لم يتمكن وليد جنبلاط من استمالة الأصوات السنّية المحسوبة على تيار المستقبل في إقليم الخروب. هذا ما بدا واضحاً في عدم حصول النائب بلال عبد الله على أصوات تفضيلية تفوق تلك التي حصل عليها في 2018. فيما سجّل وئام وهاب خرقاً في الساحة السنّية بحصوله على أكثر من 3500 صوت تفضيلي. وكرّست الجماعة الإسلامية لنفسها حيثيّة شعبية تجلّت بحصول مرشحها على أكثر من 5000 صوت
لم يتعامل وليد جنبلاط مع إقليم الخروب إلا كحديقة خلفية لزعامته الدرزيّة، وخزان بشري ينهل منه متى شاء. تقصّد أن تكون المختارة مفتاح مسرب الأوكسيجين لأكثر من 35 بلدة سنّية وشيعية ومسيحيّة. لذلك، حرمها من الحصول على مركزيتها الإداريّة بحدودها الأدنى كإنشاء مركز معاينة ميكانيكية ومركز استصدار سجلات عدلية وسجلات عقارية...
هكذا كان لزاماً على أهالي الإقليم الذين يتعدّون الـ 90 ألفاً التوجّه إلى بيت الدين، تماماً كما يتوجهون إلى المختارة للحصول على بنى تحتية وخدمات استشفائية وتوظيفات في الدوائر الرسمية والسلك العسكري والقضائي، وفرص عمل في المؤسسات الخاصة.
كان قصر المختارة مفتوحاً لهم، لكن الآذان لم تكن دائماً صاغية. ليس السبب دوماً تقصّد جنبلاط تهميشهم، بل المحاصصة التي منعته أيضاً من تلبية مطالب الإقليم ذي الغالبية السنّية. وعليه، كانت إجابة «البيك» حثّ زائريه على طرق أبواب بيت الوسط باعتبارهم من حصة الأخير. في المقابل، لم يكن سعد الحريري يعيرهم اهتماماً كبيراً باعتبارهم من حصة جنبلاط. لذلك، أخذ منهم مقعداً «طوّبه» لمحمد الحجار من دون أن يعطيهم في المقابل الكثير.
وهكذا، بقي أهالي الإقليم ضائعين بين المختارة وبيت الوسط، من دون أن يجدوا هويةً سياسيةً بديلة. من ليس من العائلات الجنبلاطية التقليديّة، وتحديداً من «الشمعونيين» القدامى، استمالتهم الحريريّة السياسية، باستثناء جزء كان إما صامتاً أو قرّر الذهاب باتجاه شخصية ناصرية كزاهر الخطيب، أو وسطية تؤمن له الخدمات كناجي البستاني الذي نجح في «تعليق النجوم» لأكثر من 50 ضابطاً من أبناء الإقليم.
رغم ذلك، كانت لتحالف جنبلاط - الحريري الأكثرية الساحقة من الناخبين. من كان عاتباً على جنبلاط أعطى صوته للائحة إكراماً للحريري. هذا ما حصل خلال 16 عاماً، إلى أن علّق رئيس تيار المستقبل عمله في الحياة السياسية. هذا الخروج سلخ أهالي الإقليم عن التيّار الذين كانوا من أجله يُشاركون في عملية الاقتراع والمهرجانات الشعبيّة وحتى إقفال الطرقات.
وإذا كان نصف المسؤولين المستقبليين قد انخرطوا في الماكينات الانتخابية، وبعضهم بشكل علني، فإنّ المناصرين بغالبيتهم رفضوا المقاطعة ليشارك نحو نصف ناخبي إقليم الخروب في الانتخابات. الخيار كان صعباً. لسان حالهم من لسان الحريري الذي طُعن من جحر الحلفاء، وتحديداً جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. وعليه، لم يكن سهلاً أن يحمل هؤلاء لائحة «الشراكة والإرادة» لإسقاطها في صناديق الاقتراع.
الـ 13 ألف صوت سني التي راهن عليها جنبلاط لم ينجح في استمالتها. معظمهم لم ينتقلوا إلى ضفّته بسهولة، هذا ما ظهر بشكلٍ واضح من الأرقام التي حصل عليها بلال عبد الله (لم يسجّل رقماً أعلى من ذلك الذي حصل عليه في 2018) وسعد الدين الخطيب (3200 صوت تفضيلي) في القرى السنّية، رغم أن الأخير كان يُقدم نفسه باعتباره وكيلاً شرعياً للحريري!
فعلياً، تحرّر «بلوك المستقبل» من الحريري وجنبلاط على حدّ سواء. النقمة على تهميش سنّة الإقليم كانت نتيجتها في صناديق الاقتراع. الخيار أمامهم كان إما رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب أو قوى التغيير أو الجماعة الإسلامية. فوز حليمة القعقور بـ 6700 صوت ليس إلا خروج سنّة الإقليم رسمياً من العباءة الجنبلاطيّة ومن تحكّم الأحزاب بهم على مدى 30 عاماً. ليس تفصيلاً أن تحصل مرشحة تعرّف عليها أهالي الإقليم منذ أشهرٍ قليلة على أقل بألف صوت فقط من نائب يجلس على مقعده منذ 4 سنوات ويُقدم لهم خدمات استشفائيّة. وهذا ما يوحي بأن الحديث عن غضبٍ جنبلاطي على عبد الله في محله. البعض يشير إلى أن زعيم المختارة يُردّد بأنه وضع بين يدي ابن شحيم مدخرات مالية وفتح أمامه أبواب مستشفى عين وزين ومستشفى سبلين لتقديم الخدمات لأهل الإقليم على مدى 4 سنوات، من دون أن تأتي بنتيجة، وكاد المرشح على لائحة «توحّدنا للتغيير» عماد سيف الدين أن يطيحه في اللحظات الأخيرة.
وحدها الأصوات التي حصل عليها عبد الله في شحيم يُمكن أن يقّدمها للمختارة بـ«قلبٍ قوي». 3000 صوت من مسقط رأسه، حمته من السقوط، ولو أنه كان يُراهن على أكثر منها بعد انسحاب الحجّار الذي حصل على 3000 صوت في شحيم في 2018. وعليه، يقول متابعون إن الرجل خسر من شحيم الكثير من الأصوات وعوّضها من جيب المستقبل، إذ إنّه حصل في 2018 على 2700. فيما تمكّن من إلحاق الهزيمة بمرشح جمعية المشاريع الخيريّة أحمد نجم الدين ونجح في منعه من الحصول على أكثر من 550 صوتاً في مسقط رأسه. أما في المناطق الأُخرى فكان تراجع عبد الله واضحاً: دلهون (228)، مزبود (233)، حارة الناعمة (186)، كترمايا (493)... حيث صبّت الأكثرية فيها لمصلحة القعقور، باستثناء كترمايا التي انتخب منها 632 ناخباً مرشح الجماعة الإسلامية محمد عمّار الشمعة.
ويُمكن القول إنّ مروان حمادة حارب عبد الله في عقر داره وغرف من صحنه، ولو أن البعض يتّهمه بعمليات شراء الأصوات داخل القرى السنّية. وما حصل مع حمادة تكرّر أيضاً مع سعد الدين الخطيب الذي خسر من برجا 500 صوت صبّت لمصلحة حمادة في سابقة غير معهودة. وليست برجا وحدها التي سجّلت رقماً مستغرباً لمصلحة حمادة، وإنما أيضاً: كترمايا (418)، الزعرورية (131)...
وهاب يتصدّر
في المقابل، فإن هزيمة وئام وهاب للمقعد النيابي كانت ربحاً صافياً له في البلدات السنيّة. رقمٌ صعب تمكّن رئيس حزب التوحيد العربي من تسجيله يقدّر بأكثر من 5000 صوت، منها 3500 صوت سني رغم الخطاب المذهبي الذي استخدمته لائحة «الشراكة والإرادة». في مسقط رأس بلال عبد الله، دخل وهاب ليحصد أكثر من 780 صوتاً، مع وجود مرشح سني على اللائحة نفسها هو نجم الدين، علماً بأن المنضوين في سرايا المقاومة في شحيم لا يتعدى عددهم الـ 300.
أما في برجا، فكان الرقم الأعلى على الإطلاق بحصول وهاب على 1200 صوت مقابل 1700 لمرشح برجا سعد الدين الخطيب، فيما حصلت لائحة الجبل في برجا على أكثر من 2500 صوت.
يدرك وهاب الذي وجّه تحية لبرجا عبر «تويتر» أن هذا الرقم لم يكن ليُسجّل لولا الجهود التي قام بها اللواء علي الحاج الذي حوّل منزله إلى خلية نحل تعمل لمصلحة وهاب على حساب المرشح البرجاوي أسامة المعوش. وفي كترمايا أيضاً، التي افتتح فيها وهاب أخيراً مركزاً لحزبه، استطاع أن ينال 268 صوتاً مقابل 418 لمصلحة عبد الله.
يبدو وهاب راضياً على حلفائه، عكس ما حصل في عام 2018، إذ صبّت الأصوات الشيعية المحسوبة على حزب الله والتي تقدّر بنحو 1600 لمصلحته، فيما حركة أمل وزّعت أصواتها بينه (بنسبة قليلة) وبين ناجي البستاني وبلال عبد الله.
لم يكسر رئيس مجلس النواب نبيه بري الجرّة مع جنبلاط، وتمكّن من رفده بـ«بلوك شيعي». هذا ما ظهر بشكلٍ واضح في الوردانية ذات الغلبة الشيعية المحسوبة على حزب الله وحركة أمل (باستثناء حيّ سنّي واحد)، إذ حصلت لائحة الشراكة والإرادة على 643 صوتاً (582 لبلال عبد الله) ولائحة الجبل على 774 صوتاً (590 لوهاب و79 لناجي البستاني).
أما الجماعة الإسلامية فتمكّنت من تسجيل رقمٍ يُمكّنها من خوض الانتخابات النيابية بأريحية في الاستحقاق المقبل بعدما أثبتت أنّها كتلة وازنة في الإقليم وذلك بتسجيل مرشحها محمد عمار الشمعة وحده 5119 صوتاً من دون أن يتمكن حلفاؤه من الحصول على أكثر من 330 صوتاً تفضيلياً، ما حرم لائحة «سيادة وطن» من تسجيل حاصل.
وكان لافتاً أن يحصل الشمعة على 1738 صوتاً في شحيم، مسقط رأس عبد الله والتي خاض أهلها استحقاقهم بطابعٍ عائلي، فيما بلدة الشمعة (برجا) لم تعطه رقماً أكبر (1363). وأثبتت الجماعة حضورها الفاعل في كترمايا (632 صوتاً)، وداريّا (378) ودلهون وعانوت (أقلّ من 170).
أما على الصعيد المسيحي، فأعاد حزب القوات اللبنانية عملية الاستفتاء على شعبيته، معتقداً بأنها قد تكون أعلى من تلك التي سجّلها في عام 2018. لكن حسابات الحقل لم تنطبق على حسابات البيدر، إذ تمكّنت من الحصول على رقمٍ مشابه. فيما المفارقة حصول المرشحة على لائحة توحّدنا للتغيير نجاة عون على رقم متقارب مع النائب جورج عدوان، بفارق نحو 1500 صوت!
أما التيار الوطني الحر فاستطاع الحصول على مقعد إضافي في الشوف هو المقعد الكاثوليكي عبر غسان عطا الله بحصوله على 5698 صوتاً، بالإضافة إلى نحو 4300 حصل عليها فريد البستاني، وكانت المفارقة بحصول البستاني على أكثر من 700 صوت في البلدات السنّية.
نسخ الرابط :