يعيش الوطن العربي بدوله كافة، جمهوريات وممالك وسلطنات وامارات متحدة او متباعدة او مقتتلة او متحاسدة، لا فرق، حالة من افتقاد اليقين وتشتت الافكار والاحساس المبهم بأنه ربما قد تسرع في تسليمه بما نشأ عليه ثم دعمته وقائع حياته من أن هذا الوطن الكبير واحد اصلاً، ولا بد أن يعود واحداً ليتقدموا ويكون لهم الغد.. من صنعاء إلى القدس مروراً بالرياض والكويت والعراق، ومن دمشق إلى بيروت فالقاهرة ثم طرابلس الغرب في ليبيا فتونس الخضراء، ثم جزائر المليون شهيد وبعدها المغرب الاقصى الذي حسم اهله الخلاف على مرجعيتهم السياسية الجامعة فكان الخيار الذي توافقوا عليه: أن يوفدوا إلى العتبات المقدسة (مكة المكرمة والمدينة المنورة) من يختار من اهل بيت رسول الله او ذريته من يجعلونه ملكا عليهم… وهذا ما كان وما هو قائم حتى اليوم ومعتمد شرعاً واصولاً.
فأما الجمهوريات (مصر وسوريا والعراق)، في المشرق، (وتونس والجزائر في المغرب)، وليبيا التي تمزقت دولة القذافي (جماهيريته) تنتظر أن يتم او يفرض الصلح بين ابنائها بشخص قياداتهم التي استولدتها حروب الانقسام فيها، فتنتظر لتعود ليبيا إلى النظام الذي يختاره شعبها بعد تجربة المملكة بقيادة ادريس السنوسي، ثم الجمهورية التي استولدت بانقلاب عسكري قاده بعض ضباط الجيش الملكي بقيادة العقيد معمر القذافي ومعه ابو بكر يونس وعبد السلام جلود وبضعة ضباط آخرين.
في البدايات كان الانقسام يتجسد في طبيعة النظام :المغرب مملكة، وتونس دولة يحكمها “الباي” قبل أن تنتصر بشعبها بقيادة الحبيب بورقيبة فيعلنها جمهورية، وهذا ما جرى في مصر ثم في ليبيا حيث أنهت انتفاضات قادها الجيش نظام الملكية لتقوم محلها الجمهورية المصرية التي خاضت بقيادة بطل الامة الراحل جمال عبد الناصر تجربة الوحدة مع سوريا واعلان قيام “الجمهورية العربية المتحدة” التي ارتجلت وحدتها استجابة للاماني والمطالب الشعبية الحماسة والتقدير المميز لجمال عبد الناصر كبطل للنضال القومي، الذي هزم العدوان الثلاثي الذي شنته بريطانيا وفرنسا مع العدو الاسرائيلي.. فضلاً عن مناصرته الثورة التي حررت الجزائر من الاستعمار الاستيطاني الفرنسي، ومناصرته حركة التغيير التحررية في كل من لبنان (انهاء عهد كميل شمعون وانتخاب فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية) والعراق (اسقاط الملكية فيه واعدام الملك فيصل الثاني ومعه الوصي على العرش الامير عبد الاله ورئيس الحكومة نوري السعيد ومعه عدد من الوزراء والاعيان الخ)..
*****
تزايد اعداد “الدول” العربية بأفضال النفط والغاز وتوالي اكتشافهما في قلب شبه الجزيرة العربية وأطراف الخليج فأقيمت دولة الكويت عام 1962 ثم دولة الغاز في قطر، ثم دولة النفط في ما صار يعرف بدولة الامارات العربية المتحدة (6 امارات هي ابو ظبي ودبي والشارقة وام القوين والفجيرة وعجمان – ومجموع سكانها، اصلاً لم يكن ليتجاوز المائة الف نسمة .. وان كانت انحاؤها، بعد اكتشاف النفط قد استقبلت مئات الالاف من المواطنين العرب، فاختارت من بينهم من تكرمت عليه بجنسيتها المذهبة).
من ذكريات الماضي أن بريطانيا العظمى التي كانت تسيطر على الخليج العربي بكافة اقطاره وصولاً إلى جنوب اليمن، وكذلك فهي كانت في الوقت ذاته منتدبة نفسها على العراق وهي قد اخترعت امارة شرقي الاردن، في التمهيد العملي لإعلان قيام دولة اسرائيل في فلسطين العربية وعلى حساب شعبها الذي ما زال يبذل دمه حتى اليوم للحفاظ على حقه في وطنه الذي بات تحت الاحتلال الصهيوني .. وتلك قصة تستحق أن تُروى: ففي العام 1917 وتحديداً في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) أطلق وزير خارجية بريطانيا، اللورد بلفور وعداً لزعيم الجماعة الصهيونية تيودور هيرتزل بان تساعد بريطانيا العظمى في اقامة الكيان الاسرائيلي على ارض فلسطين العرب.
ولقد باشرت الحركة الصهيونية تدريب رجالها في انحاء العالم، وتسفيرهم إلى فلسطين العربية لإنشاء الكيبوتزات (تؤلف الكيبوتزات بمجموعها نظام المستعمرات (المزارع) الجماعية الصهيونية الذي أقامته الحركة الصهيونية في فلسطين) تمهيدا لإقامة الدولة. وفي العام 1936 هب الشعب الفلسطيني في انتفاضة ثورية عظيمة ضد المشروع الصهيوني، شارك فيها بعض المناضلين العرب من سوريا والعراق ولبنان والمغرب ومصر، لكن الانتداب البريطاني عمل على قمعها..
بعد ذلك تعاظمت موجات المستوطنين المستقدمين وقد تلقوا الآن تدريبهم العسكري من خلال انتسابهم الى جيوش بريطانيا، وفي 15 ايار 1948 تم اعلان “دولة اسرائيل” وتزاحم السوفيات مع الأمريكان على الاعتراف بها ثم كرت الاعترافات الدولية.. بينما كان الشعب الفلسطيني الذي اخرجه الصهاينة من ارضه التي كانت ارضه عبر التاريخ، فانتشرت جموعه في الاقطار المجاورة لفلسطين: لبنان وسوريا اساساً، مع آلاف معدودة في اقطار الخليج، والكويت تحديدا وهي التي كانت اول دولة تنال استقلالها تحت قيادة عبدالله السالم الصباح.
*****
في اعقاب الحرب العالمية الثانية اقيمت جامعة الدول العربية لتجمع من استقل او أُعلن استقلاله رسميا، وان ظلت القوات الاجنبية فيه (مصر الملكية والانكليز فيها، وكذلك المملكة الهاشمية في العراق، وامارة شرقي الاردن، الهاشمية، وسوريا المستقلة حديثا وكذلك لبنان الذي كان قد خرج للتو من اسار الانتداب الفرنسي: جمهورية .. بنظام طوائفي تتقاسم المناصب العليا فيه الطوائف الكبرى فيه.
اليوم، تجري تغذية الطائفية في معظم البلاد العربية، لا سيما في المشرق (لبنان، سوريا، العراق.. ثم اليمن) .. وكذلك تغذي العنصرية في بعض دول المغرب العربي (المملكة المغربية والجمهورية الجزائرية)..
ولقد استجد انقسام جديد بين العرب: المصالحون (مصر، الاردن وفلسطين التي تهيمن عليها اسرائيل، بعد).. وقد انضم الى المصالحين قبل سنوات امارة قطر، وها ان دولة الامارات العربية المتحدة ومملكة البحرين تنضمان الى المطبعين..)
..مع ذلك فان شعب فلسطين في الضفة المقطعة اوصالها كما في غزة المعزولة بالبحر والاحتلال، يواصل نضاله (وحيداً!) من اجل الحرية والاستقلال والوحدة..
والتاريخ ليس يوماً او شهراً او سنة.. ولسوف يكون الغد للمناضلين من اجل ارضهم ووحدة الوطن العربي.
طلال سلمان
صاحب جريدة "السفير" اللبنانية ورئيس تحريرها
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :