كتبت صفاء درويش في "السياسة":
في الحادي عشر من أيّار الماضي، أي قبل خمسة أشهر من اليوم، زفّ رئيس تيار المردة سليمان فرنجية للبنانيين خبر عدم وجود نفط في لبنان معتبرًا أن السلطة، الذي كان ولا يزال جزءًا منها، كذبت على اللبنانيين. قبل أيّام، بدا نجله طوني غير مدرك لكلام والده، أو ربّما لم يستمع لمؤتمره الصحفي في حينه، حين دعا اللبنانيين للتركيز على ايجابيات اتفاق الإطار لترسيم الحدود الذي يفتح المجال أمام شركة توتال للتنقيب عن النفط.
تناقض التصريحين ليس وليد صدفة، بل قد يصوّر مشهدًا واضحًا عن مسيرة سياسية تلعب على التناقضات، وتستثمر بالمتغيّرات، وكيف يميل ميزان المصلحة تميل.
تفنيد تاريخ المردة السياسي، هم أصحاب الكتلة الأصغر في المجلس النيابي، يُظهر بوضوح كيف اجتمعت علامات استفهام كثيرة في مسيرة واحدة، وهذا يشبه العديد من التيارات السياسية، ولكن المستغرب جدًا هو جرأة رئيس التيار على اتهام غيره بما ابتلى هو به، وهنا تكمن المعضلة.
في علم نفس الأفراد عادة ما تبرز نماذج من أشخاص يسعون للهروب إلى الأمام من خلال رمي نواقصهم تجاه غيرهم بصوت مرتفع واستعراض واضح، وهو انعكاس طبيعي لضعف الثقة بالنفس والحاجة للفت الإنتباه بدرجة كبيرة.
في تسعينيات القرن الماضي كان سليمان فرنجية رأس حربة مواجهة مشروع رفيق الحريري، فعارضه من داخل معظم حكوماته، وكان من قلّةٍ تجاهر بموقفها من الرجل القريب جدًا من النظام الأمني القائم حينذاك. وحتى بعد اغتيال الحريري، كان فرنجية رأس حربة في مواجهة مشروع الورثة، بل كانت بعض خطاباته ومقابلاته قائمة على أساس الهجوم على آل الحريري، ليصف في احدى المرّات الرئيس سعد الحريري نفسه بالطفل، الأمر الذي لم يخرج عن لسان معظم خصوم الحريري في حينه. سنوات مرّت ليرمي فرنجية كل ما قاله جانبًا ويقفز إلى حضن الحريري الإبن، بعدما أوحى له الأخير بنيته ترشيحه لرئاسة الجمهورية، ضاربًا بعرض الحائط رغبة حليفه الأساسي حزب الله، وواقع يقول أن ميشال عون يحوز على تأييد أغلبية المسيحيين. بثلاثة نوّاب في حينه (نائبان فقط بعد اقرار القانون النسبي الأعدل من الأكثري) حلم سليمان فرنجية في دخول قصر بعبدا من شبّاكه، معاندًا الأكثريتين الشعبية والنيابية ومتسلّحًا بدعم من لطالما اعتبره هو فاسدًا ابن فاسد.
قد يسقط أي سياسي فيما سقط به فرنجية من إغراء المنصب والتموضع المصلحي، ولكن الحياة كانت لتستمر لو أنّ لهذا السياسي تاريخ من مواجهة الفساد. هنا قد يعتبر الرأي العام أن ما مرّ كان مرحليًا، ولكن العودة لأداء الرجل في الوزارات، كفيل بنسف كل شيء.
لم ينس اللبنانيون كيف أعطى وزير الداخلية سليمان فرنجية رخص فتح محلات البينغو بشكل عشوائي، لتنتشر في مناطق عدّة بين البيوت وتحت شرفات غرف نوم الأطفال. حتى الساعة لم يُفتح الملف قضائيًا ولكن تفشّي الرخص في حينه مأرشف ولا يمكن أن يُنسى ولو مرّت سنوات عليه. في الداخلية أيضًا "تكارم" الرجل من "كيس" الدولة فمنح 23 ألف لوحة سير مميزة على معارفه وأنصاره وأصدقائه، فتكاد تكون مصادفة كبيرة أن تمر في شوارع زغرتا سيارة لا تحمل لوحة مميزة. خطوة فرنجية في حينه أتت قبل الإنتخابات النيابية بأشهر، ولم يساؤله عنها أحد!
سنوات مرّت على خروج فرنجية من وزارة الداخلية، لتُنسى فضائحه مع مرور الوقت، كون لبنان يتمتّع ب"سوسبنس" يومي ودائم، يعجّ بالأحداث والمتغيّرات. وحين كاد الرأي أن يؤخد بهجوم فرنجية على العهد، برزت فضيحة الفيول المغشوش. فبعد صدور القرار الظني في القضية الصادر عن قاضي التحقيق الاول في جبل لبنان نقولا منصور، تبين ان بعض الموظفين المذكورة أسماؤهم في الجداول هم شكليون ويتقاضون رواتبهم من دون الحضور الى مكاتبهم ولا يوجد لديهم أي عمل وليس لديهم أي مسؤولية عن الأعمال داخل منشآت النفط.
وجاء في القرار، ان هؤلاء المنتمين إلى تيار المردة ومقربين من نواب كتلة المردة يتقاضون رواتبهم منذ سنوات عديدة ويتم غض النظر عن حضورهم من قبل المدير العام سركيس حليس المحسوب مباشرة على رئيس المردة النائب السابق سليمان فرنجية.
لم تقف الأمور هنا، بل رفض فرنجية مثول المقرّب منه حليس أمام القضاء لادعائه بأنّ القاضي مشكوك في نزاهته ومنحازُ ضده. وبهذه الذريعة، لم يمثل خشية توقيفه. أثبت فرنجية هنا أنّه رجل دولة بحق!
أيضًا وأيضًا كادت الناس أن تنسى فضيحة الفيول وإخفاء حليس بعدما أوجع انفجار الرابع من آب قلوبهم وبيوتهم، ليرفض المردة الهدية ويعود إلى الصورة. فقد وثّق الزميل في قناة الجديد هادي الأمين كيف سُرقت الملفات من وزارة الأشغال العامة والنقل بعد أيام من انفجار مرفأ بيروت من خلال عرض صورة لمستشار وزيري الأشغال في حكومة تصريف الأعمال ميشال نجار والوزير الأسبق يوسف فنيانوس وهو يقوم بتهريب ملفات من وزارة الأشغال بدون علم الوزير نجار يوم الأحد الساعة الواحدة فجراً. الخبر عادي؟ الوزيران ينتميان إلى المردة!
خمسة بين التصريحين المتناقضين للأب وابنه، وفيما بينهما أين المردة من اقتراحات القوانين في المجلس النيابي وأينهم من الوقوف بين الناس في فترة تُعد الأقسى في تاريخ لبنان.ب عد سنوات سيكون للبنان نفطًا يُستخرج من البحر، وسيكون سليمان فرنجية لا يزال مستمرًا بمسلسل تقلّباته السياسية، وفق المصلحة الشخصية والمنفعة الحزبية. المتغيّر الوحيد هو الحجم الذي تضاءل في الإنتخابات وربّما سيصغر أكثر من حجم زغرتا، الزاوية.
تابعوا آخر الأخبار من icon news على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من icon news على Telegramنسخ الرابط :