"الغنيمة": وثائقي إسرائيلي يكشف أرشيف فلسطين.. المسروق من بيروت!

 

Telegram

بدأ الأمر صُدفة، ثم انتهى الأمر بفيلم وثائقي بعنوان "الغنيمة" أو "النهب". هكذا اختزلت صانعة الأفلام الاستقصائية في إسرائيل، كارنيت ماندل، حكايتها مع فيلمها الوثائقي الجديد، توطئة لبثه على باقة القنوات العبرية.
 
ويكشف الفيلم بعضاً من مقاطع الأفلام التي سرقها الجيش الإسرائيلي من أرشيف مركز البحوث التابع لمنظمة "التحرير" الفلسطينية، أثناء اجتياح بيروت العام 1982. كما يُلقي الضوء على الجدار "الحصين"، الذي تُشيّده المؤسسة الأمنية الإسرائيلية حول "غنائم الأرشيف"، بصفتها توثق التاريخ الفلسطيني منذ حقبة ثلاثينيات القرن الماضي، وتحديداً، قبل عشر سنوات من إقامة إسرائيل.
 
ونقلت صحيفة "هآرتس" عن ماندل أن الجيش الإسرائيلي سرق أثناء اجتياح بيروت، مئات الأفلام التي تروي تاريخ الشعب الفلسطيني، ما دفعها شخصياً إلى محاولة معرفة ما حدث لها، رغم مواجهتها لجدار دائم. وعلقت: "كان لدي شعور بأن هذه المواد يجب أن تنكشف".
 
تبدأ حكاية الفيلم، منذ اللحظة التي قررت فيها ماندل زيارة مركز أرشيف الجيش الإسرائيلي قبل عشر سنوات، بعد السماح لها بذلك لغاية تتعلق ببحث ماجستير تجريه عن الأرشيف عموماً. لكن نظراتها وقعت صُدفة على مجلد موضوع على الطاولة، بين خليط من الرسوم والوثائق القديمة. وكانت في داخل المغلف لائحة طويلة من العناصر الموجودة في نسخة مطبوعة من طابعة كومبيوتر قديمة بشكل خاص، تحمل عنواناً عبرانياً كان من الصعب تجاهله هو: "أفلام غنيمة الحرب".
 
ووصفت أوساط إسرائيلية ماندل بـ"ثعلبة الأرشيفات" على اعتبار أنها مُجرّبة وخبيرة في هذا المجال. وحينما لاحظت الملف المذكور، سألت موظفاً في مركز الأرشيف عن طبيعة المغلف وماهيته، فأجابها "إنها مواد من بيروت". ثم طلبت منه السماح لها برؤيتها، ليردّ عليها: "مطلوب منك مراسلة جهات عليا". وبعد كثير من المماطلة والإصرار، استغلت ماندل، دعوى قضائية قبل عشر سنوات، رفعتها باحثة اسرائيلية أخرى على الجيش، لعدم سماحه لها برؤية مواد بالأرشيف. وخشية أن تفعل ماندل الأمر ذاته، قرر جيش الإحتلال السماح لها برؤية بعض من المواد المنهوبة من بيروت.
 
وهنا، رصدت ماندل في فيلمها "الغنيمة- النهب" رحلتها التي خاضتها بعد مصادفة، لإظهار الضباب الذي صاحب وجود الأرشيف المسروق في اسرائيل. ويكشف الفيلم قليلاً فقط من المواد المسروقة من لبنان. ويبدأ بصوت مذيع راديو، يقول: "جنود جيش الدفاع يستخرجون شاحنات كبيرة من الملفات والمستندات من مقر منظمة التحرير في بيروت".
 
وعلقت ماندل بأن التسجيلات والصور، والفيديوهات المعروضة، تكشف واقعاً مغايراً ومعاكساً للواقع الذي أظهرته الدعاية الإسرائيلية على مدى سنوات. فهي تقدم وجهة نظر أخرى عما يحدث في المنطقة، أي وجهة نظر فلسطينية وعربية. وأقرت بأن المواد المسروقة، كان من المفترض أن تساعد الفلسطينيين على بناء رواية تاريخية، وهوية قومية ووطنية.
 
من بين اللقطات التي نجحت ماندل بمشاهدتها، توثيق للمعركة في قرية كرامة الأردنية، بين قوات منظمة التحرير الفلسطينية وجيش الإحتلال الإسرائيلي العام 1968. وهنا، قارنت ماندل بين ما قدمه الإعلام الإسرائيلي، لحظتها، عن "نصر كاسح لجيش إسرائيل"، وتلك التي وثقتها مواد الأرشيف الفلسطيني، المُستولى عليها من قبل إسرائيل. فمثلاً، بث الإعلام الإسرائيلي مشاهد لجنود إسرائيليين يوزعون سجائر على فلسطينيين في قرية الكرامة. لكن ماندل تبينت حقيقة معاكسة للدعاية الإسرائيلية، وهي أن هذه الصور لمكان آخر، وأن معركة الكرامة كانت عملية عسكرية صعبة، مُني فيها الجيش الإسرائيلي بخسائر فادحة، تمثلت بأكثر من 30 قتيلاً و160 جريحاً.
 
وبحسب الفيلم، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك، ليفي اشكول، أصدر أمراً بمنع نشر نتائج المعركة بالكامل، في حين، أن النتائج الحقيقية للمعركة نشرت فقط العام 1984. وأوضحت ماندل أن الصور والفيديوهات الواردة في الأرشيف الفلسطيني المسروق، تظهر قرية الكرامة الأردنية وهي مدمرة وبيوتها مهدومة، وهو منظر يؤكد حصول "معركة رهيبة بالمكان".
 
"عندما رأيتها للمرة الأولى أصبت بصدمة". هكذا وصفت ماندل شعورها عندما شاهدت المواد المسروقة عن معركة الكرامة للتّو، ما ولد لديها شعوراً بالغضب، لأن الجمهور الإسرائيلي لم يتمكن من رؤيتها من قبل. فعلى سبيل المثال، مشهد من مخيم للاجئين الفلسطينيين بالأردن، يوثق نزوح سكان الكرامة إليه نتيجة المعركة القاسية. مشيرة إلى أنه "يظهر بحراً من الخيام وطيناً وثلجاً". وُشبّهت الأمر، بالخيام التي أقامتها إسرائيل لليهود العرب المهاجرين إليها في بداية نشوئها، قبل عملية تسكينهم في فلسطين. وروت ماندل: "عندما رأيت المشاهد، قلت لنفسي: يجب كشف الأمر للجمهور".
 
إلى ذلك، يتطرق الوثائقي الإسرائيلي للمواد التي تدلل على مجزرة خان يونس بقطاع غزة العام 1956، وراح ضحيتها أكثر من 250 فلسطينياً. وعلقت ماندل عليها: "كل الأمور تؤكد أهمية تاريخية لهذه المقاطع". لكن الملاحظ في العموم أن ماندل تحرص في فيلمها على عرض مقاطع الفيديو والصور، حول أحداث معينة، أمام فلسطينيين وإسرائيليين، كل على حدة بهدف تحقيق أمرين: الأول، معاينة ردود أفعالهم وكيفيتها. والثاني، محاولتها معرفة المزيد منهم عما حدث في تلك الوقائع، وما إذا كانت هناك مواد أخرى مما سرق الجيش الإسرائيلي، خصوصاً أن الأخير لم يتعاون معها، ولم يكشف كل شيء عن تلك المواد وسياقاتها. وتحدثت ماندل عن بكاء فلسطينيين اثنين من غزة، حينما أطلعتهما على صور وفيديوهات مسلوبة.
 
وهنا، رصدت ماندل تبايناً في الرواية الرسمية الإسرائيلية حول الأرشيف الفلسطيني المسروق ومصيره. فبينما نفت مديرة أرشيف الجيش الإسرائيلي، ايلانا الون، والتي تركت منصبها مؤخراً، أن يكون هناك أرشيفاً من الغنائم، بقولها "إنها مجرد أساطير غير صحيحة، وأن إسرائيل قامت بتسليمه للسلطة الفلسطينية بعد إبرام اتفاق أوسلو العام 1993"، أدلى الجيش الإسرائيلي بتصريح مفاده أن "الأرشيف الفلسطيني، الذي أخذه من لبنان في الحرب الأولى، أعيد إلى منظمة التحرير في صفقة تبادل للأسرى العام 1983". ويعكس تضارب الرواية الإسرائيلية، حجم الإرباك في الإجابة على الأسئلة المُلحّة.
 
من جهته، قال أمين المحفوظات الإسرائيلي السابق، يعقوب لازوبيك، أن دور الأرشيف هو إظهار ما يوجد في داخله للناس. وأضاف بطريقة لا تخلو من نقد للقائمين على الأرشيف الإسرائيلي: "هنالك مواد قليلة جداً جداً جداً، يجب أن تبقى طيّ السرية لأسباب أمنية، وليس لإعتبارات تتعلق بالرواية التاريخية". وعليه، خلصت ماندل إلى التأكيد بأنّ أفلام الغنيمة سُرقت وليس واضحاً مصيرها، مبينة أن باحثي سينما فلسطينيين لم يسمعوا عن هذا الأمر!
 
ورصدت "المدن" تعليقات لباحثين إسرائيليين في السوشيال ميديا، أبرزها: "على مدى سنوات، استقبل أرشيف الجيش الإسرائيلي مواد غنائم فلسطينية، وليس مرة واحدة".. وهذا يستدعي نهوضاً فلسطينياً، لمعركة رواية مبنية على استرداد معلومات تؤرق الإحتلال الإسرائيلي، من دون الإنحسار في دائرة الرواية المبنية على "بُكائيات" غير قادرة على مواجهة الدعاية الإسرائيلية.
 
 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا

تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegram

نسخ الرابط :

(يلفت موقع “iconnews ” انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره)

:شارك المقال على وسائل التواصل الإجتماعي

 

Telegram