لم يعد أي سيناريو لمصير البلد مُستبعداً في ظلّ الانهيار الذي لم يصل بعد لا إلى حدّ ولا إلى القعر، في وقتٍ لا حلول في الأفق حتى لأبسط مقومات العيش، وأوّلها الكهرباء، خصوصاً أنّ المجتمع الدولي لن يساعد الدولة قبل أن تجري الإصلاحات التي يطالب بها، فيما السلطة تتخبّط بعضها ببعض، ولم تنفّذ بعد أياً من هذه الشروط، ولم تتمكن من إنجاز اتفاق مع صندوق النقد الدولي، على رغم أنّ ذلك كان متوقعاً ومأمولاً مع مطلع هذه السنة. هذا الواقع يشكّل حالاً من اليأس، إذ إنّ لا حلّ في الأفق، فضلاً عن أنّ الأزمات الخارجية، إن كانت قريبة جغرافياً، كالنزاع بين السعودية وإيران، أو بعيدة كأزمة أوكرانيا، لها تأثيرها على البلد، أقلّه لجهة انشغال المجتمع الدولي عن لبنان ومشكلاته التي لا تنتهي، فهناك مصالح للغرب في دول أخرى أهم من مصالحها في «وطن الرسالة».
كلّ ما يُحكى عن مؤتمر دولي لحلّ مشكلة لبنان، قد تفرضه الوقائع في البلد وتوترات ما قد تنشأ، ليس مفروغاً منه، بحسب مصادر مطّلعة، فقد تحصل الفوضى أو أكثر منها، ولا يُعقد أي مؤتمر، وبالتالي، إنّ أي تراخٍ داخلي وترك البلد يدخل في المجهول يعني دفعه الى نفق أحد لا يعرف نهايته. فمخطئ من يظن أنّ «لا همّ للمجتمع الدولي الّا لبنان». وتذكّر هذه المصادر، أنّ جميع المسؤولين الأجانب سبق أن أسمعوا المسؤولين في لبنان علناً وبوضوح، أن «ساعدوا أنفسكم لكي نساعدكم». لذلك، لا يجب انتظار الكثير من المجتمع الدولي، إذ إنّه، وتحديداً واشنطن، من الواضح يعتمد سياسة العقوبات وسيستمرّ فيها، وقد يستمرّ في نجدة البلد كلّما شارف على السقوط، لكنّ هذا لا يحيي لا الشعب ولا الدولة، وبالتالي مهما قيل عن اتفاقات ومفاوضات ونزاعات خارجية، يبقى الحلّ في الداخل وفي بروز إرادة للإصلاح. فالإصلاح في لبنان، أمر يتفق عليه جميع المتنازعين في الخارج.
بالتوازي، هناك تخوُّف من أكثر من جهة من تطيير الانتخابات، ما ينقل البلد الى سيناريو الفوضى الشاملة، فضلاً عن أنّ الشارع بات من السهل تحريكه في ظلّ الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المزرية، إضافةً الى الخشية من عمل أمني ما داخلي يكون مدخلاً الى سيناريو أسوأ، أو افتعال جبهة مع إسرائيل، خصوصاً بعد «المسيّرة حسّان». كذلك ما زال البعض يقرأ في قرار رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري أبعد من تعليق عمله السياسي، ويعتبر أنّ خطوة الحريري تؤشر الى شيء ما يُحضّر للبنان أو ينتظره، سيؤثر على تركيبته ونظامه بالحدّ الأدنى، والّا لِمَ أصرّ الحريري على خياره، على رغم تدخٌّل داخلي وخارجي لثنيه عنه، خصوصاً أنّ الحريري نصح نواب كتلة «المستقبل» الذين التقاهم عشية ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط، كـ»أخٍ»، بـ»عدم خوض غمار الانتخابات، لأنّ التطورات في البلد تتجّه نحو الأسوأ والوضع الى مزيد من التدهور، ولا حلّ في الأفق على أي مستوى داخلي أو إقليمي أو دولي». وتوجّه إليهم، وقال: «من الأفضل ألّا تكونوا في موقع تتعرّضون فيه للشتائم».
الّا أنّ البعض الآخر يرى أنّ قرار الحريري مرتبط بتخلٍ خليجي، وسعودي تحديداً عنه، ومنحصر بعمله السياسي، وغير مرتبط بمستقبل البلد. وتقول مصادر مطّلعة، إنّ «لبنان ميؤوس منه سعودياً، لكن قرار الحريري لا يعني أنّهم سحبوا اليد من لبنان بل سحبوا اليد من الحريري، فكلّ من قرار الحريري والسياسة الخليجية على مستوى، وحتى إذا وجدوا أحداً غير الحريري ليدعموه لن تتغيّر السياسة تجاه لبنان، وهناك بحث جارٍ الآن حول هل لبنان ميؤوس منه أم يُمكن التدخّل فيه وإحداث فارق». وترى هذه المصادر، أنّ «قرار الحريري لا يعني أنّ لبنان ذاهب الى انهيار أو أنّه على دراية بمعلومات أحداً لا يعرفها، أو قيل له: «إنتبه إنّ السفينة تغرق، إهرب».
فما هو الأسوأ الذي قصده الحريري؟ تقول مصادر قيادية في تيار «المستقبل»: «الذي نعلمه أن لا حلول، لا اتفاق مع صندوق النقد ولا حلول في الأيام أو الأشهر المقبلة، ومن الواضح من نزاعات فريق العهد مع كلّ من حاكم مصرف لبنان والمدير العام لقوى الأمن الداخلي، أنّ الأمور متجّهة الى مزيد من الإشكالات وإلى الأسوأ». وعن السيناريوهات المطروحة، الواقعية أو «الخيالية»، من فوضى أو حرب أو تقسيم أو عقد اجتماعي جديد، ترى أنّ «هذا التحليل ليس بجديد، وقائم منذ سنتين ولا يزال وارداً. فكلّ شيء قد يحصل في ظلّ تفكّك المؤسسات ودولة فاشلة وحلول مؤجّلة، والمواطن لا يستطيع تأمين لقمة العيش، والناس يموتون على أبواب المستشفيات.. فهذا جزء من الفوضى، وقد نصل الى مكان تنفجر فيه الأوضاع ويكون الحلّ بمؤتمر تأسيسي. لكن السؤال الكبير: الى متى ستطول هذه الفترة؟ أحد لا يعلم».
وعن اعتبار البعض أنّ الحريري تخلّى عن مسؤوليته الوطنية في أخطر مرحلة من تاريخ البلد، توضح المصادر نفسها، أنّ «الحريري لو كان الحلّ بيده لما تخلّى عن مسؤوليته، وانسحب مفسحاً المجال ليأتي من يجد حلّاً». وترى هذه المصادر، أنّ «الذين «يندبون» بعد قرار الحريري، كان الأحرى بهم أن يفتحوا له المجال لكي يتصرف، وأكثر من «يندبونه» هم من خربوا البلد أي «حزب الله» وباسيل».
وفي حين أوعز «المستقبل» الى مسؤوليه الاستقالة من التيار في حال الترشح الى الانتخابات النيابية المقبلة، وعدم خوض هذه الانتخابات بإسم الحريري أو التيار، لم يقدّم أحد استقالته من التيار حتى الآن، بحسب المصادر القيادية. وعن هذا الانسحاب الحزبي والشخصي لنواب ومسؤولي «المستقبل» من المعركة الانتخابية، تقول المصادر نفسها: «نترك الساحة لمن يقول إنّ لديه حلولاً، ولمجموعات «الثورة» التي تقول: «كلن يعني كلن»، والتي من المفترض أن تكون تحمل بديلاً وحلولاً، فليتقدّم هؤلاء».
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :