حجبت النتائج التي أفرزتها صناديق الإقتراع، لا سيما لناحية الشرذمة الواضحة على مستوى توازن القوى داخل المجلس النيابي، الأنظار عن السؤال الأساسي الذي كان يطرح قبل فتحها، أي ما هو الواقع الذي ستكون عليه الساحة السنّية في المرحلة التي تلي الخامس عشر من أيار، بعد أن كان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري قد أعلن عزوفه عن المشاركة.
قبل السادس عشر من أيار، كانت الكثير من السيناريوهات ترسم حول التمثيل السني في المجلس النيابي الجديد، في ظل وجود أكثر من جهة سعت إلى "وراثة" تمثيل "تيار المستقبل"، لكن أحداً لم يكن يتوقع أن يكون ذلك لصالح ما يسمى بـ"الشخصيات التغييرية" والمستقلين، حيث يصل عدد النواب الذين ينتمون إلى هذه الفئة إلى 11 (فؤاد مخزومي، ياسين ياسين، ابراهيم منيمنة، وضاح الصادق، ايهاب مطر، نبيل بدر، أسامة سعد، عبد الرحمن البزري، حليمة القعقور، أشرف ريفي، رامي فنج) لا يمكن القول أنهم يجتمعون على أيّة عناوين عريضة أو التفكير بإمكانيّة أن يشكلوا كتلة واحدة.
في المقابل، تبدو الكتلة الأقرب لأن تكون الأكبر هي التي تضم الشخصيات التي تدور في فلك قوى الثامن من آذار، نظراً إلى أنّ العدد يصل إلى 8 نواب (ينال صلح، ملحم الحجيري، قاسم هاشم، حسن مراد، عدنان طرابلسي، جهاد الصمد، محمد يحيى، طه ناجي)، لتأتي بعدها تلك التي تضم النواب الذين يدورون في فلك تيار "المستقبل"، التي تضم 5 أشخاص (محمد سليمان، وليد البعريني، أحمد الخير، عبد العزيز الصمد، عبد الكريم كبارة)، ليبقى 3 نواب ينتمي كل واحد منهم إلى فريق سياسي محدد: (مرشح رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة في زحلة بلال الحشيمي، النائب عن الحزب التقدمي الاشتراكي بلال عبدالله، النائب عن الجماعة الاسلامية عماد الحوت).
هذا الواقع، على الرغم أنه دفع الحريري إلى إعتبار أن قراره كان صائباً وهز هياكل الخلل السياسي، دفع شخصيتين بارزتين إلى التوقف عنده، حيث اعتبر أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله أنه أمر لا يجوز لاحد في لبنان أن يمرّ عليه أو يتجاوزه، بينما رأى رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل أنّ الوضع في الطائفة السنّية غير سليم، مشيراً إلى أنّ "التشرذم القائم بهذا الشكل ضمن الطائفة خطير جداً".
ما تقدم يقود إلى التأكيد على أنّ "الشرذمة" كانت هي الوريث الشرعي لـ"المستقبل"، خصوصاً أن عدداً من النواب الحاليين ما كانوا لينجحوا في الوصول إلى الندوة البرلمانية فيما لو كان التيار مشاركاً في الإنتخابات النيابية، لكن ما ينبغي التوقف عنده هو الصدام الذي وقع بين 3 من النواب التغييريين (وضاح صادق، ابراهيم منيمنة، حليمة القعقور) وأحد المسؤولين في دار الفتوى الشيخ حسن مرعب، بسبب تأييدهم الزواج المدني الإختياري، من دون أن يصدر أيّ موقف عن الدار، ينهي السجال المستمر على مواقع التواصل الإجتماعي.
في هذا الإطار، يبقى الأساس هو الإشارات التي تمّ إرسالها من جانب السيد نصرالله والنائب باسيل، نظراً إلى أنها ترسم، بطريقة غير مباشرة، علامات إستفهام حول التمثيل السياسي على الساحة السنية، بينما هذا التمثيل من المفترض أن يكون حاضراً في مجموعة من الإستحقاقات المقبلة، أبرزها تسمية رئيس الحكومة المكلف، لكن الأخطر يبقى أنّه في حال تم الذهاب إلى طاولة حوار وطني في المستقبل بحسب ما يتم التداول، سواء كانت داخل لبنان أو خارجه، سيطرح تساؤلا عن الجهة التي من الممكن أن تمثل الطائفة على هذا الصعيد.
في المحصلة، ما يمكن الجزم فيه اليوم أن الحريري لا يزال هو الممثل الأول في الشارع السني، الأمر الذي يدفع بعض الجهات إلى التأكيد أنه بحال قرار العودة سيجد كتلة نيابية وازنة بإنتظاره، لكن في المقابل هناك من يرى أن هذا الشارع لن يبقى منتظراً لفترة طويلة، خصوصاً أن هناك من لا يزال يسعى، محلياً وخارجياً، إلى إبعاده عن رئيس الحكومة السابق، في حين أن الطبيعة تكره الفراغ لا سيما إذا ما كان في فترة إنهيار كبير وجب أن تبنى على أساسها صورة البلاد في السنوات المقبلة.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :