بيروت 1” مغامرة بحجم إنقاذ وطن
ينعقد مؤتمر «بيروت وان» في لحظة سياسية واقتصادية بالغة الحساسية، تحيط بها شكوك وهواجس تُضاهي التوقعات المتفائلة.
فلبنان يعيش تحت وطأة الاعتداءات الإسرائيلية اليومية التي تضرب في الجنوب والبقاع بلا هوادة، فيما تنخر الانقسامات السياسية في جسد الدولة وتعرقل تنفيذ الإصلاحات المالية والإدارية المطلوبة داخلياً وخارجياً. وفي ظل هذا الواقع المضطرب، اختارت الحكومة أن تخوض تجربة ليست سهلة: تنظيم أول مؤتمر اقتصادي كبير بعد الحرب، في خطوة يمكن وصفها بـ «المغامرة المحسوبة» التي تتطلب جرأة واستشرافاً، أكثر مما تتطلب ظروفاً مثالية.
فقرار عقد المؤتمر لم يكن مجرد حدث تقني أو مناسبة بروتوكولية، بل محاولة جدّية لكسر الجمود وإعادة وضع لبنان على خريطة الاهتمام الإقليمي والدولي. فبلدٌ يعيش على الحافة الاقتصادية، ويكافح لاستعادة الحد الأدنى من الثقة، يحتاج إلى مبادرات كهذه تُظهر أن المجال لا يزال مفتوحاً للاستثمار، وأن بيروت لم تفقد دورها التقليدي كمنصة اقتصادية ومالية في المنطقة.
وفي خضم هذه المغامرة، جاءت المشاركة السعودية الواسعة لتمنح المؤتمر بُعداً إضافياً، ليس فقط من ناحية الحضور النوعي للشخصيات الاقتصادية الكبرى، بل أيضاً لناحية الرسالة السياسية التي تحملها هذه المشاركة. فالسعودية، التي استعادت حضورها المميز في المشهد اللبناني خلال الأشهر الماضية، تبدو مصمّمة على فتح صفحة جديدة مع بيروت، عنوانها الشراكة الاقتصادية ودعم الاستقرار، وهو ما يعيد إلى الأذهان الدور التاريخي للمملكة في احتضان لبنان ودعمه في محطات مفصلية عديدة.
إن هذه المشاركة السعودية، بما تمثّله من ثقل اقتصادي عربي وإقليمي، تعزز قدرة المؤتمر على جذب الاهتمام الدولي، وتُشجع على قيام مشاريع مشتركة يمكن أن تُعيد الحيوية إلى العديد من القطاعات الإنتاجية اللبنانية. كما تفتح الأبواب أمام استعادة العلاقات التجارية بين البلدين، خصوصاً أن السوق السعودية كانت لسنوات طويلة الوجهة الأولى للصادرات اللبنانية، وشرياناً أساسياً في الدورة الاقتصادية الوطنية.
ورغم كل التحديات، فإن انعقاد «بيروت وان» يحمل دلالة رمزية كبرى: بيروت تريد أن تقف مجدداً على قدميها. فالمؤتمر، وإن لم يحقق جميع طموحات اللبنانيين، يمكن أن يشكّل نقطة انطلاق جديدة إذا أحسنت السلطة الحفاظ على الزخم السياسي الذي تولّده المشاركة العربية، ولا سيما السعودية، وتمكنت من ملاقاة هذا الدعم بخطوات إصلاحية فعلية تعيد الثقة إلى الداخل والخارج معاً.
قد تكون الظروف المحيطة بإنعقاد المؤتمر صعبة، لكن المبادرات الجريئة وحدها قادرة على تغيير المسار. و«بيروت وان» هو مغامرة بحجم إنقاذ وطن، واختبار جديد لقدرة لبنان على تحويل المغامرة إلى فرصة، والفرصة إلى بداية تعافٍ اقتصادي يحتاجه اللبنانيون أكثر من أي وقت مضى.
| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) .اضغط هنا
نسخ الرابط :