فجأة وبلا سابق إنذار، إصطدم الواقع الداخلي المأزوم في كلّ مفاصله السياسية، والاقتصادية والمالية والمعيشية، التي أُضيف اليها في الايام الاخيرة، شحّ في الأساسيات والمواد الغذائية الضرورية لحياة الناس واستمرارهم، باستفاقة متأخّرة على "الميغاسنتر"، وفي المساحة الزمنية الضيّقة الفاصلة عن موعد إجراء الانتخابات النيابية بعد 65 يوماً.
بمعزل عمّا أثارته هذه الاستفاقة المتأخّرة عن موعدها الطبيعي من غبار والتباسات في المشهد السياسي العام، وعن موقف هذا الطرف او ذاك منها، لا يختلف عاقلان على أهمية إقامة "الميغاسنتر"، وضرورتها، في تمكين النّاخبين من ممارسة حقّهم الانتخابي في اماكن سكنهم، دون ان يتكبّدوا أعباء الانتقال إلى اماكن قيدهم في مدنهم وقراهم. علماً أننا إذا ما عدنا الى الذاكرة اللبنانية قليلاً، سنجد أنّ هذا الأمر الذي يريّح الناس بالتأكيد، هو مطلب قديم يعود إلى سنوات، إلّا أنّه عُطّل عن قصد أو عن غير قصد، ولم يوضع على سكّة التطبيق.
إلّا أنّ هذه الإستفاقة اليوم، تحمل على طرح سؤال مباشر: لماذا الآن وفي هذا التوقيت بالذات؟
رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أثار هذا الأمر، مدعّماً طرحه لها في هذه الفترة، باعتبار "الميغاسنتر" إجراء شديد الأهمية، يخدم من جهة العمليّة الديموقراطية ويزيد من إقبال الناخبين على الإقتراع، ومن جهة ثانية يوفّر على المواطنين كلفة انتقالهم إلى أماكن قيدهم، في زمن الشّح المالي والارتفاع المتصاعد في أسعار المحروقات. مع الإشارة الى انّ سعر صفيحة البنزين قفز بالأمس الى الـ450 الف ليرة، ومن الآن وحتى يوم الانتخاب في 15 ايار، لا احد يستطيع ان ينجّم قفزات صفيحة البنزين والسعر الذي سترسو عليه، هذا إذا بقي في امكان المواطن ان يشتريها، سواء لاستخدامه الشخصي او للانتقال الى مكان قيده لممارسه حقه بالاقتراع؟!.
ما بعد طرح رئيس الجمهورية، ارتسمت في المشهد الداخلي الصورة التالية، حيث انّ أصداءه لم تكن بالإيجابية التي توخاها رئيس الجمهورية، ذلك انّ النتيجة الفورية له، انّه شكّل من جهة نقطة خلافية في لحظة تصفها مصادر مسؤولة لـ"الجمهورية"، "بأنّها الأسوأ التي يعيشها لبنان، والتي تفرض عدم إلهاء الداخل بطروحات لا طائل منها، ومشكلات جانبية وما تخلقه من تشنجات اضافية على واقع متشنّج أصلاً، بل تفرض ان تنصّب الاهتمامات والاولويات في اتجاه احتواء التداعيات، وخصوصاً تلك التي تأتّت والتي قد تتأتّى على كل العالم ومن ضمنها لبنان، جراء الحرب الروسية- الاوكرانية".
وأما من جهة ثانية، فقد زرع الطرح، لدى بعض المستويات السياسية والوزارية والنيابية ولدى المعنيين بالاستحقاق الانتخابي، تشكيكاً بمقصد رئيس الجمهورية ومن خلفه تياره السياسي، حيث ذهب البعض الى اتهامه بالسعي الى طرح تعجيزي منسّق مع حليفه "حزب الله" بهدف تعطيل اجراء الانتخابات، لتجنّب الخسارة الحتمية لتياره السياسي فيها. وذهب بعض آخر الى أبعد من ذلك بالقول، انّ الهدف هو تطيير الانتخابات النيابية كمقدمة لتطيير الاستحقاق الرئاسي. وامّا البعض الثالث، فأدرج طرح عون في سياق لعبة شعبوية تستجدي شعبية يحتاجها تياره السياسي في الانتخابات.
وفي الجانب الآخر لهذه الصورة، تراكمت مجموعة كبيرة من الاسئلة من دون ان تتلقّى أجوبة مقنعة، وجاء بعضها على ألسنة مسؤولين وسياسيين ووزراء، ولاسيما حول سبب تأخّر رئيس الجمهورية في طرح موضوع "الميغاسنتر" إلى الآن، وأي هدف يرمي إليه في هذا الوقت الضيّق".
في هذا السياق، أكّدت مصادر وزارية لـ"الجمهورية": "اجزم انّ لا احد ضدّ "الميغاسنتر"، الّا انّ توقيت طرحه الآن، أثار "نقزة" لدى معظم المكونات السياسية، حيث انّه كان هناك متّسع من الوقت، أشهر لا بل سنة، أمام رئيس الجمهورية لإثارة هذا الأمر، لكنه لم يبادر الى ذلك، فثمة محطات كثيرة كانت مناسبة جداً، حيث كان في الإمكان طرح هذا الامر أقلّه عندما نوقش القانون الإنتخابي في جلسات اللجان النيابية في تشرين الأول الماضي، وبعدها في جلسة الهيئة العامّة لمجلس النوّاب التي أقرّت التعديلات على القانون الانتخابي الحالي، وبعدها حينما ردّ رئيس الجمهورية القانون كما أقرّه مجلس النواب ببعض التعديلات، حيث لم يأتِ في ردّه على ذكر "الميغاسنتر، بل طلب إعادة النظر فيه، محدّداً اسباب الردّ بأربعة: الاول، "التعديلات الجديدة التي اعتبر رئيس الجمهورية انّها تجاوزت مجرّد توصية، بل تمّ فرضها بصورة استثنائية ولمرة واحدة على الانتخابات". والثاني، "تقصير المهلة الدستورية لإجراء الانتخابات، حيث اعتبر عون انّ التقصير يعرّض العملية الانتخابية لإحجام ناخبين عن الاقتراع لأسباب مناخية ولوجستية عدة"، والثالث، "إجراء الانتخابات في آذار، حيث اعتبر عون انّه يقصّر مهلة تسجيل الناخبين غير المقيمين، ويحول دون تمكنهم من ممارسة حقهم السياسي بالاقتراع لممثلين مباشرين لهم". واما السبب الرابع، فهو انّ "التعديلات تحرم 10685 مواطناً ومواطنة من جميع الطوائف حق الانتخاب، لكونهم لن يبلغوا سن الـ21 عاماً في حلول شهر آذار 2022".
انقسام: كما بات واضحاً، فقد شكّل طرح "الميغاسنتر" في هذا الوقت، عامل انقسام داخلي آخذاً في التفاعل، وتجلّى ذلك بداية في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء، بعدما تبيّن انّ إقامة "الميغاسنتر" اصطدم بضيق الوقت، وبمانع تقني ولوجستي، وفق ما ورد في تقرير وزير الداخلية بسام مولوي، لجهة وجود استحالة لتلبية المتطلبات التقنية واللوجستية لتحقيق هذا الامر في الفترة الفاصلة عن موعد الانتخابات، فيما هو يحتاج الى أكثر من 4 أشهر، فضلاً عن الحاجة الى تعديل للقانون الانتخابي الحالي. ويُضاف الى ذلك، الكلفة المالية التي تقارب الـ 6 ملايين دولار، في وقت تعاني الخزينة أسوأ لحظات افلاسها.
وبناءً على الأجواء السياسية التي شحنها هذا الطرح، فإنّ جلسة مجلس الوزراء المقرّرة اليوم في القصر الجمهوري في بعبدا، تبدو ملفوحة بالتشنج سلفاً، وخصوصاً انّ طرح رئيس الجمهورية لم يسرْ على النّحو الذي يريده رئيس الجمهوريّة، بوضعه حيّز التّنفيذ دون التذرّع بأيّة أسباب تعيقه وتمنع من تحقيقه. وغيوم التشنّج في جلسة مجلس الوزراء اليوم، راكمتها الأجواء التي سادت في الساعات الاخيرة، وظهرت فيها لجنة وزارية مع طرح الرئيس، ولجنة وزارية تلك التي تشكّلت في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء، منقسمة على نفسها ولم تتوصل الى أي نتيجة تخدم إجراء "الميغاسنتر"، حيث أنّ الرأي الغالب فيها مقتنع بتقرير وزير الداخلية. وهو ما تجلّى في اجتماع اللجنة الوزارية التي انقسم فيها الرأي بين فريق يصرّ على انّ الإمكانية متاحة لإقامة "الميغاسنتر" في فترة زمنية قياسية لا تزيد عن شهر الى شهر ونصف، شرط توفّر الإرادة لإقامتها، وفريق لا يعارضها من حيث المبدأ، انما هو يأخذ بتقرير وزير الداخلية، الذي يتمسك بمضمونه، باعتباره يعكس حقيقة ما يمنع تحقيق هذه الخطوة الإصلاحية الضرورية للمواطنين وللانتخابات في آن معاً، حيث انّ ثمة ثلاث عقبات تعترضه: قانونية ولوجستية ومالية.
رمي الكرة على المجلس؟ وعلى الرغم من التناقض بين أعضاء اللجنة حول إمكان تجاوز ما سُمّيت بالمعوقات التقنية واللوجستية ضمن المهلة الفاصلة عن موعد الانتخابات، يعكس بعض أعضاء اللجنة الوزارية، انّ جلسة اليوم قد تفضي الى مخرج بإحالة الامر الى مجلس النواب، من خلال مشروع قانون يرمي إلى تعديل قانون الانتخابات، عبر النص صراحة على "الميغاسنتر" وإمكان اقتراع الناخبين خارج أمكنة قيدهم.
الّا انّ هذا الأمر، كما تقول مصادر وزارية لـ"الجمهورية"، "ليس نهائياً حتى الآن، ذلك انّ المتحمسين لـ"الميغاسنتر" يعتبرون انّ إقامتها لا تستوجب تعديلاً للقانون، وهو ما يخالفهم به معظم الوزراء، وعلى وجه التحديد وزير الداخلية، الذي اكّد صراحة انّه لا يمكن السّير بـ"الميغاسنتر" إلّا بتعديل القانون الإنتخابي".
من هنا، تؤكّد المصادر عينها، أنّ اجواء جلسة اليوم ملبّدة، وكلّ الاحتمالات واردة. فالنية بإرسال مشروع قانون الى مجلس الوزراء موجودة، وهو ما سيتوضّح في مجلس الوزراء، الذي قد يلجأ الى حسم الأمر بالتصويت، والتصويت في هذا الامر يحتاج الى ثلثي اعضاء الحكومة، فهل هذه الأكثرية موجودة؟ الجواب بالتأكيد لا يمكن حسمه قبل انعقاد مجلس الوزراء؟
الى ذلك، وطالما انّ كل الاحتمالات واردة في ما خصّ موضوع "الميغاسنتر"، فإنّ وصول مشروع قانون متعلق بها الى مجلس النواب ممكن. الّا انّ السؤال: هل يكون طريقها متيسراً، ويمكن إقرار المشروع، وبالتالي تطبيقها ضمن الفترة السابقة لموعد الانتخابات؟
مصادر مجلسية اكّدت لـ"الجمهورية"، انّها لا تعلّق على هذا الموضوع طالما المجلس ليس معنياً بهذا الامر حتى الآن.
الاّ انّ المصادر سألت عن العامل الزمني، هل هو كافٍ؟ وقالت: "لنفترض انّ الامور سارت بشكل انسيابي من دون أي مطبات او عراقيل، وتقرّر إحالة مشروع قانون متعلق بـ"الميغاسنتر" الى مجلس النواب، فلنذهب الى المدى الأبعد في التفاؤل، فالباقي من عمر الولاية المجلسية الحالية 63 يوماً، ننقص منها يوماً لانعقاد مجلس الوزراء وإقرار المشروع وإحالته الى مجلس النواب. وننقص يوماً مع تسلّم المجلس المشروع، وإحالته من قِبل رئيس المجلس النيابي الى اللجان النيابية المختصة. وننقص يوماً لطباعة مشروع القانون وتوزيعه على أعضاء اللجان. وننقص يوماً لانعقاد جلسة اللجان لدرس المشروع واقراره في جلسة واحدة. وننقص يوماً لتحديد رئيس المجلس جلسة تشريعية لإقرار المشروع. وننقص يوماً مع إحالة رئيس المجلس المشروع الى الحكومة لنشره في الجريدة الرسمية".
ومع نفاذ المشروع، تضيف المصادر، "ننتقل الى مرحلة التنفيذ، وهذا يستدعي اولاً تحديد الشركة التي ستنفّذ هذا الامر، من خلال استدراج عروض (مناقصة)، هنا ننقص يوماً. ثم ننقص يوماً مع تقديم الشركات طلباتها وعروضها، ويوماً لفضّ العروض. وبعد ان يرسو الخيار على شركة معينة، لنفرض انّ ذلك يستغرق يوماً او يومين لتجهيز الشركة نفسها لبدء العمل، ما يعني انّ مجموع الأيام المهدورة 10 ايام، يبقى 53 يوماً، ويفترض بالشركة ان تنجز عملها بالكامل قبل اسبوع من يوم الانتخاب، فيصبح الباقي 46 يوماً. فهل يمكن إتمام هذه المسألة التقنية المعقّدة بشهر ونصف، في وقت يؤكّد وزير الداخلية في تقريره انّ إنجاز هذا الامر يتطلب أكثر من اربعة اشهر؟".
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :