«أفضل» هديّة يتلقاها اللبنانيون بعد الانتخابات النيابية، ستأتيهم من حامل التوقيع الثالث والموظّف السابق لدى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أي وزير المال يوسف الخليل. فالوزير يقترح زيادة الدولار الجمركي «استناداً إلى القيمة الفعلية التي سوف يحدّدها مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المال». هديّة كهذه ليست إلا ثمناً باهظاً سيدفعه اللبنانيون على شكل ضريبة إضافية تكبّدهم نحو 14 ألف مليار ليرة إذا احتسب الدولار الجمركي على 20 ألف ليرة
يعقد اليوم مجلس الوزراء جلسة أخيرة قبل نهاية ولايته، ليناقش جدول أعمال من 133 بنداً. هناك عدد من البنود المثيرة للانتباه، ومن أبرزها البند السابع الذي يتضمن اقتراحاً من وزير المال يوسف الخليل بزيادة الدولار الجمركي. عنوان الملف المعروض على المجلس هو «استيفاء الضرائب والرسوم على أساس القيمة الفعلية بالليرة اللبنانية التي تعكسها حالياً منصّة صيرفة»، بينما مضمونه يشير إلى أن وزارة المال تقترح «استيفاء الضرائب والرسوم كافية، ولا سيما الرسوم الجمركية، استناداً إلى القيمة الفعلية بالليرة اللبنانية التي سوف يحدّدها مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير المال».
هذا الاقتراح سبق أن أُدرج كبند في مشروع قانون موازنة 2022، وأثار جدلاً واسعاً اندفعت معه الكتل السياسية إلى تعديل صياغة البند المقترح، لإخفاء حقيقة أنه مجرّد زيادة ضريبية هائلة وغير مبرّرة. يومها كانت الكتل السياسية، سواء في مجلس الوزراء أو في مجلس النواب، خائفة من أن يؤدي إقرار بندٍ كهذا إلى قضم المزيد من شعبيتها ومن شرعيتها، لكن الانتخابات النيابية حرّرتها من هذا العبء وأتاحت لها العودة إلى ممارسة التوحّش الذي يحمّل الطبقات المتوسطة والفقيرة أعباء يفترض أن تكون من نصيب شرائح أخرى في المجتمع. ويتغذّى توحّشها اليوم على العلاقة التي رسمتها مع صندوق النقد الدولي وأفضت إلى «اتفاق على مستوى الموظفين» يتضمن زيادات ضريبية أخرى مثل زيادة ضريبة القيمة المضافة إلى 15%.
عملياً، يقترح الخليل زيادة الأعباء الضريبية على الناس أضعاف ما هي عليه اليوم. إذ إن الدراسات الإحصائية التي أجريت أثناء إعداد الموازنة لزيادة الدولار الجمركي، أشارت إلى أن اعتماد سعر صرف للدولار يبلغ 20 ألف ليرة، سيضخّ إيرادات إضافية للخزينة عبر الرسم الجمركي تقدّر بنحو 14 ألف مليار ليرة. هذه الزيادات الضريبية ستشمل البنزين والسيارات وقطع الغيار والدخان والأثاث والملابس... اللائحة طويلة، لكن جرى تبريرها بأن السلع الغذائية معفاة من الرسم الجمركي أصلاً، وأن المستوردين سبق أن رفعوا الأسعار، أي أن تحصيل الرسم الجمركي منهم لن يطلق موجة تضخمية. غير أنه في الواقع، تتسم هذه التبريرات بسطحية لافتة. فالرسوم الجمركية المحصّلة في عام 2020 كانت تبلغ 2240 مليار ليرة، ومضاعفتها إلى 16300 مليار ليرة، أي زيادتها 7.3 مرات لن يؤدي فحسب إلى تضخّم الأسعار، بل سيخلق حافزاً واسعاً للتهريب والتهرّب الضريبي وسيضرب الاستهلاك بقوّة لا مثيل لها. وفي المحصّلة سيدفع المستهلكون ثمناً باهظاً يضاف فوق الأعباء التي تكبدوها منذ انفجار الأزمة لغاية اليوم. فبحسب إدارة الإحصاء المركزي، تضخّمت الأسعار بين مطلع 2019 وآذار 2022 بنسبة 825%. أسعار المواد الغذائية ارتفعت بنسبة 3200%، وأسعار الألبسة والأحذية ارتفعت بنسبة 2720%، والأثاث والتجهيزات المنزلية والصيانة ارتفعت بنسبة 3145%، والنقل ازداد بنسبة 2287%... وهذا التضخّم مستمر لغاية اليوم بسبب استمرار التدهور في سعر الصرف وشموله بنوداً لم ينل منها التضخّم بنفس نسب إصابته لغيرها. فعلى سبيل المثال، يتوقع أن يسجّل تضخم هائل في كلفة التعليم، وفي كلفة الصحة (استشفاء وأدوية) وفي كلفة الاتصالات أيضاً والكهرباء، أي أننا مقبلون أصلاً على تضخّم كبير في الأشهر المقبلة سيغذي التدهور في قيمة الليرة وسيتغذّى بدوره على ارتفاع سعر الدولار.
في المبدأ العام، لا تحتاج زيادة الدولار الجمركي إلى قرار في مجلس الوزراء أو إدراجه في قانون الموازنة. وهذا الأمر يكون مفهوماً حين تكون الأوضاع عادية، إنّما في أوضاع الأزمات، كالأزمة التي نشهدها حالياً وهي غير مسبوقة تاريخياً في لبنان، فإن زيادة الدولار الجمركي تحتاج الى تدقيق. فهذا السلوك للحكومة، في جلستها الأخيرة المخصّصة لتهريب كل ما يمكن تهريبه، يشي بأن الهدف هو البحث عن إيرادات بعدما انتهت الانتخابات النيابية، أي بعدما فقدت السلطة حاجتها إلى أصوات الناخبين من عموم الشعب. فزيادة الدولار الجمركي أمر لا يمكن القيام به في ظل تعدّدية أسعار الصرف، ولا يمكن القيام به إلا في إطار خطّة متكاملة لمعالجة الأزمة. إذ لا معنى أن يستمر ارتفاع سعر الدولار مقابل تدهور الليرة، فيما الحكومة تسعى إلى زيادة الضرائب عبر الدولار الجمركي، لأن هذا يعني أمراً واحداً فقط: مراكمة الخسائر على المجتمع وزيادة الأعباء على الناس أمر كارثي في ظل المسار القائم.
عملياً، سيكون الدولار الجمركي الإنجاز الوحيد لحكومة نجيب ميقاتي (بكل مكوّناتها). وهو إنجاز يتعلق بزيادة الأعباء على المجتمع بشكل عشوائي في بلد محكوم بفوارق تاريخية هائلة بين من هم «فوق» ومن هم «تحت». زيادة كهذه بشكل غير مدروس ومنفصل عن أي خطّة، تعني زيادة فجوة اللامساواة في الدخل والثروة.
نسخ الرابط :