عرفت مكاتب الاقتراع في لبنان إقبالا ضعيفا الأحد، في أول انتخابات تشهدها البلاد عقب سلسلة من الأزمات من بينها انهيار اقتصادي حاد وانفجار كارثي في بيروت، ما يترجم حسب مراقبين، إحباط اللبنانيين.
وسعت أطراف سياسية لتمديد فتح صناديق الاقتراع حتى الساعة التاسعة ليلا عوض السابعة مساء، إلا أن رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي رفض ذلك، معتبرا أن الخطوة مخالفة للقانون. وبلغت نسبة المشاركة في الاقتراع 32 في المئة قبل ساعتين من غلق صناديق الاقتراع.
وقال ميقاتي “هناك ضغط لتمديد فتح صناديق الاقتراع حتى التاسعة مساء وهذا مخالف للقانون، ونصرّ على إقفال الصناديق الساعة السابعة مساء وفق القانون”. وأضاف “نتمنى أن تنتج الانتخابات مجلس نواب جديدا لانتشال لبنان من أزمته الحالية”.
وتتنافس في الانتخابات 103 قوائم انتخابية تضم 718 مرشحا موزعين على 15 دائرة انتخابية لاختيار 128 نائبا في البرلمان الذي ينتخب أعضاؤه بدورهم رئيس البلاد.
ويبلغ عدد الناخبين 3.9 ملايين، بينهم 225 ألف ناخب في الخارج أدلوا بأصواتهم الأسبوع الماضي.
وتأتي هذه الانتخابات كأول اختبار حقيقي لمجموعات معارضة ووجوه شابة أفرزتها احتجاجات شعبية غير مسبوقة في أكتوبر 2019 طالبت برحيل الطبقة السياسية.
وفي المقابل يتوقع محللون ألا تغير الانتخابات المشهد العام في ظل قانون انتخابي يستند إلى النظام النسبي واللوائح المقفلة وخصوصا بعد فشل الأحزاب المعارضة والمجموعات الناشئة في الانضواء ضمن لوائح موحدة.
ويُرجّح هؤلاء أن تُبقي هذه الانتخابات الكفة لصالح القوى السياسية التقليدية التي يُحمّلها كثر مسؤولية الانهيار الاقتصادي المستمر في البلاد منذ أكثر من عامين. لكن رغم غياب الموارد المالية وضعف الخبرة السياسية، تراهن أحزاب ومجموعات معارضة على تحقيق خروقات في عدد من الدوائر.
ويتوقع محللون أن يحتفظ حزب الله وحركة أمل بالمقاعد المخصصة للطائفة الشيعية (27 مقعدا)، لكنهم لا يستبعدون أن يخسر حليفه المسيحي الأبرز، أي التيار الوطني الحر، عدداً من مقاعده بعدما حاز وحلفاؤه بـ21 مقعداً عام 2018.
ويضمّ البرلمان 128 نائباً. والغالبية في المجلس المنتهية ولايته هي لحزب الله وحلفائه وأبرزهم التيار الوطني الحر الذي يتزعمه رئيس الجمهورية ميشال عون وحركة أمل برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري الذي يشغل منصبه منذ 1992.
وخاض عدد كبير من المرشحين الانتخابات تحت شعارات “سيادية” منددة بحزب الله الذي يأخذون عليه انقياده وراء إيران وتحكّمه بالبلاد نتيجة امتلاكه لترسانة عسكرية ضخمة. ويطالبون بحصر السلاح بيد الجيش اللبناني. وبين المرشحين المعارضين من يحمل الشعارات نفسها.
وساهمت الأزمات والتدهور المعيشي في إحباط شريحة واسعة من اللبنانيين الذين هاجر الآلاف منهم خلال السنتين الماضيتين.
ورغم النقمة التي زادتها عرقلة المسؤولين للتحقيق في انفجار مرفأ بيروت بعد الادّعاء على نواب بينهم مرشحان حاليان، لم تفقد الأحزاب التقليدية التي تستفيد من تركيبة طائفية ونظام محاصصة متجذر قواعدها الشعبية التي جيّشتها خلال الحملة الانتخابية.
والأسبوع الماضي أدلى 63 في المئة من المغتربين المسجّلين الذين يُعوّل المستقلّون عليهم بأصواتهم.
وفي حين تبدو الانتخابات فرصة جديدة أمام الطبقة السياسية لإعادة إنتاج ذاتها والحصول على دعم دولي، يعرب مراقبون عن اعتقادهم أن الانهيار الاقتصادي المستمر في لبنان هو المحرك الرئيسي للتغيير في البلاد، وأن الآثار السياسية والاجتماعية والأمنية الأخرى ناجمة غالباً عن تلك الأزمة.
ويضيف هؤلاء “يُرجّح أن تستمر هذه الأزمة بلا هوادة، وأن تعيد تشكيل المجتمع والسياسة في البلاد مع تقدمها”.
واستنفرت الأحزاب التقليدية قواعدها الشعبية، وانتشر مندوبوها بكثافة أمام مراكز الاقتراع التي وقعت في بعضها صدامات بين مناصرين حزبيين، أبرزها بين مناصري حزب الله ومناصري أبرز خصومه حزب القوات اللبنانية.
وعلى غرار انتخابات سابقة، استقدم مندوبو أحزاب عدة مسنين أو مرضى حملوهم على كراس أو حتى حمالات للإدلاء بأصواتهم.
ووثقت الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات (لادي) التعرّض لمندوبيها في مناطق عدة بالتهديد أو الضرب، الجزء الأكبر منها في مناطق تحت نفوذ حزب الله.
ونشرت الجمعية صوراً ومقاطع فيديو تظهر مندوبين لحزب الله وحركة أمل يرافقون الناخبين خلف العازل في بعض الأقلام الانتخابية بشكل مخالف للقوانين.
وأوقفت القوى الأمنية مندوب لائحة معارضة في حارة حريك جنوب بيروت لشتمه الرئيس ميشال عون أثناء خروجه من مركز الاقتراع. كما نشرت “لادي” مقطع فيديو قالت إنه يظهر “اعتداء مناصرين لحزب الله وحركة أمل” مرددين شعارات “صهيوني” على واصف الحركة، أحد أبرز المرشحين المعارضين قرب بيروت.
وجرت الانتخابات في غياب أبرز مكون سياسي سني بزعامة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي أعلن عن مقاطعة الاستحقاق بعدما احتل الواجهة السياسية سنوات طويلة إثر مقتل والده رفيق الحريري في 2005.
وسجلت معاقل رئيسية للحريري إقبالاً متدنياً أبرزها في دوائر الشمال، إذ سجلت مدينة طرابلس نسبة 20.9 في المئة عصراً. وفي منطقة طريق الجديدة، معقل تيار المستقبل في بيروت، وضع شبان برك سباحة اصطناعية في وسط الطرقات تعبيراً عن مقاطعتهم للانتخابات.
ويعاني لبنان من انهيار اقتصادي صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ 1850. وبات أكثر من ثمانين في المئة من السكان تحت خط الفقر وخسرت الليرة اللبنانية أكثر من تسعين في المئة من قيمتها أمام الدولار، ولامس معدل البطالة نحو ثلاثين في المئة. كما يعاني من شح في السيولة وقيود على السحوبات المالية من المصارف وانقطاع في التيار الكهربائي معظم ساعات اليوم.
كما تأتي الانتخابات بعد نحو عامين على انفجار الرابع من أغسطس 2020 الذي دمر جزءا كبيرا من بيروت وأودى بحياة أكثر من مئتي شخص وتسبّب بإصابة أكثر من 6500 آخرين. ونتج الانفجار، وفق تقارير أمنية وإعلامية، عن الإهمال وتخزين كميات ضخمة من مواد خطرة تدور تحقيقات حول مصدرها، من دون أي إجراءات وقاية.
ولا تزال عائلات ضحايا الانفجار تنتظر إلى اليوم محاسبة المسؤولين عن الانفجار، في ظل عرقلة الطبقة السياسية الحاكمة، خاصة حزب الله، لمسار التحقيق رغم أن المحقق العدلي في الانفجار طارق بيطار لم يوجه اتهاما للحزب أو أحد قياداته.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :