب عن بري هذا الثقل، أن جميع من في لبنان يمثلون اطرافاً في مسألة رئاسة الجمهورية وغيرها، فمن أين يأتي بمسؤول "غير طرف" لقيادة الجلسة؟
من الواضح أن بري قد قرأ تغييرات فرنسية في مستوى حضورها السياسي ربطاً بقضية رئاسة الجمهورية، كما أنه يلمس تطورات بالنسبة إلى الحضور القطري، ولربما يتحسس أن ثمة "تمايزاً" قطرياً – سعودياً بالنسبة إلى ملف الرئاسة، تعمل الدولتان على إخفاء معالمه قدر الامكان من خلال إشاعة أجواء إعلامية تفيد في تسويق أنهما يتقاطعان عند نفس التصور الرئاسي اللبناني. يكفي كلام أمير قطر تميم بن حمد في نيويورك لدحض هذه الرواية، كذلك يلاحظ بري إرتباكاً على مستوى الخماسي الدولي المعني في مسألة الرئاسة، هؤلاء بدل أن يؤمنوا حلاً للازمة باتوا جزءاً من التعطيل، وخلفاتهم، القديم منها والجديد تغرق الجميع في تشاؤم وتحدث خللاً سياسياً، الداخل الذي يُراقب نتائج "الخماسي" كي يبني على الشيء مقتضاه، يغرق أكثر في تناقضات لا طائل منها. الخلاصة أن الخارج قادر –مثله مثل الداخل- على تعطيل إنتخاب رئيس، دونما القدرة على فرض رئيس. هذا يعطي مزيداً من التأكيدات على أن كل ما يشاع في الاعلام من نقاشات إيجابية بين الاطراف كافة غير دقيق إنما يتسابق كل طرف لطرح تصوره عساه يؤمن خرقاً، وبالنسبة إلى الفرنسيين، يحاولون جرّ الداخل والخارج إلى فكرتهم، وأن يبقوا متسيدين الدور في لبنان، ويحاولون من خلال توسيع رقعة التناقضات أن يبقوا موجودين.
ولا بد من التذكير بشيء يوحي بطبيعة الادوار الفرنسية وخلفاتها المصلحية، فحين أعلن سابقاً عن رغبة لودريان في العودة في زيارة ثالثة إلى لبنان، حدد الموعد المبدئي في النصف الثالث من شهر أيلول الجاري. ما أوحى أن الفرنسيين لديهم جديداً. وإستباقاً لأي مفاجئة، "إخترع" الرئيس بري فكرة الدعوة إلى الحوار، كي يبقي المبادرة في يد اللبنانيين، وإستدراكاً لاي طرح قد يبادر إليه الفرنسيون لا يتناغم والمصلحة اللبنانية ولكي يبقي "الثنائي الشيعي" متقدماً بمشرحه سليمان فرنجية في رأس هرم التداول الرئاسي. سريعاً فهم لودريان مبتغى بري وان ثمة من يزاحمه، فعدل مقرباً زيارته من النصف الثالث إلى الثاني، ثم حضر عند بري داعماً فكرة الحوار وأنها تكمّل الطرح الفرنسي، فظهر أن بري يستكمل ما بدأه لودريان وإن فرنسا ما زالت صاحبة المبادرة، بقيت المفارقة ان الزيارة الفرنسية بقيت خالية من الاسماء، ما أراحَ "الثنائي" في مسعاه الحواري ونال وقتاً إضافياً ينفع في الابقاء على حظوظ مرشحه قائمة دون أن يكون ثمة منافساً متفق عليه خارجياً.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :