خلال أيام تبدأ اسرائيل احتلالها البحري للُبنان؟

خلال أيام تبدأ اسرائيل احتلالها البحري للُبنان؟

 

Telegram

 

لم يبق أمام حكومة لُبنان سوى أيام قليلة قبل أن تُقرّر، هل تُنقذ ثروة الغاز البحرية، وتمنع العدو الإسرائيلي من الانتاج في حقل كاريش والتقدّم صوب حقول لُبنان؟ أم ان الحق اللبناني سيضيع في غياهب الاهمال ولاسباب غريبة عجيبة يتقاطع فيها الاهمال الداخلي بالاغراءات الخارجية، ومن حق اللبنانيين حينها أن يطرحوا الأسئلة المُقلقة عمّن ضيّع الثروة وما هو الثمن السياسي الذي يُدفع مقابل ذلك؟

ولدق جرس الإنذار، أجرينا تحقيقاً شاملاً وقرأنا كل الدراسات والوثائق المُتعلقة بملف الترسيم وملفات التفاوض وجلساتها، وتأكدنا أن الإهمال اللبناني المقصود لأسباب سياسية أو بسبب عدم إعطاء الأولوية لملف دقيق وحسّاس ومُهم، هو الذي يضع لُبنان أمام حافة خطر ضياع ثروته ومنح عدوه الحق في سرقتها. فبعد أيام ، وبلا مغالاة نقول، يبدأ الاحتلال البحري للثروة اللبنانية بشكل أو بآخر. 

الحكومة والمحامون…ردٌّ غريب

لفت انتباه العديد من المتابعين لملف ترسيم الحدود البحرية رد رئاسة الحكومة على الكتاب المقدم بتاريخ 10/5/2022 من قبل المحامين واصف الحركة، علي عباس، وجاد طعمة الذي يطلبون فيه تزويدهم بأسباب عدم اتخاذ أي قرار أو إصدار أي مرسوم بشأن تعديل المرسوم 6433 تاريخ 1/10/2011 (تحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة). حيث جاء الرد أنه بتاريخ 21/9/2021، ومع تشكيل الحكومة الجديدة أعيد مشروع تعديل المرسوم رقم 6433 الى الوزارة المعنية (وزارة الاشغال العامة والنقل) لعرضه على توقيع الوزير الحالي وأنه لغاية تاريخه لم يرد من الوزارة المختصة أي معاملة بهذا الخصوص.

 يضيف رد رئاسة الحكومة أنه بموجب الكتاب رقم 647/ص تاريخ 11/5/2022 (بعد يوم من تلقي كتاب المحامين) وبعد تداول أخبار من أن سفينة إنتاج النفط التابعة لشركة يونانية ستصل الى حقل كاريش المتنازع عليه لإنتاج النفط والغاز، وحفاظاً على حقوق لبنان في ثروته النفطية في المياه البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة بلبنان، ومنعا لمحاولات التعدي على هذه الثروة، وبناء لتوجيهات السيد رئيس مجلس الوزراء وطلبه، وجهت المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء كتابا الى كل من وزراء الاشغال العامة والنقل، الدفاع الوطني والخارجية والمغتربين، طلبت بموجبه الافادة عن الإجراءات والتدابير المتخذة من قبل كل منهم بهذا الشأن.

اللافت أن الحكومة لم تتذكر أنها أعادت الى الوزارات المعنية ملف ترسيم الحدود البحرية لإجراء الازم بشأنه إلا بعد ورود كتاب المحامين المذكور أعلاه، وبعد سماعها من قبل الإعلام بأن سفينة الانتاج هي في طريقها الى حقل كاريش المتنازع عليه. أما الوزارات المعنية، فيبدو أن لديها الكثير من الملفات تتقدّم في اولوياتها على موضوع ترسيم الحدود البحرية والثروة النفطية في البحر، ولهذا السبب تتأخر في عملية الرد.

واضح أن الكل يعتقد أنه غير مسؤول وقد قام بواجباته في هذا الملف قبل أن تصبح الحكومة في وضع تصريف الأعمال بعد اجراء الانتخابات النيابية. وللأسف، يجب على المواطن ان يُصدق أنه بمجرد ارسال كتاب لتذكير الجهات المعنية القيام بواجباتها، هو أمر كاف لحفاظ لبنان على حقوقه في ثروته النفطية وهذا الاجراء سوف يمنع العدو من التعدي على هذه الثروة، لا بل فور وصول هذا الكتاب الى هذه الوزارات المعنية سيبدأ لبنان على الفور باستخراج النفط والغاز من مياهه البحرية وستحل الازمة الاقتصادية وسيعود الوضع الى ما كان عليه سابقا في لبنان.

ماذا في الوثائق

من يدقّق في ملف ترسيم الحدود البحرية، وبعد الاطلاع على بعض التقارير الرسمية،  يجد أن موضوع رد المراسلات الخاصة بهذا الملف دون تحديد مهل واخفاء بعضها الاخر وحرمان مجلس الوزراء من الاطلاع عليها لإجراء اللازم بشأنها، بالإضافة الى تنظيم تقارير هي في غير مصلحة لبنان، هو موضوع ليس بجديد، فمنذ العام 2009 وحتى يومنا هذا تستخدم هذه الطريقة والآلية في المماطلة، وقد أدت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة الى حرمان لبنان من استثمار ثروته النفطية وسمحت للإسرائيلي ببدء الانتاج من حقل كاريش المتنازع عليه.

 ولتأكيد ما نقول سوف نذكر ما استطعنا جمعه في هذا المجال، وهو كافٍ ليبين للقارئ حقيقة ما جرى وما يجري ويمكنه بالتالي  من التأكد ما اذا كان هذا العمل منظماً ومدروساً أم أنه حصل ويحصل عن طريق الصدفة.

 يشمل تحقيقنا الصحفي المرحلة الممتدة من العام 2009 مروراً بالمفاوضات غير المباشرة في الناقورة وصولاً الى صدور رد رئاسة الحكومة على طلب المحامين المذكورين أعلاه الذي سجل في قلم رئاسة الحكومة بتاريخ 10/5/2022 عشية انتقال الحكومة الى مهام تصريف الأعمال بعد الانتخابات النيابية التي حصلت في 15 أيار 2022.

الوقائع الدامغة

في 1/3/2009 لزّم العدو الاسرائيلي بلوكات النفط لديه Alon D و Alon F الى شركة نوبل إنيرجي الاميركية، وكان اللافت في هذا الموضوع أن الحدود الشمالية لهذه البلوكات تتطابق كليا مع الخط 23 الذي رسمته اللجنة المشتركة اللبنانية لاحقاً بتاريخ 29/4/2009 أي بعد حوالي شهرين من تلزيم تلك البلوكات من قبل اسرائيل الى شركة نوبل، وهذا يدل بصورة قاطعة لا تقبل الشك على أن من بادر الى وضع أسس ترسيم الخط 23 هو الجانب الاسرائيلي وليس لبنان.

تبين لاحقاً أن الخط 23 لم يكن خطاً تقنيا كما ذكر في تقرير اللجنة المشتركة على أنه الخط الوسط الذي تكون كل نقطة على طول امتداده متساوية الأبعاد عن أقرب نقطة على خط الأساس للبنان والدولة المجاورة، بل كان خطاً عشوائياً لا يمكن الدفاع عنه وهذا ما عبر عنه الوفد المفاوض علناً. هذا ما تمّ تأكيده في العام 2012 من خلال تقرير لجنة مشتركة أخرى شكلت حينها للتدقيق في الخط 23 ( وهو ما  سوف نتحدث عنه لاحقاً)  حيث تبين لها أن الخط 23 تمّ ترسيمه بطريقة مختلفة  عما ذكر في لجنة عام 2009، وهي طريقة الخط العامودي على خط حيفا بيروت وليس بطريقة خط الوسط، وهذا ما يدل على التخبط الحاصل في سرد رواية ترسيم هذا الخط العشوائي الذي صنع بهدف حماية بلوكات النفط الاسرائيلية.
ان لجنة عام 2009 رسّمت بالإضافة الى الحدود البحرية الجنوبية المتمثلة بالخط 23، حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان من جهة الغرب مع قبرص ومن جهة الشمال مع سوريا.

في 14/7/2010 أودع لبنان الخط 23 دون غيره الأمم المتحدة وذلك قبل صدور المرسوم 6433 في العام 2011، وهنا تُطرح الأسئلة التالية : لماذا تم إيداع الخط 23  فقط وهو الذي يمثل الحدود الجنوبية وليس كامل الحدود البحرية مع قبرص ومع سوريا التي رسّمتها لجنة 2009 كما  رسمت الخط 23؟ ولماذا هذا الإيداع قبل صدور القانون الذي يعلن ويحدد المناطق البحرية والذي صدر بعد عام من هذا الإيداع وكذلك الأمر قبل صدور المرسوم الذي حدد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية والذي صدر في تشرين الاول عام 2011، هل  كان ذلك لتثبيت هذا الخط وفرضه كأمر واقع على المشرع اللبناني؟ وبطلب من من؟ 

في حزيران 2011، وفي جلسة للجنة الأشغال العامة والنقل والخارجية والمغتربين برئاسة النائب محمد قباني حينها، تبيَّن بوضوح أن الخط 23 هو خط مجحف بحق لبنان، وأعلن عن ذلك صراحة القاضي طارق المجذوب ممثل مجلس شورى الدولة والسفير جوني ابراهيم ممثل وزارة الخارجية حينها، وقد أكد ذلك أيضا أحد ضباط الجيش اللبناني الذي رسّم ما يُسمى اليوم بالخط 29 وبيّن في حينه، المساحة التي سوف يخسرها لبنان في حال اعتماد الخط 23، وعلى هذا الأساس تم تكليف المكتب الهيدروغرافي البريطاني UKHO للتدقيق بهذا الخط، حيث جاء تقرير هذا المكتب بتاريخ 17 اب 2011 يؤكد أن الخط 23 فيه عيوب ويقترح اعتماد أحد الخيارين للحدود البحرية الجنوبية تعطي لبنان مساحات إضافية جنوب هذا الخط منها ما يُسمى اليوم بالخط 29. إلا أنه للأسف لم يعرض هذا التقرير على جلسة مجلس الوزراء، ولو تم عرضه لكان هذا المجلس تبنى في المرسوم 6433 الذي صدر بتاريخ 1 تشرين الأول 2011 ما يُسمى اليوم الخط 29 بدلاً من تبنيه للخط 23، ولكُنّا اليوم في غنى عن المطالبة بتعديل هذا المرسوم. وهنا يُطرح  أيضا السؤال المُقلق التالي : من هو الموظف الذي لديه السلطة والصلاحية بمنع مجلس الوزراء من الاطلاع على هكذا تقرير يتناول السيادة والثروة البحرية التي هي ملك الشعب اللبناني؟

في العام 2012 وعلى الرغم من علم المعنيين بالملف أن للبنان حق في مساحات إضافية جنوب الخط 23 وذلك وفقاً لتقرير المكتب الهيدروغرافي البريطاني، شكلت لجنة مشتركة من الوزارات المعنية بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 75/2012 تاريخ 11/5/2012 لوضع تقرير مفصل حول الحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية. كان الهدف الحقيقي من تشكيل هذه اللجنة هو التراجع عن الخط 23 واعتماد خط هوف وبالتالي خسارة لبنان حوالي 350 كيلومتراً مُربّعاً من المساحة التي كان يُدعى أنه متنازع عليها والبالغة 860 كيلومترا مربّعاً، بدلاً من اعتماد الخط المقترح في التقرير البريطاني والذي يعيد الى لبنان مساحة تقدر بحوالي 1430 كيلومتراً مربّعاً من مياهه البحرية.

جاء في تقرير اللجنة المشتركة أن الطريقة المتبعة في ترسيم الخط 23 هي طريقة الخط العامودي على خط حيفا بيروت ومن الاسباب التي تم لأجلها اعتماد هذه الطريقة هو تأمين موقع متقدم للبنان في الدفاع عنه في حال التفاوض مستقبلاً على الحدود النهائية. وهذا ما يتناقض مع رواية لجنة 2009 التي اعتبرت أن الخط 23 رسم بطريقة خط الوسط الذي تكون كل نقطة على طول امتداده متساوية الأبعاد عن أقرب نقطة على خط الأساس للبنان والدولة المجاورة. كاد هذا التقرير أن يمر في جلسة لمجلس الوزراء قي اب 2012 لولا اكتشاف أمره من قبل بعض المتابعين لهذا الملف. ولو تمّ اقراره لكنا اليوم نفاوض بين خط هوف المُجحف وغيرِ المكتمل والخط الاسرائيلي رقم 1 لأنه حينها كان يُراد انتزاع موافقة لبنان على خط هوف قبل أن توافق عليه اسرائيل.

ما بين العام 2012 والعام 2013 نظّم العقيد الركن البحري مازن بصبوص بحثاً عسكريا وهو عبارة عن دراسة تقنية قانونية بيّن فيه أحقية لبنان باعتماد الخط 29 بدلا من الخط 23، واقترح بموجبه تعديل المرسوم 6433/2011 وانشاء مصلحة هيدروغرافيا في الجيش اللبناني وتزويدها بالمعارف والتقنيات اللازمة لإتمام ملف ترسيم الحدود البحرية وفقاً للمعايير الدولية. وتم إحالة هذا البحث من وزارة الدفاع الوطني الى وزارة الطاقة والمياه ومن ثم الى وزارة الاشغال العامة والنقل بموجب الكتاب رقم 8926/وتاريخ 3/12/2013 لإبداء الرأي، إلا أنه لغاية تاريخه لم يأتي الرد، ولم تتم ملاحقة الموضوع من قبل أي جهة رسمية. 

ما بين العام 2014 والعام 2015 تم انشاء مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش، وبعد متابعة ضباطها وعناصرها الدورات اللازمة وحصولها على التجهيزات الحديثة وبرنامج ترسيم الحدود البحرية المعتمد عالميا، تم مسح الشاطئ اللبناني في الناقورة وتم إعادة التدقيق في ترسيم الحدود البحرية الجنوبية. خلصت المصلحة المذكورة الى نتيجة اعتماد الخط 29.

في العام 2019 انهى الجيش اللبناني دراسة ملف ترسيم الحدود البحرية من الناحيتين التقنية والقانونية بالاستعانة بالخبير في ترسيم الحدود البحرية السيد نجيب مسيحي، وتم إحالة الملف الى مجلس الوزراء بموجب كتاب وزير الدفاع رقم 5918/غ ع/و تاريخ 27/12/2019، ومن ثم تمت احالته الى الوزارات المعنية لإبداء الرأي دون ملاحقة ودون تحديد مهلة محددة كالعادة لوجوب الرد.

في حزيران 2019 تم توجيه كتاب من وزارة الدفاع الوطني تحت رقم 1801/غ ع/و تاريخ 12/4/2019 الى مقام مجلس الوزراء لإعلام السلطات السياسية  بأن إسرائيل بدأت الحفر في حقل كاريش المتنازع عليه، وذلك لإجراء اللازم لوقف كافة الأنشطة البترولية في هذا الحقل وعدم البدء بها لحين الانتهاء من التوصل الى حل لمسألة الحدود البحرية الجنوبية التي يمكن أن تمتد الى هذا الحقل بالاستناد الى القوانين والأعراف الدولية، إلا أن هذا التقرير لم يعرض على أي جلسة لمجلس الوزراء، وبالتالي لا يُعرف من هو الموظف أو الجهة التي هي أهم من مجلس الوزراء والتي تبت بهذه الامور الاستراتيجية وتمنع هذا المجلس من لتخاذ القرار المناسب بشأنها؟

بعد تشكيل حكومة الرئيس حسان دياب، أعادت وزيرة الدفاع زينة عكر ارسال ملف ترسيم الحدود البحرية مع الاقتراحات التي تُعطي لبنان كامل حقوقه لاتخاذ القرار المناسب بشأنه خاصة لناحية تعديل المرسوم رقم 6433/2011 وفقاً لمصلحة لبنان العليا، وذلك بموجب الكتاب رقم 780/غ ع/و تاريخ 9/3/2020، إلا أنه لم يُعرض على المجلس وأحيل كالعادة الى الوزارات المعنية لإبداء الرأي دون ملاحقة ودون تحديد مهل. وقد أصبح واضحاً أن هذا الاسلوب هو المتبع في إضاعة الوقت وإضاعة الملفات الكبرى التي يجب أن تحال بأسرع وقت ممكن على مجلس الوزراء صاحب الصلاحية للبت بها واتخاذ القرارات المناسبة بشأنها.

في مطلع العام 2020، وعندما قرّر رئيس الجمهورية تكليف الجيش اللبناني بالاستعانة بالخبير نجيب مسيحي ومشاركة مستشار الرئيس عون حينها السيد طوني حداد إعادة درس الملف بكافة تفاصيله، تمّ التوصل الى قناعة تامة الى أن تعديل المرسوم 6433 وايداع الخط 29 الامم المتحدة، هو السبيل الوحيد لجلب الاسرائيلي الى المفاوضات وبالتالي استعادة الحقوق وبدء استثمار الثروة النفطية. وبالفعل تم التوصل الى إعداد نص تعديل المرسوم 6433 مع الخرائط والإحداثيات اللازمة والاسباب الموجبة، وكان من المقرر أن يعرضها رئيس الجمهورية على جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 21/7/2020، إلا أن أحداً ما تدخّل في صباح ذاك التاريخ وأقنع الرئيس عون بعدم عرضه على جلسة مجلس الوزراء من خارج جدول الاعمال، وبعد ذلك بأيام استقالت الحكومة بتاريخ 14 اب 2020 بسبب انفجار المرفأ.

في 5/9/2020 قرّر رئيس الجمهورية إرسال إحداثيات الخط 29 الى الأمم المتحدة بموجب رسالة كونه يتعذر إصدار مرسوم بسبب استقالة الحكومة، وتجدر الاشارة الى أن الأمم المتحدة لا تتدخل بالإجراءات الداخلية للدول في ترسيم حدودها البحرية وتقبل أن تودع لديها هذه الحدود بموجب أي مستند تراه هذه الدول مناسباً لها. وعلى سبيل المثال، فقد قبلت الأمم المتحدة إيداع اسرائيل لحدودها البحرية مع لبنان بموجب رسالة مرفق بها إحداثيات هذه الحدود. إلا ان رئيس الجمهورية لم يستطع إرسال هذه الرسالة التي وقّعها وتم نشر صورة موقعة عنها في الإعلام، وبالتالي أصبح واضحاً أن هناك من يتذرّع دائما بالشكليات لمنع لبنان اعتماد الخط 29 وإيداعه لدى الأمم المتحدة.
 

تبنّوا الخط 29 ثم ضيّعوه في الجوارير

الواقع أن المحاولات المتكررة لتعديل إحداثيات الخط 23 بالخط 29 وإيداعها الأمم المتحدة، جعل الإسرائيلي قلقاً وشاعراً بخطرٍ داهم ، مما دفعه للقبول بالجلوس الى طاولة المفاوضات في الناقورة، وعلى هذا الأساس وقعت الولايات المتحدة الاميركية اتفاق الإطار وأُعلن من قبل الرئيس نبيه بري بتاريخ 1 /10/ 2020 وحُدّد موعد بدء هذه المفاوضات بتاريخ 14/10/2020. حينها شكل رئيس الجمهورية وفداً مفاوضاً برئاسة العميد ياسين الذي اطّلع على تفاصيل الملف وخلفياته، فتبين له أنه في حال الذهاب الى المفاوضات دون موقف رسمي لبناني يتبنى الخط 29، سوف يخسر الوفد بسرعة في المفاوضات وسوف يستطيع الاسرائيلي الحصول على كامل حقل كاريش وعرقلة التنقيب في حقل قانا والبلوك 9 وفقاً لبيانات هيئة إدارة قطاع البترول الممثلة في الوفد المفاوض من قبل المهندس وسام شباط، حينها اقترح رئيس الوفد على فخامة الرئيس إصدار توجيهاته بهذا الشأن، فحصل التالي:

صدر بتاريخ 13/10/2020 بيان من رئاسة الجمهورية كلف بها الرئيس الوفد المفاوض ببدء المفاوضات غير المباشرة مع العدو الاسرائيلي انطلاقا من الخط 29 الذي رسّمته مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش اللبناني وفقاً للقانون الدولي. 

بدأت المفاوضات في الناقورة بتاريخ 14/10/2020 وتمّ إجراء 5 جولات كان أخرها بتاريخ 4/5/2021، وكان الخلاف الأساسي بين الجانبين يتمحور حول تحديد المنطقة المتنازع عليها، حيث كان الاسرائيلي يُطالب بحصرها بين الخط 1 والخط 23 المودعين لدى الامم المتحدة أي على مساحة 860 كلم مربع، بينما كان الوفد اللبناني يُطالب بعدم جواز حصر هذه المفاوضات بين خطين غير مُرسّمين وفقاً للمعايير الدولية وتشوبهما عيوبٌ كثيرة، وطالب بان يتم التفاوض والنقاش حول ترسيم هذه الحدود وفقاً لتقنيات الترسيم المعتمدة عالميا وبالاستناد الى القانون الدولي، ومن وجهة النظر اللبنانية في حال اعتماد هذا المعيار يؤدي ذلك الى ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين وفقاً لإحداثيات الخط 29. 

 اقتنع الوفد المفاوض بأن الاسرائيلي لن يعود الى طاولة المفاوضات في الناقورة، إلا في حال تم تعديل المرسوم 6433 وايداع إحداثيات الخط 29 لدى الأمم المتحدة وتهديد العمل في حقل كاريش الذي يقع نصفه ضمن الخط 29. تماماً كما يفعل هذا العدو بتهديد العمل في حقل قانا وفي بلوكات النفط اللبنانية الحدودية، ويمنع الحفر فيها، كون الابقاء على الخط 23 في الأمم المتحدة يُعطي الاسرائيلي كامل حقل كاريش وكل ما يريد من حقل قانا والبلوك 72 وكامل المساحة البالغة 1430 كيلومتراً مًربّعاً التي تقع جنوب هذا الخط، واكثر من ذلك يبقي النزاع داخل المياه اللبنانية في البلوك 8 والبلوك 9 مما يمنع شركات النفط من العمل في هذه البلوكات كما هو الحال حاليا مع شركة توتال. فلماذا يأتي العدو الى المفاوضات وهو حاصل على كل ما يريد بسبب عدم تعديل المرسوم 6433.

نظراً لأهمية تعديل المرسوم 6433 أعدت وزيرة الدفاع الوطني نص التعديل مع الخرائط وإحداثيات الخط 29 والأسباب الموجبة لذلك وأرسلته الى رئاسة الحكومة بموجب كتاب رقم 1096/غ ع/و تاريخ 23/3/2021، وبعد اجتماع الوفد المفاوض بتاريخ 8/4/2021 مع رئيس الحكومة حسان دياب بحضور وزيرة الدفاع زينة عكر، وزير الأشغال العامة والنقل ميشال نجار ووزير الخارجية والمغتربين شربل وهبة وإطلاعهم على أهمية التعديل، قرر رئيس الحكومة والوزراء المعنيين السير بالتعديل واعتماد الخط 29، وبالفعل وقع وزير الأشغال العامة والنقل بتاريخ 12/4/2021 المرسوم الذي يعدل المرسوم رقم 6433، وقام بعدها رئيس الحكومة بالطلب من رئاسة الجمهورية الموافقة الاستثنائية لإصداره كباقي المراسيم التي تمّ إصدارها في ظل حكومة تصريف الاعمال، فأتى الجواب بموجب كتاب من رئاسة الجمهورية  يرفض إعطاء الموافقة الاستثنائية بحجة أن هذا التعديل يتطلب عقد جلسة لمجلس الوزراء.

 هنا لا بُد من الإشارة الى أمر هام وقد يُفسّر الكثير هو أنه بعد طلب الموافقة الاستثنائية من رئاسة الجمهورية لإصدار التعديل، حضر مباشرة الى لبنان بتاريخ 14/2/2021 مساعد وزير الخارجية الأميركية حينها ديفد هيل، وتعرقل بعدها هذا الإصدار لأسباب ظاهرها شكلي وإنما هي بالحقيقة أعمق من ذلك.

ماذا فعلت حكومة ميقاتي؟

كان من المفترض عند نيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الثقة بتاريخ 20/9/2021، ونظراً لأهمية الموضوع كون الاسرائيلي يعمل بالليل والنهار لبدء إنتاج النفط والغاز من حقل كاريش ويعرقل عمل شركة توتال من الحفر في البلوك 9 وحقل قانا، ونظراً للأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها لبنان، أن تعمل هذه الحكومة مع رئيس الجمهورية الى وضع بند تعديل المرسوم 6433 على أول جلسة لمجلس الوزراء، كون السبب الوحيد الذي كان معلناً والذي كان يمنع التعديل هو عدم وجود حكومة مكتملة قادرة على إصدار هذا التعديل وفقاً لادعاءاتهم.

لمساعدة الحكومة بذلك تمت إحالةُ ملف التعديل من وزارة الدفاع الى وزارة العدل – هيئة التشريع والاستشارات، فأتى الجواب عند تشكيل هذه الحكومة أن الخط 23 تشوبه عيوبٌ كثيرة وبالتالي يجب تعديل المرسوم 6433 في مجلس الوزراء، إلا أنه وللأسف وكالعادة بقي هذا الرأي في أحد الجوارير ولم يصل الى مجلس الوزراء.

أحال الوفد المفاوض تقريراً مفصلاً بتاريخ 23/9/2021 الى الرئيس عون يحتوي على استراتيجية متكاملة للمرحلة المقبلة بشأن ملف ترسيم الحدود البحرية، ووفقاً لمصادر متابعة لملف الترسيم، أحال الرئيس عون هذا التقرير رسمياً الى رئيس الحكومة والى الوزارات المعنية لإجراء اللازم كل فيما خصّه. وإن اهم ما تضمنته هذه الاستراتيجية هو تعديل المرسوم 6433 وايداع الخط 29 الأمم المتحدة، كونه ورقة الضغط الوحيدة التي تُجبر العدو الاسرائيلي على العودة الى المفاوضات وحصول لبنان على كامل حقوقه في ثروته النفطية في المنطقة الاقتصادية الخالصة وبدء التنقيب في حقل قانا، وعدم ذلك سيسمح للإسرائيلي بالمماطلة وتضييع الوقت ليتسنى له متابعة العمل في حقل كاريش لحين تأتي سفينة الانتاج FPSO من سنغافورة وتبدأ باستخراج النفط والغاز من هذا الحقل دون عوائق.

 وهنا الأسئلة المُقلقة التي لا يجرؤ أحدٌ على الإجابة عليها؟

ماذا فعلت حكومة الرئيس ميقاتي لمنع العدو من ضرب كل المطالب اللبنانية عرض الحائط والذهاب الى حقل كاريش؟  ماذا فعل الرئيس عون الذي لديه صلاحية عرض أي بند على مجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال؟ من هو الذي منع مجلس الوزراء من الاطلاع على هذا الملف الاستراتيجي الحساس وأخذ القرار المناسب بشأنه؟ لماذا أعلنت رئاسة الجمهورية وكذلك وزير الخارجية والمغتربين أن الخط 23 هو الأساس وأن لا وجود للخط 29 ؟   هل تُعالج مثل هذه الملفات الحساسة والمهمة بالاكتفاء بردها الى الوزراء المعنيين عند تشكيل الحكومات والنوم عليها لحين تذكير رئاسة الحكومة بها من قبل بعض المحامين؟  هل يعتقد المسؤولون أنه بمجرد توجيه كتب دون تحديد مهل لرفع العتب عنهم يُعفيهم من مسؤولية عدم الملاحقة لإتمام ملف يتعلق بالسيادة الوطنية وحقوق الشعب اللبناني التي يغتصبها العدو الإسرائيلي؟ ثم ماذا فعلت الأحزاب والتيارات والقوى الأخرى للدفاع عن حقوق لُبنان فعليا؟ وماذا يفعل الرأي العام للضغط على مسؤوليه كي لا يبيعوا الثروة لأسباب انتخابية وسياسية وصفقات ورفع عقوبات أو لمصالح آنية بثمن بخس ومُذل؟ هل فعلت كل هذه الأطراف شيئا؟

طبعاً لا، ولذلك ينبغي فتح هذه الملفات اليوم قبل غدٍ، وعلى القضاء المعني أن يُلاحق ويُحاسب، وعلى النواب الجُدد أن يحملوا هذا الملف كأولوية وطنية أولا لان هذا حق لُبنان وقد يضيع، وثانيا لأنه يوفّر لفقراء هذا الوطن مالاً وفيرا يُنقذُهم من بؤسهم وينهض بالاقتصاد ولو بعد حين.

وقبل كل ذلك، فان ثمة فرصة أخيرة اليوم، لعرض هذا الملف على أخر جلسة لمجلس الوزراء قبل فوات الأوان كون سفينة الانتاج FPSO التي ستستخرج النفط والغاز من حقل كاريش أصبحت الآن في البحر الأحمر آتية من سنغافورة وستصل بعد أيام قليلة الى هذا الحقل، عندها تكون الحكومة اللبنانية في حالة تصريف الأعمال، وسوف يتم الادعاء مجدداً أن الموضوع يتطلب حكومة فاعلة لتتمكن من أخذ هكذا قرار مهم.

ما لم يحصُل أي شيء الآن فان العدو الإسرائيلية سينتقل بعدها الى الخطوة الثانية بعد بدء استخراج النفط والغاز من حقل كاريش، وهي تلزيم البلوك 72 وبدء الحفر في حقل قانا في القسم الذي يقع جنوب الخط 23 ما دام هذا الخط مودعاً رسمياً من قبل لبنان في الامم المتحدة، وهكذا يكون الاسرائيلي استطاع نقل المعركة الى مياهنا وتهديد ثروتنا النفطية ونحن نتباهى برفع المسؤولية برد الملفات واحالتها من وزارة الى وزارة ولأسباب شكلية لا تنطوي على أحد وتستخف بعقول المواطنين اللبنانيين.

متى يصحو ضمير المسؤولين، ولمصلحة مَن نبيعُ ثروتنا الوطنية بأبخس الأثمان لعدو جائر؟

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram