يقول المثل الشعبي "طق شرش الحياء"، وهذا هو واقع المسؤولين في لبنان، من هم في السلطة او المعارضة، كما من يدّعون "التغيير"، حيث الجدال "البيزنطي"، على "جنس الحكومة"، كما على "جنس رئيس الجمهورية"، والدولة انهارت، والقطاعات تعطلت، والمؤسسات اصابها الشلل، ولا احد من الذين يتبوؤن المناصب الرسمية، يحرك ساكنا، او يقدم الحلول، فيتمسك رئيس الجمهورية ميشال عون في شكل الحكومة التي يريدها، والحقائب التي يرى انها لا تراعي التوزيع الطائفي والمذهبي، ورئيس حكومة تصريف اعمال والمكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، وضع صيغة الحكومة ومشى، مبحراً في يخته بعيداً عن معاناة اللبنانيين المعيشية، وهمومهم الخدماتية من كهرباء التي انقطعت 24 ساعة على 24 والمياه التي جفت في القساطل، فلم تعد تصل الى المنازل، وتستمر القدرة الشرائية للمواطنين بالهبوط، فلم يعد يكفي راتب شهر للموظف في القطاع العام والخاص، من الانتقال الى مركز عمله، في وقت زادت نسبة البطالة، ويرتفع عدد الجياع والفقراء، مع فجر كل نهار الخ...
هذا المشهد الكارثي الذي يعيشه اللبنانيون، لا يعوضه مجيء المغتربين لقضاء اجازاتهم في وطنهم مع اقاربهم، ولولاهم، لكان الوضع اسوأ بكثير، لان الازمة باتت وجودية، ومرتبطة بالكيان والنظام معاً، وفق ما يرى من نظروا وقرؤوا ما وصل اليه لبنان الذي نشأ في ايلول من العام 1920، وهو منذ ذلك التاريخ، وتحديداً بعد استقلاله يمر بازمات سياسية ودستورية ومالية واقتصادية، كانت تودي باللبنانيين الى اقتتال داخلي، وحروب اهلية، وتدخلات خارجية.
فلبنان متجه نحو مزيد من الانهيار، سواء تشكلت حكومة ام لم تتشكل، وانتخب رئيس للجمهورية، او تعطل الاستحقاق، لان الازمة عميقة، ولا تنتهي باستحقاقات شكلية، هي قائمة دستورياً، لان اللبنانيين منقسمون على الهوية، وليسوا متفقين على النظام، وهنا تكمن الازمة، وفق مصدر سياسي مخضرم متابع وقارىء لتاريخ الازمات والحروب في لبنان، حتى عندما كان تحت وصاية الدول السبع في بروتوكول عام 1864، الذي قام اثر المجازر التي وقعت بين الدروز من جهة والموارنة خصوصا والمسيحيين في جبل لبنان.
فصيغة العام 1943، وما سمي بـ "الميثاق"، الى اتفاق الطائف عام 1989 ثم تفاهم الدوحة العام 2008، وما حصل خلال مراحل الحرب الاهلية وما قبلها، من محاولات للاتفاق حول هوية لبنان والتفاهم حول النظام، فان الازمة باقية في صلب تكوين لبنان، وشكل نظامه الطائفي، وخارج فهم اساس المشكلة وتشخيص الازمة، فان لبنان سيبقى ساحة للصراع الخارجي، والاحتراب الداخلي، وفق المصدر، حيث مفهوم عروبة لبنان، التي هي نقطة خلاف، لم تحل بعد، بالرغم من الصياغات التي حصلت للوصول الى تفاهم حولها، اذ عاد الخلاف حول العروبة، التي يراها فريق وهو من ما يسمى ب"السياديين"، بانها مرتبطة "بمحور عربي" ضد "ايران الاسلامية" التي وبحسب هؤلاء فان "حزب الله" يطمس "عروبة لبنان" لمصلحة "مشروع ايراني"، وهذا تكريس جديد للانقسام حول الهوية التي هي سياسية بامتياز، وليست جغرافية او قومية ووطنية، فالعروبة هي فلسطين وقضيتها المركزية، وعند انظمة عربية لم تعد كذلك، بعد ان جرى توقيع لمعاهدات سلام، بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية التي التحقت بمشاريع الاستسلام، واسقطت عن فلسطين، بانها قضية العرب.
والبحث في ازمة لبنان باطارها الشكلي، لا يحلها، بل يجب الغوص في اسبابها، فلا تحل مع نهاية عهد الرئيس ميشال عون، ولا مع تراجع تمثيل "التيار الوطني الحر" للمسيحيين، لتتقدم عليه "القوات اللبنانية"، التي اقامت دويلة "المجتمع المسيحي" اثناء الحرب، واتت على المسيحيين بالحروب والهزائم، ومثل المسيحيين، طوائف اخرى تقوقعت وانعزلت، او التحقت بمشاريع خارجية، فلم تأتِ بالخير للبنان؟
وليست ازمة لبنان، بان لا وجود "لخطة تعاف اقتصادية" يعوّل عليها مسؤولون في لبنان، وتؤيدها دول فاعلة، بل الازمة هي الانسان في لبنان، الذي لم يلجأ اي مرجع رسمي وسياسي، او حزب، وحتى رجال دين، الى بناء الانسان، كما في تجارب شعوب، التي استثمرت بالانسان واولاً بالاخلاق فيه، ثم بالعِلم، وفي لبنان كثير من العِلم وقليل من الاخلاق، التي عليها تبنى الامم، ومن دونها انحدار، ومن ادعى ان التغيير حصل جزئياً في الانتخابات النيابية، هو مخطىء، والممارسة ستكشف من ادّعى التغيير بانه لم يبدأ بالانسان، وتحويله من انسان ـ فرد، الى انسان ـ مجتمع، فتسقط الانا لمصلحة النحن.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :