ما العمل ؟ لبنان في مرحلة إنتقالية متمادية وحال اللا قرار ....

ما العمل ؟ لبنان في مرحلة إنتقالية متمادية وحال اللا قرار ....

 

Telegram

 

 
د. عصام نعمان 
 
أضحى لبنان منذ ثلاثة أعوام في حال إنهيار مالي وإقتصادي وإجتماعي متفاقم . السياسيون يُطلقون على هذه الحال مصطلح مرحلة إنتقالية . لكن المرحلة الإنتقالية السيئة تناسلت الى مراحل اكثر سؤاً . الى ذلك : أنجبت المراحل الإنتقالية البالغة السؤ ظاهرة أشدّ بؤساً هي حال اللاقرار. حدث ذلك بعدما أصبحت حكومة نجيب ميقاتي بحكم المستقيلة عقب الإنتخابات النيابية الاخيرة ما إستوجب قيام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بإجراء إستشارات نيابية مُلزمة أفضت الى إعادة تكليف نجيب ميقاتي تأليف حكومة جديدة .
ميقاتي لم يتأخر في إيداع عون تشكيلة وزارية هي عبارة عن تركيبة حكومته الراهنة مع تبديل أربعة من وزرائها بآخرين من خارج مجلس النواب بإستثناء واحد فقط كان تولّى حقيبة وزارية في حكومته الراحلة .
عون تحفّظ عن تشكيلة ميقاتي الجديدة المقتضبة. قيل إن مردّ تحفظه رغبتُه في قيام حكومة وطنية سياسية جامعة مؤلّفة من ثلاثين وزيراً تتمثل فيها معظم التكتلات السياسية الوازنة في البلاد. تردَدَ ايضاً ان ميقاتي لا يحبّذ الصيغة التي يقترحها عون ، وانه لن يحزن البتة في حال إستعصاء تأليف حكومة جديدة خلال المرحلة التي ستمتد من الآن لغاية إنتهاء ولاية عون الرئاسية حكماً في 31 تشرين الاول/اكتوبر القادم  لأن حكومته الراهنة ستبقى في السلطة حتى لو تعذّر إنتخاب رئيس جديد للجمهورية .
بقاء حكومة ميقاتي الراهنة يثير مخاوف شتّى أبرزها إثنان :
- الخشية من تداعيات الإستمرار في حال اللاقرار لكون الحكومة الراهنة في حال تصريف الأعمال التي يرى البعض أنه يمتنع عليها الإجتماع لإتخاذ قرارات ، بينما يرى البعض الآخر أن الظروف الإستثنائية تجيز لها إتخاذ قرارات تتطلبها المصالح العليا للدولة .
- إحتمال الإنزلاق الى فوضى شاملة تؤدي الى تقسيم البلاد الى مناطق حكم ذاتي متنازعة.
الحقيقة ان حكومة ميقاتي ، شأن جميع الحكومات المتعاقبة خلال سنيّ الأزمة المزمنة والمستفحلة ، كانت عاجزة عن إتخاذ قرارات وازنة . هذا العجز المتواصل يزيد الوضع السياسي والإقتصادي والإجتماعي المتردي سؤاً ، فما العمل ؟
طرحتُ هذا السؤال على بعض قادة الأحزاب والتكتلات المعارضة، كما قمتُ بإستقراء أجوبة بعض أهل السلطة من خلال مواقفهم المعلنة في مختلف وسائل الإعلام ، فماذا وجدت ؟
أعضاء قياديون في التحالف الوطني للإنقاذ والتغيير الذي يضمّ جملة احزاب وطنية وتقدمية معارضة وقياديين ناشطين من شتى التيارات الناصرية والعروبية واليسارية ركّزوا على ضرورة مبادرة القوى الوطنية والتقدمية الى التواصل مع شبيهاتها من الأحزاب والتكتلات بغية التوافق على إطار سياسي يتولى التنسيق فيما بينها والضغط على اهل السلطة من اجل تحقيق الاولويات الآتية : (أ) تأمين ضروريات المعيشة من غذاء ودواء وطاقة. (ب) متابعة إجراءات التدقيق الجنائي في قضايا نهب المال العام وتهريب ودائع المودعين في المصارف الى خارج البلاد. (جـ) إجراء حوار وطني للتوافق على قانون انتخابات ديمقراطي يكفل صحة التمثيل الشعبي وعدالته .
قادةٌ ونوابٌ في حزب الله تبنّوا الاولويات والمطالب سابقة الذكر وشدّدوا،  فوق ذلك ، على ضرورة دعم المقاومة في وجه العدو الصهيوني، ومحاربة الفساد بإحالة المرتكبين على القضاء ، والإسراع في تأليف حكومة وطنية جامعة قادرة على إتخاذ وتنفيذ قرارات وازنة في هذه المرحلة العصيبة.
الأمينُ العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب أوضح في مقابلة مع صحيفة "النهار" ان لدى حزبه " برنامج لتحركات واضحة للإعتراض على الموازنة والدولار الجمركي والكابيتال كونترول وكل ما يُسهم في إفقار الناس" ، كما دعا الى "تشكيل لجان شعبية في البلدات والمناطق لتكون في واجهة المعترضين والرافضين للسياسات الإقتصادية غير العادلة".
قائدُ التنظيم الشعبي الناصري النائب أسامة سعد لا يجد فرصةً او امكانية لتحقيق ايٍّ من المطالب الإصلاحية في ظل النظام السياسي الطائفي القائم ويدعو الى إزالته .
النوابُ التغييريون (13) مختلفون فيما بينهم على ما يجب التركيز عليه من اولويات ومطالب . غير ان اثنين منهم ، مارك ضو ونجاة صليبا ، العضوين في حزب "تقدّم" يلتزمان برنامجه الداعي الى وقف الإنهيار المالي كخطوة اولى وذلك بتوحيد سعر صرف الدولار، وإقرار قانون "كابيتال كونترول" ، والبدء بتطبيق خطة لهيكلة القطاع المصرفي والمالية العامة . 
الاحزاب المحافظة من اهل النظام مختلفة فيما بينها حيال العديد من القضايا والتحديات . ففيما يعارض حزب القوات اللبنانية المشاركة في حكومة نجيب ميقاتي الجديدة ،  يعارض التيار الوطني الحر تأليف حكومة من التكنوقراط ويتبنّى دعوة الرئيس عون الى تأليف حكومة وطنية جامعة من ثلاثين وزيراً سياسياً للنهوض بأعباء المرحلة الانتقالية الزاخرة بالتحديات.
تكتلُ اللقاء الديمقراطي برئاسة تيمور وليد جنبلاط يبدو متردداً في الإشتراك بالحكومة الجديدة .
حزبُ الكتائب يبدو عازفاً عن المشاركة في الحكم ، لكنه عالي الصوت في معارضة حزب الله وسلاح المقاومة.
حاولتُ إستشفاف مواقف بعض النواب والقياديين في أوساط المعارضة كما في اوساط اهل النظام والسلطة بشأن مسألة إستعمال قسم من إحتياط لبنان من الذهب (286 طناً قيمتها اكثر من 16 مليار دولار) او جزء من أملاك الدولة العامة في مشاريع وخطط إصلاحية عملية للخروج من الأزمة المالية والإقتصادية، فوجدتُ ان بعضاً  منهم غير ملم بأبعاد هذه القضية ، وان بعضهم الآخر معارض لإستعمال قسمٍ من الذهب او من املاك الدولة في مشاريع اصلاحية او لإستعادة ملاءة الدولة المالية بحجة منطقية هي فساد نظام المحاصصة الطوائفية التي ينتمي اليه معظم اهل السلطة وبالتالي عدم جواز إسناد مهمة الخلاص من الفساد الى فاسدين !
من مجمل هذه الواقعات والملاحظات يستقيم للباحث الموضوعي إستنتاج الحقائق الآتية :
- ما ان ينجح لبنان في العبور من مرحلة إنتقالية سيئة حتى يقع في اخرى اكثر سؤاً ، وان ثمة إنسداداً سياسياً يدفع البلاد الى حالٍ من اللاقرار لا نهاية لها في المستقبل المنظور.
- ان اهل السلطة قد يكونون منقسمين إزاء الكثير من القضايا والتحديات والمصالح ، لكنهم متحدون إزاء قضية واحدة هي البقاء في السلطة وتدويم بقائهم بترسيخ نظام المحاصصة الطوائفية القائم .
- ان اهل المعارضة قد يكون معظمهم من ذوي النيات الطيبة ، لكنهم يتكشّفون من حيث يدرون او لا يدرون عن عجز فاضح في التوافق على الاولويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الاكثر إلحالحاً ما يفضي الى نتيجة فاضحة ومؤلمة هي العجز عن بناء جبهة متماسكة للقوى الوطنية والتقدمية في البلاد، قادرة بجدّية ونَفَس طويل على تجاوز أم المعاصي، أيّ نظام المحاصصة الطوائفية، سلمياً وديمقراطياً  ولو اقتضى الأمر جيلاً او جيلين .
     هكذا يغرق لبنان في محنته المزمنة، فلا يرى أحراره ولا طلاّب الحرية والعدالة والنهضة في ربوعه ايّة بارقة ضؤ في نهاية نفق الفساد والنفاق والإنحطاط الطويل.
مع ذلك يبقى السؤال الخالد مطروحاً : ما العمل ؟.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram