ماذا يمكن ان يحدث او لا يحدث قبل إنتخابات لبنان و"اسرائيل" واميركا اواخر اكتوبر المقبل ؟
د.عصام نعمان*
لا غلوّ في القول إن الشرق الأوسط بل العالم برمته يمرّ حاليّاً بمرحلة إنتقالية تمتدّ لغاية اواخر تشرين الاول/اكتوبر ومطالع تشرين الثاني/نوفمبر المقبلين. خلال هذه المرحلة قد ينتقل العالم من زمن الى زمن آخر مغاير نتيجةَ أحداث وتطورات عدّة لعل أبرزها الإنتخابات الرئاسية التي ستجري في لبنان ، والإنتخابات التشريعية التي ستجري في الكيان الصهيوني وفي الولايات المتحدة الاميركية ، ناهيك عن تداعيات الحرب الروسية-الاوكرانية ، وتداعيات قمة طهران بين رؤساء روسيا وتركيا وايران.
الإنتخاباتُ الرئاسية في لبنان قد تنتهي الى إنتخاب رئيس جديد يخلف الرئيس ميشال عون ، وقد لا تنتهي الى إنتخاب خَلَفٍ له ضمن المهلة الدستورية. إذا تمّ إنتخاب رئيس جديد من خارج دائرة التحالفات السياسية التي تضمّ تكتل لبنان القوي (العوني) وحزب الله وحركة امل وحلفاءهم فإن تداعيات سياسية واخرى أمنية فظّة قد تتفجّر . الى ذلك ، إذا تعذّر إنتخاب رئيس جديد فإن الأزمة الحادّة الراهنة قد تتمدد وتتعمق وتستولد المزيد من الإنهيار المالي والإقتصادي والإجتماعي، والتضخم ، والإنفلات الأمني ، وربما تعمّق الإنقسام السياسي حتى عتبة التقسيم الجغرافي.
الإنتخاباتُ التشريعية في الكيان الصهيوني ، الخامسة خلال أربع سنوات ، تنطوي على تحدّيات جمّة أبرزها ثلاثة : (أ) حسم او تعذر حسم مسألة مَن ستكون له الأكثرية في الكنيست والفرصة تالياً لتشكيل الحكومة، (ب) إحتمال اندلاع او عدم إندلاع مواجهة عسكرية بين "اسرائيل" وحزب الله حول ترسيم الحدود البحرية وحقوق لبنان النفطية والغازية على طول ساحله من الجنوب الى الشمال ، (جـ) اندلاع او عدم إندلاع صدام عسكري بين "اسرائيل" وايران بشأن برنامج طهران النووي. ولكلٍّ من هذه التحديات تداعياته .
الإنتخاباتُ النصفية في الولايات المتحدة تنطوي على صراع متوقّد بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري على إمتلاك الأكثرية في الكونغرس وتالياً في ترجيح إنتخاب الرئيس جو بايدن لولاية ثانية او إستبعاد ذلك .
خلال المرحلة الإنتقالية ، لا ترجيح لحدوث ايّ تطوّر غير عادي في ايٍّ من الدول الثلاث. ففي لبنان تشتدّ الصراعات بين احزاب وتكتلات ومنظمات سياسية متعددة الالوان والإنتماءات والإتجاهات والعلاقات الخارجية الامر الذي يعطّل إمكانية توافق التكتلات المتنافسة والقوى الخارجية التي تساندها على مرشح مقبول لرئاسة الجمهورية . ذلك قد يؤدي ، كما حدث في الماضي القريب والبعيد ، الى بقاء سدة الرئاسة شاغرة لمدة طويلة تشتدّ خلالها الإشتباكات السياسية داخل حكومة تصريف الأعمال التي تناط بها بموجب أحكام الدستور صلاحيات رئيس الجمهورية، كما تشّتد في خارجها بين شتى القوى السياسية المتصارعة ، وقد تتطور الإشتباكات السياسية الى إضطرابات امنية . الى ذلك ، يتعمّق الإنقسام السياسي في البلاد إذا ما تمكّن الوسيط الاميركي عاموس هوكشتاين من تقديم عرض الى لبنان بشأن ترسيم حدوده البحرية مع فلسطين المحتلة ما يؤدي الى احد إحتمالين : إندلاع صدام عسكري بين لبنان و"اسرائيل" اذا ما أقدمت هذه الأخيرة على مباشرة إستخراج الغاز من حقل كاريش الواقع ضمن المنطقة المتنازع عليها قبل حسم مسألة ترسيم الحدود البحرية، او عجز أهل السلطة عن إتخاذ قرار بشأن عرض هوكشتاين ما يفضي الى تمديد حال النزاع بين لبنان والكيان الصهيوني.
في "اسرائيل" ، الأرجح ألاّ يكون في برنامج رئيس الحكومة يائير لابيد إتخاذ ايّ قرار مثير للجدل كي لا يستغله معارضوه ، لاسيما غريمه الرئيسي بنيامين نتنياهو وحلفاءه اليمينيين المتطرفين ، للنيل منه ومن حلفائه في الإنتخابات . بالعكس ، سيحاول لابيد المزايدة على خصومه برفع شعارات متطرفة بإرضاء القوى اليمينية العنصرية ، ولا سيما المستوطنين، بغية كسب دعمهم وأصواتهم .
في الولايات المتحدة ، يستبعد معظم متابعي حركة الرئيس بايدن ومساعديه أن يتخذ قرارات او يعتمد سياسات من شأنها إتاحة الفرصة لمعارضيه الجمهوريين لنعته بالضعف والتهاون بشأن مصالح اميركا السياسية والإقتصادية والأمنية وهيبتها بدليل قراره بالإنسحاب المهين من أفغانستان . الى ذلك ، لا تخفى عن بايدن قوة الناخبين اليهود والصهاينة الاميركيين ما تجعله حريصاً على عدم إعتماد سياسة متهاونة مع ايران وحلفائها في غرب آسيا سواء في مسألة إحياء الإتفاق النووي ، او في مسألة النزاع بين "اسرائيل" ولبنان على ترسيم الحدود البحرية ، او تمكين لبنان من التنقيب عن النفط والغاز على طول ساحله من الجنوب الى الشمال، والإفادة تالياً من مردود عائدات ثروته الهائلة في مياهه الإقليمية .
بالإجمال ، لا تطورات غير عادية خلال المرحلة الإنتقالية التي لن تنتهي قطعاً قبل مطالع تشرين الثاني/نوفمبر المقبل ما يعني ان الازمات والنزاعات التي يعانيها لبنان من جهة و"اسرائيل" من جهة اخرى ستبقى متوقّدة وربما تزداد حدّةً خلالها.
غير ان ثمة إستثناء بعيد الإحتمال بأن تظنّ القيادة السياسية والعسكرية في الكيان الصهيوني ان حال الإنهيار والتشرذم والتفكك والفوضى التي يعانيها لبنان تتيح لها فرصةً مؤاتية لتوجيه ضربة شديدة لحزب الله في محاولة لإخراجه من حلبة الصراع بغية الإستفراد بمواقع ثروة لبنان النفطية والغازية.
هذا الخيار بعيد الإحتمال لأن ثمة شواهد عدّة على علم قادة العدو وإحاطتهم بمدى قدرات حزب الله في البر والبحر والجوّ وبالإضرار الهائلة التي يمكن ان يُلحقها ردُّه الرادع بكيان العدو في جميع الميادين الامر الذي سيلجم أصحاب الرؤوس الحامية في الحكومة والجيش الإسرائيليين ويحول تالياً دون إنزلاق "اسرائيل" الى ان تجني على نفسها اكثر مما تتمناه لغيرها.
وعليه ، ما يجب ان يحرص عليه اللبنانيون عموماً والقوى الوطنية الحيّة خصوصاً ، اليوم وليس غداً، هو التفكير والتخطيط والإعداد لما يقتضي تنفيذه من إصلاحات جذرية سياسية واقتصادية وإجتماعية بعد إنصرام المرحلة الإنتقالية ..
وزير سابق*
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram
(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)
:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي