استعر الخلاف نهاية الاسبوع الماضي بين المكونات الاربعة الاساسية في البلاد، تسلم كل طرف جبهة، وبدأت عمليات قنص بوابل التصريحات التي خرقت المحظور ورفعت سقف المواجهة.
تسلم حزب الله الجبهة ضد القوات اللبنانية فيما تكفل التيار الوطني الحر بقصف جبهة أمل، وأمطر الجميع الجبهات مواقف وبيانات، هي الاكثر فتكاً منذ الصراع الدائر بين الاطراف، ولم يسلم الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الذي كان الى حد ما بعيداً عن القنص السياسي، من لسان نائب القوات اللبنانية بيار بو عاصي الذي وصف نصرالله بـ "سبع البرمبو"، وهذا التعبير ربما تخطى فيه بو عاصي الجرأة بوجه السيد حسن نصرالله الذي اندفعت جماهيره ذات ليلة قبل سنوات الى الشارع رفضاً لـ "سكيتش" قدمه المخرج شربل خليل واستحضر فيه شخصية السيد بقالب كوميدي.
اليوم، باتت المعركة مفتوحة وتُنذر بتصعيد خطير، فالتيار الوطني الحر ذهب مباشرة باتجاه حركة أمل، ولم "يبلع" رئيسه النائب جبران باسيل ما حصل في الجلسة التشريعية الاخيرة وكيف "انسلق" قانون الانتخاب، بحسب باسيل، على يد الرئيس نبيه بري الذي صوت، بحسب اتهامات التيار، على ما يريده وسحب كل البنود التي يرى أنها تضر بمصلحته الانتخابية.
وصل الامر بالمكتب السياسي في التيار الى اتهام حركة أمل، من دون أن يذكر اسمها، بالتحالف مع حزب القوات اللبنانية في أحداث الطيونة - عين الرمانة، وبلهجة "حربية" هاجم التيار الحركة في الامن والسياسة والوضع المعيشي، فاستنفرت الحركة وسارعت إلى إصدار بيان وجهت فيه السهام الى التيار الذي "يحاول استغلال تفاهم سياسي في مار مخايل لزرع الفتن والمس بالتحالف المتمثل بالثنائية الحقيقية بين حركة أمل وحزب الله والذي تعمد بدماء الشهداء الذين سقطوا في الطيونة جنباً الى جنب". الحركة التي وصفت التيار بصاحب "العقل المريض"، تبنت رواية "تسييس القضاء عبر الغرفة السوداء برئاسة سليم جريصاتي والتي تحرك وتدير عمل القاضي طارق البيطار"، لتصيب بحجرها القضاء وتتهمه بالتواطؤ عليها عبر قضية التحقيقات بانفجار المرفأ.
استبقت الاطراف السياسية الربيع الانتخابي، وقررت فتح معركة تشرينية تتوسع رقعتها كلما اقتربنا من 27 آذار، ولكن هذه المرة سيكون السلاح ثقيلاً وقد يسقط جبهات، فالمعركة مع الطبقة السياسية حملت عنوان "عليَّ وعلى أعدائي"، وتحولت حادثة الطيونة - عين الرمانة الى مطية قد ترفع أسهم الاطراف داخل بيئاتهم وتدفع بالمترددين الى حسم خيارهم الانتخابي ضد كل من يريد إقصاء الدور الطائفي لهذا الفريق أو ذاك.
يخشى المجتمع المدني من المواجهة الكبيرة التي دخل إليها بوجه الاحزاب السياسية، فالمسألة ليست سهلة بالنسبة إليه والاسلحة التي يمكن لتلك القوى استعمالها كثيرة وفعالة، الا أنها ما تزال تقليدية وكشفها الرأي العام ولم تعد تنطلي على أحد، ويشير عدد من القيّمين على المجموعات المدنية الى أن الناخبين الشباب باتوا مقتنعين بأن الامور تغيرت والتغيير واجب لا بد منه، وبالتالي فإن اي سيناريو تلجأ اليه تلك الاحزاب لن يغير المعادلات الداخلية والخارجية.
في المقابل، تؤكد القوات اللبنانية بأن معركتها بعيدة كل البعد عن الشعبوية، وتدعو أوساطها الى التعمّق أكثر في المواقف والتصريحات لرئيس الحزب سمير جعجع وللنواب والوزراء والقيادات، كلها تشير الى أن القوات موقف واحد ضد السلاح غير الشرعي وكل الاطراف التي تعمل على اسقاط مفهوم الدولة لصالح الدويلة، وبالتالي فإن الحديث عن توزيع أدوار بين الكتل بعيد عن الواقع، وهو ما تسوقه مجموعات تدَّعي الثورة. وتؤكد أوساط القوات انها لا تنتظر من أحد الوقوف الى جانبها عن غير قناعة، فهي كانت وستستمر في حمل راية الدولة بالمفهوم المؤسساتي وتقديمه على أي منطق آخر، وتحديداً ذلك الذي يدافع عنه حزب الله ويسير به.
أما بالنسبة للتيار الوطني الحر فالأمر معاكس، حيث يظهر البعض "القوات" كأنه المخلِّص ويرمي كل ما حصل من انهيار في مؤسسات الدولة في ملعب التيار ويتناسى الاطراف الاخرى وعلى رأسهم حركة أمل. وتسأل مصادر التيار عن الاسباب الحقيقية التي تمنع القوات ورئيسها من ذكر الرئيس بري أو الحركة بأي ملف رغم تسلم بري ومعه الحركة لمفاصل الدولة منذ ولادة لبنان الطائف حتى يومنا هذا، في حين يصوب على التيار ويحمله وزر سنوات طويلة من الفساد، وهذا الامر، بحسب المصادر، بات مكشوفاً لدى الرأي العام والقصد منه محاصرة حزب الله والتيار لصالح أمل القوات والاشتراكي.
اما حزب الله الذي "رَعَدَ" في سماء معراب فأمطر لسان رئيس كتلته النيابية كلاماً موجهاً مباشرة الى جعجع واصفاً اياه بالكاذب، فأرسى معادلة جديدة عمل عليها بعد أحداث الطيونة وهي التي تقضي بمثول جعجع أمام المحكمة العسكرية مقابل مثول الحزب والحركة بوزرائهم ونوابهم امام القاضي البيطار في ملف انفجار المرفأ، وهذا الامر يعلم الحزب كما الحركة أنه غير وارد على الاطلاق ويسعى من خلال خطوته الى المقايضة على ملف التحقيق ودفع الطرف المسيحي الى التسليم بتطيير البيطار وتعيين قاض آخر مكانه بإشراف الثنائي.
المعركة الانتخابية المفتوحة قد تنسحب نحو الشارع الذي يحبس أنفاسه، وحادثة الطيونة - عين الرمانة لم تبرد بعد، بل ما تزال ناراً تحت الرماد، وتظهر الاعلام السوداء المرفوعة في الضاحية والبيئات الشيعية ان المسألة أكبر من التطويق السياسي، وهنا الخشية من انفجار الشارع قبل الاستحقاق الانتخابي.
نسخ الرابط :