د. عصام نعمان*
بات الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية محتوماً. مشهدُ الانهيار السياسي والاقتصادي والاجتماعي يضجّ بالأدلة والشواهد. مَن بقيَ لديه شك بدّدته الجلسة الأولى، وربما الأخيرة، لمجلس النواب في محاولته انتخاب رئيس جمهورية جديد يوم الخميس الماضي.
هل شكّل ما حدث ويحدث حافزاً لتفادي الفراغ الرئاسي قبل آخر المهلة الدستورية في 31 الشهر الحالي؟
من مجمل المعطيات والتطورات والاحتمالات ذات الصلة بالأزمة المتفاقمة أمكنني توليف المقاربة الآتية:
اولاً المعطيات
ـ لا أكثرية واضحة في مجلس النواب لأيّ حزب او كتلة أو تحالف أحزاب وكتل يمكنه انتخاب رئيس جديد قبل 2022/10/31.
ـ لا بوادر ولا مؤشرات جدّية الى إمكانية تغيير هذا الواقع البرلماني في المستقبل المنظور.
ـ دولياً، العالم منشغل بالحرب الدائرة في أوكرانيا بين دول الغرب الأطلسي من جهة وروسيا وحليفتها الضمنية الصين من جهة أخرى.
ـ الولايات المتحدة منشغلة، أولاً، بتحدي التضخم الذي ينعكس سلباً على اقتصادها وملتزمة، ثانياً، بتوفير مليارات الدولارات لحكومة أوكرانيا لتمكينها من الاستمرار في استنزاف روسيا على أراضيها وربما عبر حدودها إذا تيسّر لها ذلك.
ـ حلفاء أميركا الأوروبيون منشغلون أيضاً بتداعيات الحرب في أوكرانيا على أوضاعهم الاقتصادية المأزومة. كلّ ذلك يخفّف من فعالية تدخل الغرب الأطلسي في شؤون لبنان الداخلية.
ـ “إسرائيل” منشغلة بثلاثة أمور: أوّلها مواجهة تصاعد المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية. ثانيها مشاغل الانتخابات النيابية في أوّل الشهر المقبل. ثالثها متابعة تطورات الصراع مع حزب الله حول ثروة لبنان النفطية والغازيّة في مياهه الإقليمية المحاذية للحدود مع فلسطين المحتلة. كلّ هذه المشاغل والتحديات تخفف من فعالية تدخل “إسرائيل” في شؤون لبنان الداخلية.
ثانياً: الاحتمالات
ـ لا مؤشرات الى حدوث تغيير في اصطفافات الكتل السياسية داخل البلاد من شأنه تعديل موازين القوى السائدة حاليّاً.
ـ يُصعّد السفير السعودي في بيروت مساعيه لتحشيد النواب السنّة بغية تحقيق غرضين: مواجهة حزب الله وحلفائه، ودعم مرشحٍ لرئاسة الجمهورية لا يكون لحزب الله وحلفائه صلة به أو تأثير عليه.
ـ لا مؤشرات الى حصول توافق بين شتى القوى السياسية اللبنانية حول مقاربة مشتركة لمعالجة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة او لكيفية الاستجابة لمطالب صندوق النقد الدولي بغية الحصول على دعمه وقروضه، أو لكيفية الإنفتاح على إيران للحصول على مساعداتها النفطية وقبول عروضها لبناء معامل كهربائية جديدة.
ـ تزداد وتتوالى الاحتجاجات والإضرابات والتظاهرات لدرجة تهدّد بانفجار اجتماعي واسع تعجز معه قوى الأمن الداخلي والجيش عن لجم الاضطرابات وتداعياتها.
ـ كلّ هذه الاحتمالات الخطيرة تضع لبنان على شفير فوضى شاملة قد تفقد معها البلاد وحدتها السياسية وتضعها في فوهة المجهول.
ثالثاً: الخيار الراديكالي: التوجّه شرقاً الى إيران وقطر
ـ إذ يبدو الأفق السياسي مسدوداً، يتعيّن على القوى الوطنية الحيّة بشتى انتماءاتها ان تبحث عن مخرج آمن مما نحن فيه من بلاء.
ـ المهمة صعبة للغاية، لكن القوى الوطنية الأكثر ترجيحاً لتلبية نداء النهوض الى اجتراح سبيلٍ للإنقاذ هي عناصر جادّة وجدّية من القوى الوطنية التقدمية المستقلة بالتعاون مع قوى وعناصر جدّية منضوية في حزب الله او متحالفة معه بغية بناء تحالف أو تكاتف بين مختلف هذه القوى والعناصر ما يضفي على تضامنها وتعاونها صبغة وطنية واسعة وشعوراً محفّزاً للنهوض الى العمل.
ـ دول الغرب الأطلسي لا تمتلك من القوة والنفوذ ما يكفي لتعطيل تكاتف القوى الوطنية المتضامنة والمتعاونة او لإحباط نشاطها.
الشواهد كثيرة أهمّها:
أ ـ نجاح حزب الله في استيراد مئات أطنان المازوت من إيران منذ أشهر وتوزيعها مجاناً على عشرات المؤسّسات الاجتماعية الفاعلة، وإخفاق الحكومة والقوى المحلية المتحالفة مع أميركا في إحباط هذه العملية الجريئة.
ب ـ عرضت إيران تزويد لبنان بأكثر من 600 طن من الفيول وتوريدها مقسطةً على خمسة أشهر فما استطاعت حكومة نجيب ميقاتي ولا القوى المتحالفة مع أميركا رفضها أو تعطيلها.
ج ـ ما نجــح حزب الله وإيران فيه شجّع العــراق على القيــام بمبادرات مماثلــة لاقت ترحيبــاً من حكومــة ميقاتي وسائر القوى السياسية بشتى انتماءاتها.
ـ يبدو أنّ حاجة أميركا الى مرونة في سياسة محاصرة إيران دفعتها الى عدم الاعتراض على نزوع بعض الدول العربية والإسلامية الى الانفتاح على طهران من أجل الحصول على دعمها المالي والنفطي، خصوصاً بعدما باشرت السعودية نفسها تليين العلاقات مع إيران بمفاوضتها بوساطة العراق.
ـ الى ذلك، فإنّ قطر وحدها من بين دول مجلس التعاون الخليجي تدير شراكة نفطية مجزية مع إيران في حقول مياه الخليج، وتقيم علاقات سياسية ودّية معها، كما تدعم بسخاء مؤسسات فلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية.
ـ من هنا يستبين مخرج واقعي وراديكالي في آن لتفادي الفراغ الرئاسي وتداعياته ولمواجهة الأزمة المتفاقمة أيضاً يتمثل في إنتاج توافقٍ بين القوى الوطنية بشتى انتماءاتها وحزب الله وحلفائه من جهة، ومن جهة أخرى مع ما يتيسّر من سائر القوى السياسية حتى تلك المتحالفة مع دول الغرب الأطلسي، للعمل على أربعة أمور:
أ ـ التوافق على مرشح وطني نظيف الكفّ، غير حزبي وغير مرتبط بجهة سياسية معينة، لانتخابه رئيساً خلال المهلة الدستورية او بعدها.
ب ـ تأليف حكومة جديدة كاملة الصلاحيات من أطراف تكاتف القوى الوطنية وحزب الله وحلفائه ببرنامج اقتصادي ـ اجتماعي ـ إنمائي لمواجهة الأزمة المستفحلة.
ج ـ التوجّه الى إيران وقطر طلباً لدعمهما المالي والاقتصادي والنفطي.
د ـ إشراك قطر في عمليات الحفر والتنقيب عن النفط والغاز واستثمارهما في البلوكات Blocks العشرة على امتداد الساحل اللبناني، خصوصاً في حال امتناع بعض شركات الحفر والتنقيب الغربية، لأيّ سبب كان، عن العمل والتعاون مع لبنان في البلوكات المُشار اليها.
هـ ـ تطوير العلاقات مع دول الغرب الأطلسي وصندوق النقد الدولي بغية الحصول على مساعدات وقروض، وكذلك مع كلّ الجهات المانحة شريطة عدم المساس بسيادة لبنان.
هذا خيار واقعي وراديكالي للخروج من حال الأزمة والاستعصاء اللذين نرتع فيهما. ألا يستحقّ أن يُدرس بتعقّل وأناة؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نائب ووزير سابق
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :