*خضر رسلان*
لم يكن البيان الذي نشرته كلّ من وكالة أنباء «إرنا» الإيرانية الرسمية ووكالة الأنباء السعودية (واس) والذي أشار الى أنه إثر «مباحثات تمّ توصل الجمهورية الإسلامية الايرانية والمملكة العربية السعودية إلى اتفاق يتضمّن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران». ويتمّ خلالها ترتيب تبادل السفراء وتفعيل الاتفاقات الأمنية والاقتصادية وغيرها، إلّا تأكيداً على بروز مناخ جديد يترسّخ يوماً بعد يوم ويعكس أجواء تبدّلات جوهرية يتوقع لها ان تعصف على الإقليم وتتضمّن تغييراً ملحوظاً في الأدوار التي كانت تلعبها العديد من الدول في ظلّ الصراعات الدولية المحتدمة وصعود قوة عالمية منافسة للقطب الأميركي الأوحد، وبروز الحاجة العالمية المتزايدة للطاقة.
من هذا المنطلق ربما رأت القيادة السعودية التي تعمل على تحقيق رؤيتها الاستراتيجية للعام 2030 أنّ أنجع السبل للوصول الى الأهداف المرجوة إضافة الى الاستفادة من المردودات الهائلة للطاقة، إنما يكون عبر إعادة نسج الخيوط وتبريدها مع دول الإقليم وعلى رأس هذه الدول الجمهورية الإسلامية الإيرانية وهي الدولة التي تضع باستمرار أمر إرساء العلاقات الطبيعية مع الرياض من ضمن أولوياتها الدبلوماسية فضلاً عن أنها ما فتئت منذ عقود تدعو جيرانها لا سيما السعودية الى التعاون المشترك، وأنّ دول المنطقة قادرة بنفسها على حفظ الأمن والاستقراء دون أيّ حاجة للوجود الأجنبي فيها. وفي قراءة للاتفاقية الموقعة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية يمكن الإطلالة على العديد من النقاط منها:
1 ـ المظلة الصينية
من الإشارات اللافتة التي تحمل في طيّاتها دلالات مهمة هو التغيّر في السلوك الصيني الذي لم تعتدْ عليه حيث إن سياستها كانت على الدوام تقتصر على تسجيل موقف من الأزمات عبر بيانات دون أيّ سعي أو توجه سواء الى صناعة الحلول أو أن تكون عنصراً مساعداً، لذلك كانت الرعاية الصينية للاتفاق الإيراني السعودي من المفاجآت والتي قرأها البعض، تعود الى الأهمية الحيوية للمقدرات الإيرانية والسعودية بالنسبة إلى الصين، وبخاصة أنها الشريك الاقتصادي الأول لإيران. وتربطها بالسعودية علاقات شراكة بدت واضحة في المحادثات الثنائية التي واكبت انعقاد القمة الصينية ـ العربية في الرياض. فضلاً عن أنّ أمن ممرات النفط الوافد من منطقة الخليج له أهمية قصوى لاقتصاد الصين ولمبادرة «الحزام والطريق» واستقرار الأمن في المنطقة سيترك آثاره الإيجابية على الاقتصاد الصيني.
2 ـ الصدمة «اللإسرائيلية»
في تعبير لصدمة الكيان «الإسرائيلي» من التقارب الإيراني ـ السعودي اعتبر الخبير في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي يوئيل «أنها ضربة لفكرة «إسرائيل» وجهودها في تشكيل كتلة لمحاصرة إيران في المنطقة». من المتوقع أن يكون لهذا الاتفاق تدعاياته على صعيد تطبيع العلاقات العربية ـ «الإسرائيلية»، وأيضاً من المرجح له ان يفرمل الهرولة التي سبق أن شهدها الكيان اتجاهه في السنوات الثلاث الماضية، في المحصلة فإنّ الكيان «الإسرائيلي» يُعتبر الخاسر الأكبر لأيّ تقارب عربي إيراني فضلاً عن ذلك فقد أضاء هذا الاتفاق على مشروعية السؤال الذي يطرحه البعض حول الثأثير «الإسرائيلي» ودوره الوظيفي الذي بدأ يخبو وهجه في ظلّ أولويات ورؤى تبدو مغايرة لظروف نشأة الكيان في القرن الماضي.
3 ـ تبريد أزمات المنطقة
لا شك انّ الاتفاق سيساهم في تعزيز ركائز الأمن والاستقرار في شكل عام، وإذا سارت أموره على ما يرام سيكون لذلك أثره في الحدّ من الكثير من التوترات في المنطقة، فضلاً عن أنّ ترطيب العلاقات الإيرانية السعودية من شأنه أن يرتدّ إيجاباً على كلّ أزمات الإقليم بما فيها اليمن وسورية ولبنان والعراق، ومن المرجّح أن يساهم في تسريع عربة التسويات التي ستترك آثارها على الاستقرار الأمني والواقع الاقتصادي والاجتماعي فضلاً عن المساهمة الكبيرة في تبريد الخطاب المذهبي وتداعياته السياسية والاجتماعية، وقد وصفه البعض بالأوكسجين الذي سيخرج الكثير من القضايا من غرف الإنعاش ولا شك إذا سارت الأمور كما يخطط لها ولم ينجح الأميركي في فرملتها فإنّ الإقليم والمنطقة بشكل عام من المرجح له ان يشهد انفراجات واسعة يجعل من النموذج الإيراني في التشبيك ومدّ الأيدي مثالاً يُحتذى لحلّ مشاكل المنطقة دون هيمنة أجنبية او تدخلات خارجية.
وتبقى فلسطين والقدس الشريف في انتظار التشبيك الأكبر بين دول المنطقة والشعوب الحرة لطرد الغزاة الصهاينة وإرجاعهم من حيث أتوا .
نسخ الرابط :