لا يزال ملف الترسيم البحري مع إسرائيل، يشكّل مادة استعراض سياسي لمن يصوّره بأنه إنجازٌ سيدرّ المليارات على لبنان لاحقاً، إلاّ أن ما تبيّن من خلال متابعة تأثير النفط على دولٍ في المنطقة تمتلك مخزوناً نفطياً هائلاً كالعراق وإيران، وكذلك في فنزويلا، يُظهر لنا أن النفط في لبنان لن يكون نعمةً، للأسباب التي جعلته نقمةً على الدول المذكورة.
أولًا العراق، الذي يصل مدخوله السنوي من النفط إلى 11 مليار دولار، بينما متوسط دخل الفرد السنوي لا يزال أقلّ من متوسط دخل المواطن اللبناني، نتيجة التأزم السياسي المستمر والتأثير الخارجي والفساد المؤسساتي.
ثانياً إيران، حيث يدرّ النفط ما يقارب الـ 48 مليار دولار سنويًا، ولكن تزامناً مع انهيار العملة الإيرانية إثر تعرّض البلاد لعقوبات دولية ثقيلة، لم يسمح النفط لها بأن تكون دولةً رائدة تنموياً واقتصادياً.
وكذلك الأمر بالنسبة الى فنزويلا، التي تمتلك أكبر احتياطات النفط في العالم، وإنما تحوّلت عملتها الى أوراقٍ لا قيمة لها نتيجة سياسة الإعتماد الكلّي على النفط كمدخولٍ قومي بنسبة 96%، تزامناً مع أزمات خارجية، أثّرت على عصب البلاد الأساسي، وأبرزها الأزمة مع أميركا التي أدت إلى تراجع صادرات فنزويلا النفطية بنسبة 40%.
إذا أردنا أن نجمع هذه العوامل ونعكسها على لبنان، نستنتج أن لعنة النفط موجودة في لبنان قبل الشروع بالتنقيب والإستخراج، وذلك لأن عوامل الإستفادة "الصحية" من النفط غائبة تماماً، ولا نملك ما توصي به التجارب الناجحة السابقة، من حثٍّ على تكوين إدارة مؤسساتية حكيمة إقتصادياً، خالية من الفساد وعالية الشفافية وبعيدة عن التأثير السياسي.
فالفساد ينخر ما تبقّى من مؤسساته، وعلاقاته الدولية ليست سويّة، وأطراف رئيسية بتركيبته السياسية، تقبع تحت حكم العقوبات الأميركية، فكيف سيكون النفط نعمة؟
في هذا الخصوص، يعلّق مدير مركز المشرق للدراسات الإستراتيجية سامي نادر قائلًا: "أي مال يدخل إلى خزينة الدولة ولا يتمّ إنفاقه بالشكل المطلوب، يكون نقمةً على البلد ككل".
وأضاف نادر، "في حديثٍ لـ "ليبانون ديبايت"، أن "أرباح الموارد الطبيعية إذا لم يسبقها إصلاح الإدارة والمؤسسات، فستكون باباً لزيادة الفساد وليس تراجعه، وستكون سبباً لتعويم النظام القائم وأطراف السلطة".
واعتبر أن "أي مالٍ سينتج عن الثروة المنتظرة، يجب أن يُرصد لتعزيز التعليم والبنى التحتية والإنتاجية وإنقاذ البيئة وتمتين شبكة الأمان الاجتماعي".
وبعيداً عن التجارب الفاشلة، ذكر نادر تجربةً ناجحة، وهي تجربة النروج، التي أنشأت صندوقاً سيادياً، بإدارة شخصيات مهنية، لا تمسّ بأصل المال، بل تبحث عن أفضل فرص استثمار للعائدات النفطية".
وتخوّف نادر، من البقاء في دوامة الفساد نفسها "كون السلطة هي من ستحدد المسؤولين عن الصندوق السيادي في لبنان في حال تمّ المشروع على هذا النحو"، وتوقّع أن تُواجه أي دعوات لرقابة دولية على القطاع بأصواتٍ منتفضة لسيادة البلد".
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :