لم تستبعد أوساط سياسية لبنانية أن يعلن رئيس تيار المستقبل سعد الحريري خلال الأيام القادمة انسحابه من الانتخابات النيابة المقررة في مارس القادم وإعلان هجر السياسة بشكل نهائي والتفرغ لحياته الخاصة. لكنها رجحت أن تكون هذه الخطوة -إذا تمّت- محاولة منه للفت الأنظار إليه بعد أن تم تهميشه داخليا، خاصة أن لا أحد من السياسيين شركاء “العهد” سعى لثنيه عن احتجابه لمدة أسابيع في فرنسا ودعاه إلى العودة أو عبر له عن حاجة لبنان إلى وجوده ودوره في الخروج من الأزمة.
وقالت هذه الأوساط إن الحريري الذي عاد منذ يومين من باريس لم يخف شعوره بالصدمة حيال حجم اللامبالاة بعودته حتى داخل الطائفة السنية؛ حيث قوبل غيابه بالكثير من الانتقادات واعتبر البعض بقاءه بعيدا عن لبنان هروبا من المعركة، ولم يقتنعوا بما قدمه من تبريرات للعزلة الاختيارية في باريس.
وعاد رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق الخميس إلى بيروت بعد غياب دام أربعة أشهر، حيث استهل نشاطه بزيارة السراي الكبير ولقاء رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي. كما زار دار الفتوى، والتقى مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان.
كما ترأس الحريري عصر الجمعة في بيت الوسط اجتماعا لكتلة المستقبل النيابية، تركز البحث خلاله على موضوع الانتخابات النيابية المقبلة، والأوضاع العامة من مختلف جوانبها، حسب ما جاء ضمن تغريدة على حسابه في تويتر.
واعتبر مراقبون لبنانيون أن قرار الحريري اعتزال السياسة أقرب إلى المناورة بهدف دفع الشارع السني إلى الالتفاف حوله ومطالبته بالتراجع عن قراره، وهو تقليد بات مألوفا بين السياسيين منذ خطاب تنحي الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر بعد هزيمة 1967 بهدف دفع الجماهير إلى التظاهر ودعوته إلى البقاء في السلطة.
وأشار المراقبون إلى أن الحريري إذا تمسك بقرار الاعتزال رغم معارضة المحيطين به فسيحدث أزمة داخل المكون السني ككل في ظل غياب بديل مهيأ للعب دور قيادي لخلافته وعدم تحمّس رؤساء حكومات سابقين لملء الفراغ الذي سيتركه بالتزامن مع انسداد الأفق، خاصة على مستوى الدعم المالي الذي كانت توفره العلاقة المريحة بين الحريري والسعودية.
ولم يستبعد هؤلاء أن يكون الحريري، بتلويحه بالاعتزال، ساعيا لالتفاتة سعودية تبدو صعبة المنال في ظل عدم مبالاة الرياض التي سئمت الوعود دون تحقيق نتائج، في وقت يجمع فيه المتابعون على أن الحريري دون دعم السعودية لا يقوى على فعل أي شيء.
وتكمن واحدة من أكبر مشكلات الحريري في أن السعودية، حتى وهي تمعن في إهماله، تعطي الانطباع بأنه “ابنها” مما يحول دون تدخل اطراف عربية ثانية لدعمه على الأرض.
ومن شأن قرار الانسحاب -الذي تذكر دوائر لبنانية أن الحريري اتخذه منذ مدة- أن يحدث أزمة حادة داخل تيار المستقبل الذي يعرف تراجعا كبيرا في الأشهر الأخيرة بسبب غياب الحريري والافتقاد إلى خطة لخوض الانتخابات المقبلة، فضلا عن الأزمة المالية التي جعلت الحزب بلا وسيلة إعلام تتكلم باسمه وتتابع أخباره وتقوم بحملة انتخابية سابقة لأوانها قياسا بغيره من المكونات المسيحية والشيعية.
وتتوقع الأوساط التي سبق ذكرها أن يكون قرار الانسحاب بمثابة الضربة القاصمة لتيار المستقبل، سواء من جهة تماسكه الداخلي أو من ناحية حظوظه في الانتخابات، بالإضافة إلى خسارة حظوظه في أن يلعب دور القوة التي تحدث التوازن مع حزب الله، وهو توازن بدأ يختل إثر تسلم سعد الحريري مهمة القيادة بعد مقتل رفيق الحريري في فبراير 2005 ويستمر بشكل أكبر بعد انسحاباته المتكررة وهروبه إلى الخارج.
وأكّد عضو كتلة المستقبل النائب هادي حبيش في تصريحات لوسائل إعلام لبنانية أنه إذا صحّ الحديث عن انسحاب الحريري من المشهد “فقد تنقلب موازين القوى في الانتخابات النيابيّة”، و”ستحلّ الكارثة في الشارع السني”.
وفيما ينظر الحريري إلى نفسه على أنه الوحيد القادر على التعبير عن السنة يشهد هذا النفوذ تراجعا كبيرا بعد أن خسر تأثيره في تيار المستقبل، وهو الحاضنة التي كان يتحرك بها انتخابيا وسياسيا. وكان لبرود العلاقة مع الرياض دور سلبي أثّر على التزاماته تجاه التيار ومؤسساته المختلفة، وخاصة الواجهة الإعلامية التي سيكون من الصعب عليه بعد خسارتها أن يواجه آلة إعلامية قوية لحزب الله وحلفائه.
وتحذّر أوساط سنية من أن انسحاب الحريري من المشهد سيعني آليا بداية النهاية للحريرية السياسية، خاصة أن عمته بهية الحريري تتقدم في العمر فيما شقيقه بهاء لا يحظى بأي شعبية باستثناء بعض المجموعات الصغيرة في بيروت وطرابلس تتلقى مساعدات مالية منه بين حين وآخر، فضلا عن فقدانه للتجربة والمؤهلات السياسية الضرورية.
وتشير هذه الأوساط إلى أن بهاء الحريري لم يشف بعد من عقدة رفض جهات عربية نافذة في عام 2005 أن يخلف والده كزعيم للطائفة السنّية في لبنان، وأنه يريد أن يثبت العكس حتى من خلال مواجهة شقيقه سعد، مذكرة ببيانه في مايو الماضي الذي تم الاحتفاء به إعلاميا في سياق استهداف سعد الحريري وليس احتفاء ببهاء.
ومنذ ولادة حكومة نجيب ميقاتي فضل الحريري البقاء في منزله بفرنسا ولم يستجب لنداءات تطالبه بالعودة سواء من داخل تيار المستقبل أو من خارجه، ولعل أبرزها نداء عدوه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط.
ووجه جنبلاط في ديسمبر الماضي ما يعتبره “نصيحة” إلى الحريري يدعوه بمقتضاها إلى العودة من المهجر، “حتّى نواجه سلميّا ونقاوم سلميا، ونقول كفى”، مشيرا إلى أنّه يقدّر ظروفه كما الضغوط التي يتعرّض لها، لكنّه لو كان مكانه لعاد لأنّ غيابه عن الساحة “لا يفيد”.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :