فسادٌ مستشري في الإدارات الرسميّة، غياب للمراقبة والمحاسبة، اقتصاد “انحداريّ”، انعدام القدرة الشرائية وحتّى المعيشيّة للمواطن… وما هذه إلّا عيّنة مصغرّة عن جهنم التي أوصلونا إليها و”الخير لقدام”.
أمّا السبب في حالتنا هذه فيصبّ في خانة الفساد، الذي يبدو أنّنا أصبحنا من روّاده للأسف في المنطقة، أو على الأقل هذا ما أظهره مؤشر مدركات الفساد لعام 2022، حيث احتل لبنان المرتبة 150 من أصل 180 بلداً بمعدّل 24/100، أيّ أن النتيجة كارثيّة وتقتضي تحرّك الجهات المعنية، إن وُجدت، وبصورة عاجلة. فإلى ماذا تُشير مرتبة لبنان وفقاً للمؤشر؟ وهل “بعد في أمل” بالإصلاح؟
كشفت جمعية الشفافية الدولية “لا فساد” عن تسجيل لبنان تراجعاً ملحوظاً بمرتبته في مؤشر مدركات الفساد لعام 2022، إذ احتل المرتبة 150 عالمياً من أصل 180 دولة يقيسها المؤشر، مقارنة بمرتبة 154 من أصل 180 دولة لعام 2021، متراجعاً 4 درجات بين الدول، كما حصل على مرتبة 24 على 100 بتراجع بلغ نقطة ونصف النقطة تقريباً عن العام السابق. وإن كان هذا المؤشر يدلّ على شيء، فحتماً يُشير إلى حالة النكران التي يعيشها الساسّة في لبنان، وسط غياب الإصلاحات والمحاسبة، التي جعلت كلّ فاسد على إدارته صيّاح.
قد لا تُثير نتيجة المؤشر اهتمام البعض، لا سيّما إذا كانوا يتعاطون في الشأن العام، وذلك ربما لأنّهم يعلمون جليّاً ماذا اقترفوا على مرّ السنوات الماضية، فلا حاجة لهم بإعتماد هذه الأرقام انطلاقاً من مقولة “يا ربّ ما تجعلني عبرة لغيري”. عملياً، كلّما زاد عدد النقاط يعني ذلك أن الفساد أقل انتشاراً في الدولة، في حين احتلّت الإمارات العربيّة وقطر الصدارة في هذا السياق. وتصدر المنظمة تقريراً سنوياً حول الفساد، وهو تقييم على مقياس من صفر إلى 100، تقوم خلاله بتصنيف الدول من الأكثر إلى الأقل فساداً، بالاستناد على بيانات تجمعها من 13 هيئة دولية منها البنك الدولي والمنتدى الاقتصادي العالمي.
مكافحة الفساد ليست خياراً
لا شكّ أن غياب الشفافيّة يُحرّض على الفساد، ولكن المفارقة على صعيد لبنان، أنّنا “ما زلنا نملك خيار التغيير والقدرة الكاملة على الإصلاح، بالرغم من كلّ العواصف السياسيّة والاقتصاديّة التي وصلت سيولها إلى مؤسّسات الدولة وأنهكتها”، بهذه الكلمات استهلّ عضو مجلس إدارة الجمعية اللبنانيّة لتعزيز الشفافيّة، الدكتور مصباح مجذوب، حديثه مع موقع mtv، مشيراً إلى أنّه “لا يوجد ما يُسمّى وطنٌ خالٍ من الفساد والدليل على ذلك تقييم الدول وفقاً للمؤشر، ولكن هذا لا يعني الجلوس ومراقبة انحدار الوضع العام دون اتخاذ خطوّات فعّالة على أرض الواقع، وهذا تحديداً ما نسعى إليه في الجمعية، بكلّ ما أوتينا من خبرات ومعرفة، لأنّنا نؤمن بأن الخطوة الأولى باتجاه الإصلاح تبدأ من نشر التوعية. لذلك، قرّرنا العمل مع شركائنا المحليين والدوليين على 3 محاور، حيث المرحلة الأولى تشمل العمل على المدى المتوسط والبعيد لتطوير قانون مكافحة الفساد، وجعل تصاريح براءة الذمّة لكلّ من يتعاطى بالشأن العام علنيّة ومتاحة دون أيّ كلفة. والمرحلة الثانية، التي بدأنا التخطيط لها فعلياً، وسنبدأ بالتنفيذ قريباً، تتضمّن إرسال طلبات حصول على المعلومات والتصريح الشفّاف لـ15نقطة مرجعية في المؤسّسات العامة مثل القضاة، رئاسة مجلس الوزراء، ومجلس العدل، الماليون، رؤساء مجالس البلديات والأعضاء… وأخيراً نصل إلى المرحلة الثالثة التي تكمن في مراجعة عمل هيئة مكافحة الفساد عندما تُصبح جاهزة من الناحية المعلوماتيّة والتقنيّة أيضاً”.
في سياق كلامه، يُشير مجذوب إلى أن “الفساد بات يُطبق كحاجة لا كثقافة، إذ أصبح المواطن اللبنانيّ، للأسف، يلجأ إلى الطرق الملتوية للحصول على أدنى حقوقه أو حتّى لتسيير أموره، وهذا ما يجعله ضحيّة دولته الغائبة عن مراقبة ومحاسبة الفاسدين لسبب أو لآخر، وكأنّ البلد بألف خير”، مؤكّداً أنّه “يمكننا مكافحة الفساد واسترجاع هيبة الدولة بخطوات بسيطة… وإيه بعد في أمل”.
الأمل “مشروط”… ماذا عن دور هيئة مكافحة الفساد؟
“دائماً هناك خيار أو فرصة”، يرى المدير التنفيذي في جمعية “لا فساد” جوليان كورسون في تصريح لموقع “mtv” أن “ملاحقة المشتبه بفسادهم في ملف العقاريّة خطوّة جيّدة، والمطلوب أن نبدأ بالعمل من أيّ مكان، لا سيّما في المؤسّسات التي تشهد احتكاكاً مباشراً مع الشعب”، لافتاً إلى أن الحلّ ليس بإلقاء القبض على بعض الجهات وحسب دون وضع تدابير وقائيّة، وهنا تبرز أهمية قانون الشراء العام الهادف إلى الحدّ من الفساد، إضافة إلى تعزيز دور استقلالية القضاء، أقلّه لنضمن بأن كلّ فاسد سيلقى المصير الذي يستحقّه، دون أن ننسى قانون الإثراء غير المشروع، الذي سيُشكّل نقلة نوعية أيضاً على هذا الصعيد”.
هذا ويُشدّد كورسون على أنّه “للفساد مكانة لا مهرب منها في كلّ دول العالم ولكن بمستويات متفاوتة، لذا يقع على عاتقنا أن نُدير توقعات المواطنين، ونشرح لهم أن إمكانيّة مكافحة الفساد ليست حلماً مستحيلاً في لبنان ولكنها مشروطة بتعاون الجهات الحكوميّة وشفافيتها، وبناءً عليه تمّ تشكيل هيئة مكافحة الفساد، لكن بسبب المماطلة لا تزال غير مفعلّة حتّى اللحظة، ويبدو أن مكننتها تطلب وقتاً إضافياً، وإلى حينها تستطيع المحاكم على أنواعها والقضاء بشكل عام تطبيق القانون ومكافحة الفساد، في حال أرادت ذلك”.
للفساد أوجه عدّة تتجلّى في أعمال مشبوهة، أشخاص أو حتّى مشاريع كبرى توقّع “تحت الطاولة” على حساب المواطن اللبنانيّ، فهل تُبطل هذه اللعنة عن قريب؟
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :